المصالحة..مسمار في نعش المفاوضات ...بقلم : د. أيمن أبو ناهية

الأربعاء 08 فبراير 2012

المصالحة..مسمار في نعش المفاوضات

د. أيمن أبو ناهية
جاء لقاء الدوحة بين رئيس المكتب السياسي خالد مشعل والرئيس أبو مازن في وقت كان يسوده التشاؤم واليأس والإحباط لا أقول لدى الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس فقط، بل لدى جميع الشعب الفلسطيني لا بل لدى جميع الشعوب العربية التي تترقب لحظة بلحظة انفراجة حقيقية للمصالحة الفلسطينية التي وصفت بالمجمدة وأنها أخذت تراوح مكانها، واعتقد أن السبب في ذلك معروف لدى الجميع وهو أن السلطة في رام الله كانت منغمسة فيما يسمى بالمفاوضات الاستكشافية، بعد أن انتهت المدة المحددة لها من ثلاثة أشهر بإشراف الرباعية والملك عبد الله في عمان، والتي انتهت كسابقاتها من جولات المفاوضات بالفشل. وكما أعتقد أن الأهداف من وراء ذلك كثيرة، أهمها -كما ذكرت في مقال سابق- هو تقديم المفاوضات على المصالحة، أي سعى الرباعية والطرف الإسرائيلي لحرف أبو مازن عن المصالحة مع حركة حماس وإشغاله بدوامة المفاوضات، وبذلك تكون قد نجحت في تعطيل المصالحة وإبقاء الانقسام قائماً على حاله، بهدف إفشال المفاوضات ذاتها، وهذه مسألة مفروغ منها، لأنه لا يعقل أن تجرى مفاوضات أو تبرم اتفاقيات مع الاحتلال في ظل وجود انقسام فلسطيني داخلي، فالمفاوضات والاتفاقيات تحتاج إلى إجماع وطني حولها. وبالتالي يجب إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني استعدادا لإجراء انتخابات تنتج عنها تشكيل حكومة فلسطينية.

فالمفاوضات منيت بفشل ذريع وهو ما انعكس بطبيعة الحال إيجابا على المصالحة والتي كان من المفترض أن تكون في سلم الأولويات، فكيف بالله نتصالح مع العدو ونحن متخاصمون مع بعضنا البعض، أليس في ذلك إجحاف في حق الشعب الفلسطيني الذي ما زال يرزح تحت الاحتلال ويعاني منه عقوداً طويلة؟ فالقدس تهود والأراضي الفلسطينية تسلب من أصحابها والاستيطان لم يتوقف والقتل والاعتقالات ممنهجة يوميا ونحن نسير وراء الرباعية التي أصبحت عاجزة حتى بقول كلمة حق أو توجيه أي إدانة للاحتلال على جرائمه، ثم نقول إنها سترجع لنا حقوقنا.
في الحقيقة إن أبو مازن قد أعطى المفاوضات وقتا طويلا وسلك جميع الطرق وجرب كل الفاعلين الدوليين بما فيهم الرباعية، حيث انتقل من مرحلة إلى أخرى وأدخل نفسه من دوامة إلى دوامة ومن تنازل إلى تنازل في سبيل التفاوض من أجل التفاوض وكانت النتيجة في كل مرة الفشل ثم الفشل، بسبب لاءات نتنياهو التي يشهرها في كل مرة، والسؤال هنا؛ لماذا أعطينا المفاوضات كل هذا الوقت ولم نعط المصالحة جزءاً قليلا من هذا الوقت؟.

لعل أبو مازن قد فهم الآن الدرس، أن المفاوضات غير مجدية وأن المفاوضات والمصالحة خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، فلو دققنا قليلا واحتكمنا للمنطق نجد أن المفاوضات مع نتنياهو تعني أن نخسر كل شيء بتقديم تنازلات مجانية يكون سقفها عدم إقامة دولة فلسطينية، وأما المصالحة الوطنية بين فتح حماس فتعني أن نكسب كل شيء -على أقل تعديل- استعادة وحدتنا الوطنية التي تمثل قوة وطننا الذي فيه معاشنا، فلم يسجل التاريخ أن أرضا احتلت قد عادت بفعل التفاوض في ظل غياب موازين القوى بين المحتل الذي يغتصب الأرض بالقوة، وبين صاحب الحق الشرعي الضعيف إلا في أبجديات سلطة أوسلو، التي وضعت نفسها وشعبها طوال الفترة السابقة في حالة التردي والضعف بفعل التنازلات المجانية، حتى أصبحنا لا نستطيع استرداد ما تم أخذه لا بالقوة ولا بالتفاوض.

يعد اتفاق الدوحة بمثابة المسمار الأخير في نعش المفاوضات الاستكشافية وانتصارا مؤزرا لحماس على الرباعية التي حاولت دق الأسافين لإفشال المصالحة، وهذا يأتي في المقام الأول تتويجا للجهود الدبلوماسية التي بذلتها حركة حماس على مدار الأيام السابقة والتي ما زالت مستمرة حتى الآن لدى دول الجوار والتي سعت من خلالها إقناع الزعماء العرب أنها جادة في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، ولا ننسى الجهود العظيمة الذي بذلها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر في إنجاح الاتفاق الذي سيتم قريبا توقيعه رسميا في القاهرة، كما أننا لا ننسى جهود الشقيقة مصر التي لم تتوان لحظة واحدة في لعب دور الوسيط النزيه بين حركتي حماس وفتح، والذي كان من المفترض أن يعقد هذا الاتفاق في القاهرة لولا انشغال مصر في قضاياها الداخلية.

إن الشعب الفلسطيني يأمل أن يكلل هذا الاتفاق بالنجاح وأن يسدل الستار على ملف الانقسام الأسود المرير وإرجاع اللحمة الوطنية بين شقي الوطن كي نتفرغ لما هو أهم وهو تطوير وتفعيل منظمة التحرير، وإجراء الانتخابات، وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وتشكيل حكومة التوافق، والتصدي لمشاريع الاستيطان والتهويد. وأخير أقول ليس المهم هو توقيع المصالحة، وإنما المهم هو تنفيذه عمليا حتى لا يبقى كغيره من الاتفاقيات السابقة حبراً على ورق.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية