ما بدا أنه "عارض صحي مفاجئ" في بادئ الأمر، تكشّف عن عملية اغتيال بالغة الدقة والتعقيد، أودت بحياة أحد أبرز القادة العسكريين لحماس، الشهيد محمود المبحوح في دبي في العشرين من الشهر الجاري، والمبحوح وفقاً لمعلومات وبيانات صادرة عن عائلته وحركته، هو أحد مؤسسي كتائب القسام، والمخطط لعملية أسر جنديين إسرائيليين في بواكير الانتفاضة الأولى، ومهندس ومنفذ عدد من العمليات التي أودت بحياة إسرائيليين، وهو صاحب أول بيت يهدم على يد الاحتلال ضمن سياسة العقوبات الجماعية.
والأهم من كل هذا وذاك، أن المبحوح كما تقول المصادر ذاتها، سبق وأن تعرض لعدة محاولات اغتيال في غزة قبل إبعاده وفي بيروت بعدها، وأن آخرها وقع قبل ستة أشهر، وبالتسميم - ربما على طريقة محاولة اغتيال خالد مشعل - ما أدى إلى إصابته بغيبوبة دامت 36 ساعة، إلى أن وصلته يد "الموساد" الإسرائيلية أخيراً، لتضع حداً لحياته وهو في مستهل عقده السادس، صعقاً بالكهرباء ثم خنقاً بقطعة قماش، ودائما وفقاً لمصادر حماس والعائلة.
لم يفاجئنا خبر العدوان على دبي ودولة الإمارات هذه المرة، فلم تبق دولة عربية لم تنتهك إسرائيل سيادتها، سراً وعلانية، ولم يفاجئنا خبر عملية الاغتيال التي تحمل بصمات "الموساد" في عصر مائير دوغان، فقد نجح الرجل بحسب المراقبين والخبراء، في إعادة الاعتبار لهذا الجهاز الذي ترهل ردحاً من الزمن، وكاد يفقد هيبته وصورته الردعية، واستحق رئيسه الجديد - القديم، لقب "قاطع رؤوس" الفلسطينيين واللبنانيين، أو الرجل الذي "ولد وفي فمه سكين حادة".
في تاريخ الحروب السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، طارد "الموساد" كل فلسطيني - تقريباً - ثبت قيامه بتخطيط أو تنفيذ لعمليات أودت بحياة إسرائيليين، مدنيين أو عسكريين، وقد اشتملت الاغتيالات كوادر ونشطاء الأجهزة العاملة في "الوطن المحتل" أو "الغربي" و"القطاع العسكري"، لمعظم إن لم نقل لجميع هذه الفصائل.
أحياناً كنا نفاجئ بأنباء عمليات اغتيال في أثينا أو لارنكا أو روما، يذهب ضحيتها كوادر "مغمورون" من فصائل المقاومة، وعند التحري عن "هوية" هؤلاء الشهداء وطبيعة المهام الموكلة لهم، كانت المعلومات دائماً تؤكد ضلوعهم في العمل العسكري والأمني في الأراضي المحتلة على وجه الخصوص، وهذا ما حصل مع آخر ضحايا "ذراع الموساد الطويلة"، محمود المبحوح على ما يبدو، وفي دبي عاصمة الإمارات الاقتصادية.
قد تتكشف معلومات جديدة عن "جريمة الاغتيال" وقد لا نعرف عنها شيئاً، فغالباً ما ظلت جرائم من هذا النوع طي الكتمان لسنوات وعقود طويلة، قبل أن نعرف ما الذي حصل وكيف، لكن التمحيص في "جريمة دبي" يتكشف عن خلاصات ثلاث رئيسة هي:
الأولى، أن لا مكان آمنا يمكن فيه لهؤلاء المناضلين والمجاهدين أن يمارسوا طقوس الاسترخاء و"الحياة العادية"، فلا حصانة لأي شخص، ولا حصانة لأي عاصمة عربية، أو حتى غير عربية، ف"إسرائيل" دولة فوق القانون وخارجة عليه، وحالة اليقظة والاستنفار يجب أن تصاحب هؤلاء في حلّهم وترحالهم.
والثانية، أن "تقادم الزمن" لا يطفئ "الشهية" الإسرائيلية للثأر والانتقام، لكأننا أمام أمر توراتي بملاحقة "قتلة اليهود" في كل مكان وزمان، ومن دون مراعاة أو تحسب أو حسبان، خصوصاً بعد أن استطالت يد "الموساد" في عصر دوغان بأكثر مما ينبغي، وتسبب في خسارات فادحة للمقاومين الفلسطينيين واللبنانيين، ناهيك عن الأهداف التي طالتها في إيران وسوريا والسودان.
والثالثة، أن "إسرائيل" لا تقيم وزنا لمشاعر الدول العربية ولا لنواياها التطبيعية و"رسائل حسن النيّة"، فالإمارات التي احتضنت عوزي لنداو قبل أيام، لم يشفع لها أمام "قاطع رؤوس الفلسطينيين"، الذي ما أن يرى رأساً قد أينعت حتى يهم إلى قطفها، وليغضب من يغضب، وليشرب ماء الخليج كله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية