النقاش الغائب عن أوروبا في أزمة اللاجئين ... بقلم : حسام شاكر

الأربعاء 02 سبتمبر 2015

النقاش الغائب عن أوروبا في أزمة اللاجئين





حسام شاكر


خمسون ألفاً وصلوا أوروبا مؤخراً، وأضعاف مضاعفة آخرون ينتظرون في الطريق. إنهم فلسطينيون يعيشون مأساتهم من جديد بحثاً عن المأوى، وقد هلك منهم المئات أو الآلاف خلال السنوات الأخيرة غرقاً أو اختناقاً.

عاش في سورية حتى عام 2011 قرابة نصف مليون لاجئ فلسطيني. وساد الاعتقاد بأنّهم أكثر تجمعات اللجوء الفلسطينية استقراراً، حتى أنّ "اليرموك" الذي هو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين كان يُوصف بأنه "عاصمة الديابسبورا الفلسطينية" وقد تحوّل عملياً إلى امتداد سكاني لدمشق قبل أن يتحول إلى مسرح للأنقاض والموت والجوع مؤخراً.

بدّدت المأساة التي عصفت بسورية الأوهام، فاكتشف الجميع أنّ التجمعات الفلسطينية اللاجئة هشّة حقاً، وأنها سرعان ما تدفع ثمن الاضطرابات والأزمات في البيئات المُضيفة، وقد حدث مثل ذلك من قبل في لبنان والكويت والعراق.

بالمقارنة مع عموم اللاجئين الذين يتدفقون الآن إلى أوروبا؛ فإنّ مأساة الفلسطينيين القادمين من سورية لها خصوصيتها. والسرّ في ذلك هو أنهم يضطرون إلى خوْض رحلة "إيكسودوس" جديدة بكل ما فيها من أهوال بحثاً عن مكان تحت الشمس، رغم أنّ أرضهم وديارهم لا تبعد عن مخيماتهم أكثر من ساعة بالسيارة تقريباً. فعلى الأسرة الفلسطينية أن تقوم برحلة طويلة من المخاطر عبر الحدود والسواحل والجبال، وأن ترضخ لشروط المهربين الجشعين، حتى تتمكن بعض قطع آلاف الأميال من الوصول إلى أوروبا.

لكنّ أوروبا المنشغلة هذه الأيام بأزمة اللاجئين لا تكترث تقريباً بجوهر المشكلات، فحقيقة المعضلة بالنسبة للفلسطينيين القادمين من سورية واضحة ومحددة. ***اذا لا يعمل الاتحاد الأوروبي الحائر في تدبر شؤون اللاجئين على البحث عن مسالك وحلول منطقية، مثلاً باستيعاب الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم أو قريباً منها مؤقتاً على الأقل؟ ولماذا تغيب أفكار كهذه عن المقترحات التي يجري تداولها في الاجتماعات الأوروبية المتلاحقة لبحث احتواء الأزمة التي تتفاعل عند الحدود والسواحل وفي الشاحنات المكتظة بالجثث؟

يعيش في أوروبا اليوم أكثر من ثلث مليون فلسطيني وكثير منهم لاجئون دفعت بهم الأزمات والاضطرابات خلال العقود الأخيرة بعيداً عن المخيمات، وها نحن نشهد فصولاً جديدة من هذا النزيف البشري الذي يمنعه الاحتلال الإسرائيلي من العودة إلى بلاده، بل من مجرد زيارتها، خلافاً لالتزامات حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

يفرض المنطق تمكين اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى أرضهم وديارهم المجاورة لهم، وبدون ذلك ستتوجّب عليهم المخاطرة بالبحث عن ملاذات آمنة عبر القارات في رحلات تتخللها الفواجع. ولا شكّ أنّ المسؤولية مضاعفة على أوروبا التي تسبّبت من الناحية التاريخية بصناعة الظروف التي أفضت إلى مأساة الشعب الفلسطيني.

يتحدث مسؤولون أوروبيون عن أهمية ربط المساعدات لدول شرق أوروبا بمدى استعدادها لاستقبال حصصها من اللاجئين، بل هناك من ينادي بربط مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بسلوك الدول مع اللاجئين أيضاً. أليست هذه اللغة مطلوبة أيضاً نحو "الشريك الإسرائيلي" الذي يحظى بامتيازات أوروبية وفيرة تجارياً وعلمياً وعسكرياً أيضاً؟

لماذا تعجز أوروبا عن مجرد التفكير باستعمال نفوذها في الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتفعيل حق العودة الفلسطيني المقرر دولياً، ومن ذلك ما جاء في القرار الشهير للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194؟ من حق الفلسطيني الذي يحتفظ بمفتاح بيته أن يحظى بفرصته في العيش في وطنه، أما الطريق إلى مدينته أو قريته فمعروفة تماماً لمن يرغب بالسؤال عنها، وخرائط العودة متاحة ومنشورة على الملأ.

إن لم تبادر أوروبا اليوم بمعية المجتمع الدولي لمعالجة جوهر القضية، بإحياء موضوع حق العودة الفلسطيني المقرر في المواثيق والقرارات الدولية؛ فستكون لذلك نتيجة حتمية، هي تدفق الفلسطينيين بمئات الآلاف إلى أوروبا، وسيهلك آلاف منهم في الطريق المحفوفة بالمخاطر. فأي الخياريْن منهما تفضِّل أوروبا تحديداً؟
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية