المصالحات الفلسطينية الكبرى
وضاح خنفر
إن فلسطين القضية والفكرة والروح هي بلا شك أحد القيم الكبرى في الشرق الجديد، ويمكن الاتكاء على فلسطين كنقطة التقاء وبوصلة ناظمة عبرها تتفتح القيم الأخرى من عدالة وحرية وإنسانية ونصرة للمظلوم ووحدة وتكامل وما يستلزم ذلك من واقع سياسي آخر وجديد ومغاير لما يضيق به فكرنا حالياً، فمن يعتقد أن فلسطين كيان وشكل سياسي سيكون منفرداً وحاسماً في الواقع الاستراتيجي مخطئ، ويفشل في فهم الشرق الجديد ويفشل في فهم سلوك القوى الكبرى والاستعمارية، من هنا نقول أن فلسطين تتمدد من خلال محيطها، ومحيطها يستقر ويتكامل من خلالها، وهذا يحتم مصالحة فلسطينية أولى كبرى بين فلسطين الفكرة والمبدأ ومحيطها الإقليمي وجوارها الحضاري، لأن الخلل الاستراتيجي الأهم في مسار القضية الفلسطينية انسلاخها عن محضنها الحضاري الممتد، فتحولت فلسطين من روح تسري في أوصال الأمة إلى قطعة أرض ومسألة حدود تصغر أكثر فأكثر بدل أن تمتد بلا حدود، وتصبح كرامة وحرية الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية مجرد تفاهمات اقتصادية وأمنية تسمح له بالتحرك في عدة أمتار وتحصر أحلامه في لعبة الضرورات ومسببات البقاء.
فالمصالحة الكبرى التي ينبغي أن نعكف على انجازها ذات بعد متعلق بطبيعة القضية وقيمتها، قضية حق وعدل وتحرر، إن حيوية فلسطين السياسية يجب أن تستمد من أرواح ملايين الأشخاص في حواضر المشرق الجديد، ومن ملايين المدافعين عن الحرية والعدالة في أرجاء الأرض، فلفلسطين رصيد عربي وإسلامي لا يتزعزع، ولها كذلك رصيد انساني عالمي ممتد في القارات الخمس ينبغي التصالح معه من جديد.
أما المصالحة الفلسطينية الثانية الكبرى والتي يتحتم على الفلسطينيين التحرك بشأنها هي المصالحة بين مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث: الشتات، وفلسطينيو غزة والضفة وفلسطينيو ٤٨، ففلسطينيو الشتات يمثلون مخزنا ضخما وسندا هائلا للقضية، وللأسف فإن دورهم قد تراجع خلال السنوات الماضية، وبقيت فلسطين حنينا وشوقا ساكنا في نفوسهم وقلوبهم، يقتصر تعبيرهم عنها من خلال مراسم ثقافية ومظاهر فلكلورية غير متصلة بالهم السياسي الكبير، أو بالمسار الوطني الشامل، أما فلسطينيو الثمانية وأربعين فقد أُسقطوا من الحسابات السياسية في القرارات الاستراتيجية الكبرى لحركات التحرر الوطنية الفلسطينية، مع أنهم يمثلون شاهدا مهما على عدالة القضية وأصالة مطالبها، بل ربما لا أبالغ إن قلت أنهم يمثلون مرتكزا رئيسا لمشروع فلسطيني جديد، يخرج في مخياله على أفق حل الدولتين وعملية التفاوض العقيمة المستمرة منذ سنوات.
ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أن حالة الانقسام بين الضفة وغزة تمثل خللا استراتيجيا كبيرا وشرخا عميقا في مسار التحرر الوطني الفلسطيني، ولكن من المحزن حقا أن يتجاوز الشرخ السياسي الفصائلي ليغوص في صميم المجتمع الفلسطيني، فيقسم البيت الواحد إلى فسطاطين، ويعمل في النسيج الواحد تمزيقا وتفريقا، وإن كان الانقسام السياسي الفلسطيني خطأ فادحا فإن الشرخ والفرقة المجتمعية خطيئة كبرى، وينبغي على قادة المجتمع وعلمائه ووجهائه وشبابه أن يحصنوا الناس ضد نوازع الفرقة والانقسام، لأننا أيها السادة أبناء ثقافة جمعية عريقة وبنية اجتماعية فذة، ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، وهي التي عصمتنا من الإنكسار وزودتنا بعوامل المساندة والاستمرار.
والسؤال الذي ينبغي علينا أن نجيب عليه هو التالي: كيف يمكن لنا أن نخرج من الإطار الذي حبسنا فيه خياراتنا وتصورنا للمستقبل، ونفسح المجال لوعي فلسطيني جديد، يضمن خيالا أوسع من المسارات الفاشلة؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في مسارين، الأول منهجي والثاني تنظيمي، فعلى مستوى المنهج ينبغي ألا تنحصر خياراتنا فيما ألجأتنا إليه الضرورات العملية والضغوط الدولية، فالمسار الحالي للمفاوضات لم يكن على الإطلاق خيارنا نحن، بل هو ما أملته علينا الظروف، أُلجأنا إلى تبنيه، ومضينا فيه ردحا من الزمن، وتبين لنا وللعالم فشله، واليوم يشهد العالم تغيرات كبيرة، وتشهد منطقتنا تحولات جيوسياسية هي الأكبر منذ تشكلت خارطة الشرق الأوسط الحديث في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهو ما يمكننا كفلسطينيين من أن نعيد النظر في خياراتنا، في سبيل أن نستعيد المبادرة لطرح آفاق أوسع للحل.
أما على المستوى التنظيمي، فإن الشعب الفلسطيني مدعو لإطلاق مشروع وطني يجمع مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث حول مبادئ وطنية جامعة، مشروع يتسامى فوق الإيدلوجيات أو المصالح الضيقة، مشروع ينفتح على الجوار الإقليمي والعمق الحضاري، مشروع يبشر بمكان لكل من يرغب في مزاولة العمل من أجل فلسطين، مهما كان فصيله ومهما كان انتماؤه الفكري.
وأنا هنا أهيب بالشباب الفلسطيني وجوب التحرك نحو المصالحة الكبرى مع مكونات الشعب الفلسطيني متجاوزين كافة العوائق بما وفرته وسائل وأدوات وشبكات التواصل الاجتماعي والانترنت من إمكانيات لم تكن متوفرة في أي وقت من الأوقات، تسمح بتواصل مستمر لا تحكمه السياسة أو الاحتلال أو الجغرافيا، فإن حالت الحدود بيننا أن نتواصل، فإن الفضاء الإلكتروني يمكن أن يقدم فرصة غير مسبوقة تصل مكونات الشعب الفلسطيني ببعضها، وتصلها جميعا بمحيطها العربي الإسلامي وعمقها العالمي.
وضاح خنفر
إن فلسطين القضية والفكرة والروح هي بلا شك أحد القيم الكبرى في الشرق الجديد، ويمكن الاتكاء على فلسطين كنقطة التقاء وبوصلة ناظمة عبرها تتفتح القيم الأخرى من عدالة وحرية وإنسانية ونصرة للمظلوم ووحدة وتكامل وما يستلزم ذلك من واقع سياسي آخر وجديد ومغاير لما يضيق به فكرنا حالياً، فمن يعتقد أن فلسطين كيان وشكل سياسي سيكون منفرداً وحاسماً في الواقع الاستراتيجي مخطئ، ويفشل في فهم الشرق الجديد ويفشل في فهم سلوك القوى الكبرى والاستعمارية، من هنا نقول أن فلسطين تتمدد من خلال محيطها، ومحيطها يستقر ويتكامل من خلالها، وهذا يحتم مصالحة فلسطينية أولى كبرى بين فلسطين الفكرة والمبدأ ومحيطها الإقليمي وجوارها الحضاري، لأن الخلل الاستراتيجي الأهم في مسار القضية الفلسطينية انسلاخها عن محضنها الحضاري الممتد، فتحولت فلسطين من روح تسري في أوصال الأمة إلى قطعة أرض ومسألة حدود تصغر أكثر فأكثر بدل أن تمتد بلا حدود، وتصبح كرامة وحرية الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية مجرد تفاهمات اقتصادية وأمنية تسمح له بالتحرك في عدة أمتار وتحصر أحلامه في لعبة الضرورات ومسببات البقاء.
فالمصالحة الكبرى التي ينبغي أن نعكف على انجازها ذات بعد متعلق بطبيعة القضية وقيمتها، قضية حق وعدل وتحرر، إن حيوية فلسطين السياسية يجب أن تستمد من أرواح ملايين الأشخاص في حواضر المشرق الجديد، ومن ملايين المدافعين عن الحرية والعدالة في أرجاء الأرض، فلفلسطين رصيد عربي وإسلامي لا يتزعزع، ولها كذلك رصيد انساني عالمي ممتد في القارات الخمس ينبغي التصالح معه من جديد.
أما المصالحة الفلسطينية الثانية الكبرى والتي يتحتم على الفلسطينيين التحرك بشأنها هي المصالحة بين مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث: الشتات، وفلسطينيو غزة والضفة وفلسطينيو ٤٨، ففلسطينيو الشتات يمثلون مخزنا ضخما وسندا هائلا للقضية، وللأسف فإن دورهم قد تراجع خلال السنوات الماضية، وبقيت فلسطين حنينا وشوقا ساكنا في نفوسهم وقلوبهم، يقتصر تعبيرهم عنها من خلال مراسم ثقافية ومظاهر فلكلورية غير متصلة بالهم السياسي الكبير، أو بالمسار الوطني الشامل، أما فلسطينيو الثمانية وأربعين فقد أُسقطوا من الحسابات السياسية في القرارات الاستراتيجية الكبرى لحركات التحرر الوطنية الفلسطينية، مع أنهم يمثلون شاهدا مهما على عدالة القضية وأصالة مطالبها، بل ربما لا أبالغ إن قلت أنهم يمثلون مرتكزا رئيسا لمشروع فلسطيني جديد، يخرج في مخياله على أفق حل الدولتين وعملية التفاوض العقيمة المستمرة منذ سنوات.
ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أن حالة الانقسام بين الضفة وغزة تمثل خللا استراتيجيا كبيرا وشرخا عميقا في مسار التحرر الوطني الفلسطيني، ولكن من المحزن حقا أن يتجاوز الشرخ السياسي الفصائلي ليغوص في صميم المجتمع الفلسطيني، فيقسم البيت الواحد إلى فسطاطين، ويعمل في النسيج الواحد تمزيقا وتفريقا، وإن كان الانقسام السياسي الفلسطيني خطأ فادحا فإن الشرخ والفرقة المجتمعية خطيئة كبرى، وينبغي على قادة المجتمع وعلمائه ووجهائه وشبابه أن يحصنوا الناس ضد نوازع الفرقة والانقسام، لأننا أيها السادة أبناء ثقافة جمعية عريقة وبنية اجتماعية فذة، ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، وهي التي عصمتنا من الإنكسار وزودتنا بعوامل المساندة والاستمرار.
والسؤال الذي ينبغي علينا أن نجيب عليه هو التالي: كيف يمكن لنا أن نخرج من الإطار الذي حبسنا فيه خياراتنا وتصورنا للمستقبل، ونفسح المجال لوعي فلسطيني جديد، يضمن خيالا أوسع من المسارات الفاشلة؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في مسارين، الأول منهجي والثاني تنظيمي، فعلى مستوى المنهج ينبغي ألا تنحصر خياراتنا فيما ألجأتنا إليه الضرورات العملية والضغوط الدولية، فالمسار الحالي للمفاوضات لم يكن على الإطلاق خيارنا نحن، بل هو ما أملته علينا الظروف، أُلجأنا إلى تبنيه، ومضينا فيه ردحا من الزمن، وتبين لنا وللعالم فشله، واليوم يشهد العالم تغيرات كبيرة، وتشهد منطقتنا تحولات جيوسياسية هي الأكبر منذ تشكلت خارطة الشرق الأوسط الحديث في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهو ما يمكننا كفلسطينيين من أن نعيد النظر في خياراتنا، في سبيل أن نستعيد المبادرة لطرح آفاق أوسع للحل.
أما على المستوى التنظيمي، فإن الشعب الفلسطيني مدعو لإطلاق مشروع وطني يجمع مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث حول مبادئ وطنية جامعة، مشروع يتسامى فوق الإيدلوجيات أو المصالح الضيقة، مشروع ينفتح على الجوار الإقليمي والعمق الحضاري، مشروع يبشر بمكان لكل من يرغب في مزاولة العمل من أجل فلسطين، مهما كان فصيله ومهما كان انتماؤه الفكري.
وأنا هنا أهيب بالشباب الفلسطيني وجوب التحرك نحو المصالحة الكبرى مع مكونات الشعب الفلسطيني متجاوزين كافة العوائق بما وفرته وسائل وأدوات وشبكات التواصل الاجتماعي والانترنت من إمكانيات لم تكن متوفرة في أي وقت من الأوقات، تسمح بتواصل مستمر لا تحكمه السياسة أو الاحتلال أو الجغرافيا، فإن حالت الحدود بيننا أن نتواصل، فإن الفضاء الإلكتروني يمكن أن يقدم فرصة غير مسبوقة تصل مكونات الشعب الفلسطيني ببعضها، وتصلها جميعا بمحيطها العربي الإسلامي وعمقها العالمي.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية