المَكْرُ السَّيِّئ ... بقلم : خالد الخالدي

السبت 06 يوليو 2013

المَكْرُ السَّيِّئ

خالد الخالدي

كثر "المكر السيئ" في عصرنا، وأصبح ظاهرة يشتكي منها كثير من الناس، ويقع فيها العديد من الحكام والمسئولين وأصحاب السلطات، على اختلاف مواقعهم ومراتبهم، ولا يسلم من ممارستها حتى من ليس لهم حظ من السلطة أو المسئولية، فالرؤساء يمكرون بمرءوسيهم، والمرءوسون يمكرون برؤسائهم، والكل في عراكٍ وصراعٍ ينعكس أثره السلبي على دولنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا وتقدمنا وحاضرنا ومستقبلنا، ويفسر ظاهرة التراجع في المستوى العلمي والأدبي والفني والاقتصادي والأخلاقي التي تعاني منها مجتمعاتنا اليوم.

والمكر السيئ هو التدبير للإيقاع بالمنافسين أو المخالفين باستعمال الكذب والكيد والتلفيق والتشهير وشهادات الزور، ومخالفة القيم والأخلاق والدين والقوانين، واستغلال النفوذ والسلطان.

والمتأمل في سنن الله تعالى في هذا الكون، وما جرى فيه من أحداث عبر التاريخ يوقن بأن المكر السيئ لن يحيق إلا بالماكرين أنفسهم، ولن يضر المؤمنين المستهدفين بالمكر، لأن الله تعالى جعل ذلك من سننه التي لا تتغير ولا تتبدل، فقال:" ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"، وعبَّر عن هذه السنة الثابتة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فقال:" ثلاث قد فرغ الله من القضاء فيهنَّ: لا يَبْغِيَنَّ أحدُكم فإن الله يقول:" يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم"، ولا يمكُرَنَّ أحدٌ، فإن الله يقول:" ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"، ولا ينكُثَنَّ أحدٌ فإن الله يقول: "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه"، وقال :" وإياك والبغي، فإن الله قد قضى أنه من بُغِيَ عليه لينصرنه الله، وإياك والمكر فإن الله قد قضى أن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"، وعلى ضوء ذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينصح الناس فيقول:" ثلاثٌ من كنّ فيه كنّ عليه: المكر، والبغي، والنكث"، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " الغدر مكر، والمكر كفر".

وقد استوعب تلك السُّنَّةَ الصالحون وأهل العلم، فقد جاء رجل إلى ابن أبي داوود يقول: إن قوماً تضافروا عَلَيَّ، فقال:" يد الله فوق أيديهم"، فقال الرجل: إنهم جماعة، فقال: "كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" فقال الرجل: إن لهم مكراً، فقال:" ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"، وقد لاحظ ذلك الشعراء والحكماء، فعبروا بشعرهم عن نتائج المكر السيئ التي ترتد على أصاحبها، فقال أحدهم:

أبى اللهُ أنْ يقعَ في البئر إلا من حفرْ وألا يحيق المكر السيئ إلا بمن مكـرْ

وقال آخر:

وما من يدٍ إلا يدُ اللهِ فوقهــــا ولا ظـالمٍ إلا سيُبْلى بظــالــمِ
وقال ثالث:

قضى اللهُ أنَّ البغيَ يصرعُ أهلَــه وأنَّ على الباغي تدور الدوائـــرُ
ومن يحتفــرْ بئراً ليوقِعَ غيــرَه سيُوقَعُ في البئر الذي هو حــافـرُ

وانتشرت بين العرب أمثال تؤكد ذلك، فقيل:" من حفر بئراً لأخيه وقع فيها"، وقيل:" رُبَّ حيلةٍ كانت على صاحبها وبيلة"، وقيل:"رُبَّ حيلةٍ أهلكت المحتال"، وقالت العجم:" من سلَّ سيف البغي قُتل به"، ولهم: " من أوقد نار الفتنة احترق بها".

وأصحاب المكر السيئ يُقدمون على مكرهم من أجل أن يحققوا مصالحهم المادية، ويحصلوا على العلوِّ في الدنيا، لكن الله تعالى قضى عليهم بالخسران المبين، وبالمكانة السفلى في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه مبيناً النتيجة التي جناها قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام الذين مكروا به فقرروا حرقه:" قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين"، وقال سبحانه في موضع آخر:" فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين". قال ابن عباس:" سلط الله عليهم أضعف خلقه البعوض، فما برح نمرود حتى رأى عظام أصحابه وخيله تلوح، أكلت لحومهم، وشربت دماءهم، ووقعت واحدة في منخره، فلم تزل تأكل إلى أن وصلت دماغه، وكان أكرم الناس عليه الذي يضرب رأسه بمرزبة من حديد، فأقام بهذا نحواً من أربعمائة سنة".

وهم يمكرون أيضاً من أجل أن يدمروا منافسيهم، لكن الله تعالى قضى بأن يرفع أولياءه الذين يتعرضون للمكر السيئ، فقد نجى الله إبراهيم عليه السلام من النار، ويسَّر له العيش والإمامة في الأرض المباركة فلسطين، ووهبه ذرية صالحة مباركة، وصار أبو الأنبياء جميعاً " ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين* ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين* وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا".

فليتوقف أصحاب المكر السيئ عن مكرهم، فإن الله تعالى قد تعهد بأن لا يحيق مكرهم إلا بهم، وهنيئاً لمن مَكرَ بهم السيئون، وبغى عليهم الباغون، فإنهم بإذن الله لمنصورون
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية