المستوطنون يبلورون الإجماع الصهيوني
د. صالح النعامي
لقد عززت نتائج الانتخابات (الإسرائيلية) الأخيرة بشكل واضح موقع النخب السياسية التي تمثل المستوطنين بشكل مباشر؛ وتلك التي تتبنى مطالبهم بشكل كلي، أو جزئي داخل دوائر صنع القرار في (إسرائيل)، مثل حزب "البيت اليهودي"، المتدين؛ وهو الحزب الأكثر تمثيلاً للمستوطنين في الحلبة الحزبية (الإسرائيلية) الذي قفز تمثيله من ثلاثة مقاعد في البرلمان السابق إلى 12 مقعدًا في البرلمان الحالي.
في الوقت ذاته زاد تمثيل الأحزاب الدينية الحريدية (حركة شاس وحزب يهودت هتوراة)، التي تتبنى أيضًا مواقف المستوطنين من 16 مقعدًا إلى 18 مقعدًا في البرلمان الحالي.
لكن من الأهمية بمكان التأكيد هنا على حقيقة أنه لا يشترك في الدفاع عن مصالح المستوطنين الأحزاب المتدينة فحسب، فهذه الأحزاب حصلت على 23% من الأصوات، فداخل الأحزاب العلمانية هناك نواة صلبة تمثل لوبي أيديولوجي يخدم مصالح المستوطنين؛ لا سيما في حزب الليكود الحاكم؛ حيث إن جميع نواب الحزب الجدد هم جزء من هذا اللوبي.
وقد تعزز موقع المستوطنين داخل حزب الليكود بانتخاب موشيه فايغلين، أحد قادتهم على قائمة الحزب؛ وهو في الوقت ذاته يتزعم معسكر "القيادة اليهودية"، أحد أهم المعسكرات تأثيرًا داخل الليكود.
ومن المفارقة، أنه في الوقت الذي تُسلَّط الأضواء على مطالب الأحزاب الدينية الرافضة للمَسّ بالمشروع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية؛ فإنه يتم تجاهل حقيقة أن جميع نواب حزب الليكود العلمانيين يرفضون إخلاء المستوطنات، حتى النائية منها، ويرفضون أي إبطاء في المشاريع الهادفة لاستكمال تهويد مدينة القدس وضواحيها.
لقد غدا المستوطنون هم القوة الأيديولوجية الأكثر تأثيرًا داخل الحزب الحاكم؛ لدرجة أن هناك داخل (إسرائيل) من بات يطلق على الليكود بعد الانتخابات الأخيرة "حزب المستوطنين"؛ بل إن كل الدلائل تشير إلى أن الليكود العلماني تحديدًا هو الأكثر "إخلاصًا" من بين الأحزاب في (إسرائيل) للمشروع الاستيطاني.
من هنا، فعندما يصبح الحزب الحاكم في أي نظام سياسي حكراً لجماعة ذات توجه أيديولوجي محدد، إنه يصبح من المتعذر أن تتخذ الحكومة أي قرار يتعارض بشكل كبير مع توجهات ومصالح هذه الجماعة.
إن المستوطنين مطمئنون تمامًا إلى أن وزراء ونواب الليكود سيدافعون بكل قوة عن مصالح المشروع الاستيطاني. وفي الوقت ذاته، فإن أكثر من ربع النواب في البرلمان الجديد هم مستوطنون؛ وبالتالي فإن هؤلاء يرون في الدفاع عن المشروع الاستيطاني دفاعًا عن مصلحة شخصية وعائلية؛ إلى جانب كونه التزامًا أيديولوجيًا.
لبيد والمستوطنون
إن أوضح مؤشر على نجاح المستوطنين في بلورة "الإجماع الوطني" (الإسرائيلي) بما يخدم مصالحهم هو النجاح الكبير والمفاجئ الذي حققه حزب "ييش عتيد"، بزعامة يئير لبيد؛ والذي يمثل الوسط (الإسرائيلي)؛ والذي خاض الانتخابات لأول مرة؛ حيث حلّ الحزب في المكانة الثانية بعد تحالف حزبي الليكود واسرائيل بيتنا.
ومن المفارقة أن بعض النخب العربية اختارت أن تقرأ تحقيق هذا الحزب مفاجأته على أنه دليل على تراجع قوة اليمين في (إسرائيل)، وضربة للمستوطنين؛ في حين أن الصحيح هو العكس تمامًا؛ فالبرنامج السياسي لحزب "ييش عتيد" ينص بشكل أساسي على تحصين معظم المكاسب التي حققها المستوطنون منذ حرب عام 1967 وحتى الآن؛ وبكل تأكيد لا يمكن أن يكون هناك قائد فلسطيني يقبل تصور هذا الحزب لحل الصراع.
فعلى سبيل المثال، يدعو برنامج الحزب إلى عدم تخلي (إسرائيل) عن القدس؛ التي يجب أن تبقى "عاصمة (إسرائيل) الموحدة والأبدية". وفي الوقت ذاته، فإن هذا الحزب يدعو إلى ضم كل التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية إلى (إسرائيل) في أية تسوية سياسية للصراع؛ مع العلم أن هذه التجمعات تضم حوالي 75% من المستوطنين في الضفة الغربية.
ليس هذا فحسب؛ بل إن الحزب يدعو إلى احتفاظ (إسرائيل) بمنطقة غور الأردن؛ التي تشكّل 25% من الضفة الغربية؛ أي أن التسوية السياسية للصراع مع الفلسطينيين، كما يقبل بها حزب "ييش عتيد"، تُبقي حوالي 50% من مساحة الضفة الغربية تحت سيطرة (إسرائيل).
إن أكثر ما يُبدي هذا الحزب مرونة تجاهه هو استعداده لتفكيك المستوطنات النائية في أرجاء الضفة الغربية. ولم يكتف لبيد بعرض هذه المواقف؛ بل إنه غازل المستوطنين بالتعبير عن مواقف ذات طابع عنصري من العرب.
إن أوضح مؤشر على التناغم والانسجام الأيديولوجي بين حزب "ييش عتيد"، الذي يمثل الوسط في (إسرائيل) والمستوطنين حقيقة أن هذا الحزب قد هدد بعدم الانضمام لحكومة نتنياهو في حال لم يتم ضم حزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل المستوطنين، للحكومة القادمة.
وحتى حزب العمل؛ الذي يمثل اليسار (الإسرائيلي)؛ والذي كان يقدم نفسه على أنه ممثل "معسكر السلام (الإسرائيلي)، فإن مواقفه الأيديولوجية من الصراع باتت تتقاطع مع مواقف المستوطنين؛ فقد حرصت زعيمة الحزب شيلي يحيموفيتش منذ بدء الحملة الانتخابية الأخيرة، على ترديد الحجة، التي تمثل إحدى ركائز الخطاب السياسي للمستوطنين.
وقللت يحيموفيتش من أهمية حل الصراع مع الشعب الفلسطيني بالنسبة للإسرائيليين؛ وأكدت أن على (إسرائيل) أن تستثمر في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؛ بدلاً من تخصيص الوقت والجهد للتفرغ لحل الصراع.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية