المصالحة وكعك العيد عند الفلسطينيين
إن كل ما نسمعه عن المصالحة أصبح يشبه كعك العيد الذي نشتهيه لأيام معدودة من كل عام في عيد الفطر ثم ينقضي وننساه، حتى يأتي موسمه في العام القادم، وهذا هو حال المصالحة الفلسطينية التي نَحَنُ لها لوقت قليل نم ننقلب عليها، بل يلعنها البعض ويتذمر منها ولا يريدها إطلاقا، ويصبح كالوحش الضاري يفترس كل من كان مغايرا لفكره وحزبه وتنظيمه، إيمانا بعقلية الحزب الواحد أو القطب الأوحد المهيمن على الساحة الفلسطينية.
فما إن تم توقيع اتفاق الدوحة وتفاهمات القاهرة حتى بدأت حملات التحريض والاتهامات والمناكفات الإعلامية المعيبة والمخزية تأخذ مجراها، وكلما تقدمنا شبرا بملف المصالحة إلى الأمام نكتشف أننا رجعنا أمتارا بل أميالا إلى الوراء، بفعل المتشدقين والمنافقين وتصريحاتهم الإعلامية التي يطلقونها بن الفينة والأخرى، فقد خرج عينا قبل فترة المدعو أمين مقبول، أمين سر حركة فتح وممثل أعلى مرجعياتها، متهما حركة حماس بإسقاط اتفاق الدوحة من حساباتها وأنها ستعيد التفكير في الخطوات المقبلة.
وعلى شاكلته صرح المدعو جمال أبو الرب، النائب عن حركة فتح وهو عضو في لجنة في لجنة الحريات العامة المنبثقة عن اتفاق المصالحة، بتصريحات مشينة من خلال موقعه الالكتروني "فيس بوك" بحق حركة حماس مطالبا حركته وسلطته حظر الحركة في الضفة الغربية وتجميد كافة نشاطاتها، إعلان النفير العام ضدها والعمل على استعادة قطاع غزة إلى ما يسميه الشرعية، تمهيدا لشطب غزة من الانتخابات المنوي إجراؤها في الضفة.
كذلك خرج علينا كالعادة "داهية فتح" المدعو عزام الأحمد، عضو الجنة اللجنة المركزية لحركة فتح، واصفا حركة حماس بـ"الفئة المتمردة"، مطالبا مصر إغلاق معبر رفح إلى حين استعادته إلى سيطرة سلطته عليه كما كان في عهد صديقهم الحميم مبارك المخلوع. أما بالنسبة لكبيرهم رئيس حركة فتح والسلطة الذي أطلق طلقة الموت على المصالحة حين تهرب من تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وربط المصالحة بالانتخابات، وعزمه على إجراء انتخابات محلية في الضفة دون القطاع على أساس المذهب الفئوي والحزبي فقط.
إني لا أجد تفسيرا لهذه التصريحات التي تصدر من أعلى الهرم في حركة فتح والسلطة سوى أنها تصب جميعها في عدم نية هؤلاء المسئولين في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، بل إن تصريحاتهم تعني تكريسا للانقسام وتسليما للاستيطان وإرضاء للاحتلال.
أعجبني مقال الأخ والزميل الفاضل الدكتور فايز أبو شمالة بعنوان "اتركوا غزة، وفكروا بالضفة الغربية"،
حين لفت فيه النظر إلى قضية مهمة جدا وهي أن السلطة قد فقدت بموجب اتفاقية أوسلو جزءا كبيرا من الضفة الغربية وأبقتها تحت سيطرة الاحتلال وهي المنطقة المسماة بمنطقة (ج) إذ تبلغ مساحتها 62% من إجمالي مساحة الضفة كاملة، حقا لماذا لا تفكر السلطة ومن يتزعمها في تحرير هذه المناطق التي تقدر بأضعاف مساحة غزة، بدلا من التشدق بالكلام الآثم والمغرض من جمال نزال بان غزة منطقة محررة وكأنه يبرئ الاحتلال من جريمة حصاره لغزة وكمحاولة لعزلها عن الضفة.
فليعلم هؤلاء أن غزة ليست لفتح كما هي ليست لحماس ولا يمكن أن تكون دولة فلسطينية في غزة كما لا يمكن أن تكون دولة فلسطينية بدون غزة، وإنما غزة هي جزء لا يتجزأ من فلسطين التاريخية مثلها مثل باقي أجزاء الوطن وهي تعتبر البوابة الجنوبية للدفاع عن فلسطين، كما أن حركة فتح لم تعد وصية عن الشعب الفلسطيني، كذلك الحال بالنسبة لمنظمة التحرير التي تسيطر عليها حركة فتح لم تعد الممثل الوحيد كما يزعمون، وان الانتخابات التي جرت عام 2006 تأكيدا على ذلك، وكل ما في الأمر أن غزة قد ترجلت على الاحتلال وعلى السلطة الفاسدة وأطاحت بالاثنين معا وطهرت نفسها من الطغاة.
فبالنظر إلى الحال في الضفة نجد انه هو الأكثر قلقا من الحال في غزة رغم الحصار المفروض عليها منذ سنين، لان الضفة تكتوي بناريين، نار الاحتلال والاستيطان الذي وصل إلى ذروته ووصل تعداد المستوطنين إلى 700 ألف مستوطن في حين كانوا لا يتجاوزون 100 ألفا قبل اتفاقية أوسلو المشئومة، ونار السلطة التي تحرقها بالاعتقالات السياسية والاستدعاءات اليومية وتسييس واستقطاب وتحزيب التعليم بإغلاق الجامعات ومداهمتها ومصادرة مقتنياتها ومنع الطلاب من الدراسة وتقديم الامتحانات وإضاعة عليهم فصول دراسية في سبيل محاربة الكتلة الإسلامية، ناهيك عن الأزمة المالية الخانقة والركود الاقتصادي الذي يعصف بالسلطة.
إننا نشتهي الكعكة كاملة الاستدارة، وهذا الوصف لا ينطبق على المصالحة الفلسطينية، فهي أشبه بالكعكة المفتتة التي لا يشتهيها أحدا، ويبدو أننا لازلنا بعيدين جدا عن روح المصالحة الحقيقية وصفاء الأنفس، إذا كان من يديرها هم الذين ينسفونها عن بكرة أبيها، فهل بقي ذرة أمل واحدة نعقدها على هؤلاء الأقزام؟ أن حركة حماس باقية قلعة شامخة ودربا من دروب المقاومة، لا يجرؤ كائن من كان أن يهزمها أو يقضي عليها وان يمس شعرة منها ما دامت تتمتع بقطاع واسع من الشعبية والتأييد والمناصرة، وأنها مؤمنة بشرعيتها المنتخبة وحقها الديني والسياسي والفكري.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية