النكبة أطلال في الذاكرة.. وعودة على صدى الإبداع .. بقلم : محمد يونس عمرو

الإثنين 27 مايو 2013

(الأمسية الشعرية الشبابية وطن مؤجل)

النكبة أطلال في الذاكرة.. وعودة على صدى الإبداع

محمد يونس عمرو

نكبة فلسطين ما زالت جراحها تلهم المبدعين، يقتطعون من أرواحهم أجزاء يبعثونها أحلاماً للغد الموعود، أحلاماً صارت أحاديث الأدب والأدباء، يترددون بينها وبين الألم الموروث من كل عام يمضي دون عودة، وعندما يكون الحلم والأمل لسان حال الشباب فإن هذا يعطي مؤشراً على طاقة فينيقية تنبعث وتتجدد في دماء الأجيال الفتية، تؤكد أن الوطن هو الوطن، وأن العهد هو البقاء، حتى الرمق الأخير في نفس المقاوم، والقطرة الأخيرة من حبر الشاعر، تبقى بعد ذلك القصة والحكاية عند النقطة الأولى إحياءً لوفد جديد من الإقدام والتميز على طريق الوطن القادم رغم تأجيلات الظروف المتجمدة بين محتوى سنتي 1948 و 1967م.

انطلق تجمع (أقْـلَامْ) الشبابي للأدب بصفحة على الفيسبوك، هدفها ضم مجموعة من الشعراء والأدباء الوطنيين الملتزمين إليه، وقد نجح في استقطاب عدد مميز منهم، حيث كانت الصفحة منطلقاً لإبراز أولئك الشباب المبدعين للقارئ المعني بهذا الأدب الراقي، وطريقاً تفتح أبواباً لهؤلاء تسمح لهم بالارتقاء بمواهبهم، والتقدم في فنهم وإبداعهم. وكذلك وفرت لهم الصفحة مجالاً رحباً للاعتناء بالقضية والوطن باستحضار المعاني من شفاه الأقلام إلى عيون الأوراق، مشكلين أنموذجاً للشباب الفلسطيني المتميز، معبرين عن جيل جديد من الفلسطينيين يقرر بكل ما لديه من حزم انتماءه لأرضه ومقدساته دون تفريط أو تنازل.

لم يكتف أولئك الشباب الطموحون بحدود صفحة (أقْـلَامْ) فضاءً لفيض خواطرهم، بل توجهوا إلى الميدان والعمل المثمر، وقطفوا أول موسمهم أمسية (رواق الوطن) الشعرية، والتي أقيمت في مركز بيت المقدس للأدب في رام الله، وقبل مضي شهر على تلك الأمسية الاستكشافية، بحثوا عن بصمة أخرى فكانت لهم، ووقعت باسمها في سجل الإبداع: الأمسية الشعرية ((وطن مؤجل))، حيث عقدت في مدينة الخليل، في قاعة مركز إسعاد الطفولة التابع لبلدية مدينة الخليل، وقد شهدت تطوراً ملحوظاً في الأداء التحضيري على المستويين الشخصي والعام للشعراء الشباب القائمين على الفعالية، وعدوا بعدها أن يستمر هذا التقدم والتطور، وأن يضعوا كل إمكانياتهم لتحسين الوضع وتطويره أكثر كل مرة يتقدمون فيها.

الأمسية الشعرية (وطن مؤجل) حملت ذكريات النكبة في وجه الأحلام المتشبثة في العودة، وقد صرخ شعراؤها واحداً تلو الآخر بنبرة جادة تثبت الحق للمشردين، وتقدم بطاقة حمراء من دم القصائد للمحتلين. بدأت الأمسية بتلاوة الفاتحة انطلاقاً في سبيل الوطن وإحياء للراحلين فيه، ثم كانت وقفة مع السلام الوطني الفلسطيني، بعدها فتح المجال واسعاً للشعراء ليغردوا ضمن أسراب العائدين على صهوات آمالهم، تقدمهم الشاعر السلفيتي المميز: مالك سمارة، ثم تلاه ابن مدينة الخليل الشاعر الواعد محمد عمرو، وثالثاً كان الشاعر المبدع عبد الشافي الدحلة ولرام الله الفخر، بعده أطلت نجمة من الخليل بصفة مبدعة صاعدة واسم إيناس عيدة، والختام المسكي كان من نصيب الشاعر الجميل كرمل البرغوثي من رام الله أيضاً.

هؤلاء الشعراء الشباب حطموا قيود المأساة فغادروها، وأغلقوا أبواب النكبة ثم حاصروها، مشرعين المصاريع لأحلام العودة، راسمين بكلماتهم بقية خريطة الوطن العتيقة، مكملين بذلك عناوينهم على امتداد جذور الإبداع في مدن الضفة الغربية لمحتلة، الشهداء الراحلون حضروا، والأسرى المعذبون ما غابوا، واللاجئون المشردون عادوا وظهروا، القدس ويافا وحيفا والجليل وبيسان وأم الرشراش وغيرها هبطت في الذاكرة من جديد، وتسلسلت حلقات الوطن في عقد بهي، يستحق أن يتوج بمثله هؤلاء المبدعون الشباب، وقد امتدت الأحلام إلى أبعد من حدود فلسطين، وظللت تونس بثورتها الشعبية، والقاهرة بقوتها المعزية، وسوريا بجراحها ونكبتها التي ما تزال تنزف، ومروا على اليمن، وعلى كل الوطن العربي الكبير، آملين أن يكون بخير.

وختاماً لهذا الاحتفال الموشى بالجمال، فتح الشباب المجال لجمهورهم المميز، فتقدم الأستاذ الدكتور علم الدين الخطيب، مستحضراً شبابه في وجوه أولئك الشعراء الشباب، مثنياً على شاعريتهم وخطابهم وفنهم الجميل، معبراً عن شكره لهم باحتضانهم ومصافحتهم بعد أن أمتع الحضور بأبيات من شعره ملأت ذاكرته بعد هذا العنفوان الشبابي. وتقدم بعده المهندس محمد حسين عمرو، وهنأ الوطن بهؤلاء الشباب، قائلاً: أنتم مناضلون على طريق الوطن، كما أكد مفاجأته بهذا الزخم الذي حمله شعرهم وأدبهم، معلناً للمستقبل عن أسماء شعراء فلسطين المقبلين كما تأمل وتنبأ، منهياً كلمته بمصافحة الشباب ومعانقتهم.

ويكتمل هذا المشهد بين جيل الشباب والشيوخ، بمشهد لجيل الأطفال وبراعم فلسطين، حيث شاركت طفلتان من مدينة الخليل بفقرتين قصيرتين، تناولتا الوطن والصمود والتمسك والثبات، في أدب بريء كأصواتهم الرقيقة وأعوادهم الناعمة، وكانت هذه الحلقة الأخيرة التي سطرت امتداد فلسطين عبر الزمان والمكان، وتجذر أصولها التي ما أوقفتها النكبة، فتنفسها حريةً الأطفالُ في يوم السبت 25- 5 – 2013م ضمن الأمسية الشعرية (وطن مؤجل).
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية