صلاح حميدة
فاجأت قناة الميادين الجميع ببثّها فيديو يظهر شاباً صغيراً فلسطينيّاً يظهر أنّ عمره أقل من عشرين سنة يعترف لمحقّقين يستجوبونه داخل سجون الاحتلال بأنّه قتل عرفات عن طريق التّسميم، وقالت الفضائيّة أنّه جرى التّحقيق مع الفتى من قبل زملائه المعتقلين وتمّ تصويره عن طريق كاميرا هاتف جوّال مهرّب لداخل السّجن.
من خلال اعترافات الفتى ومن خلال معرفة أساليب عمل المخابرات الإسرائيليّة في اغتيال القيادات الفلسطينيّة، يمكن استنتاج أنّ الفتى لا علاقة له بالاغتيال بكل سهولة، وهذا ليس من باب تبرئة الفتى أو من قال أنّهم أرسلوه، ولكن من بابا البحث الحقيقي عن الأداة وليس عن كبش فداء يردّد ما تمّ تلقينه إيّاه على الأغلب، فالفتى تمّ التّحقيق معه داخل السّجن من قبل بعض زملائه- كما قالت الفضائيّة - وللفصائل الفلسطينيّة تجربة واسعة في هذا النّوع من التّحقيق، وهو على الأغلب تحقيق غير مهني ويتمّ في ظروف غير طبيعيّة، ويتمّ تعذيب من يخضع للتّحقيق من قبل محقّقين غيير مؤهّلين، يسعون في أغلب الأحيان لإجبار المُخضَع للتّحقيق لترداد ما يتخيّلونه أو يتوقّعونه، وهو ما يجري غالباً.
من الواضح أنّ فتىً صغيرا ومجموعة من أصدقائه لن يؤتمنوا على سرّ اغتيال عرفات من قبل دولة الاحتلال، فقتل عرفات بالسّم يهدف لقتله دون دليل ودون معرفة أنّه اغتيل، فكيف بدفع مجموعة من الفتية لتسميمه؟ وهل كانت المخابرات الإسرائيليّة بحاجة لتجنيد فتية لقتله ما دامت جنّدت من حراسته والطّبّاخين الّذين يضعون له الطّعام كما قال الفتى؟ فما دام الطّباخ عميل حسب اعترافات الفتى، فلماذا لا يعطى له السّم ويقوم بوضعه هو وانتهى الأمر؟ والغريب أنّ الفتى يقول أنّ هناك من اشتبه بهم من الحرس ولم يكلّف نفسه عناء التّحقّق من الأمر؟ وأنّهم والطّبّاخين ( تعازموا) على من يضع السّم ثم حسم طبّاخ الأمر ووضعه؟ ثم أدخلوا طعام عرفات له وحده جميعاً وهو بمعيّة مسؤولين آخرين؟ فما ضرورة أن يضعوا الطّعام لشخص بمجموعة كبيرة بحيث يثيرون الشّبهة حتماً؟.
وزاد الفتى أنّ المخابرات الإسرائيليّة منحتهم هويّة إسرائيليّة وشقّة في شارع يافا ومئة ألف شيكل لكل واحد منهم لتنفيذهم العمليّة، وبعدها يناقض نفسه بالقول أنّه ذهب للضّفّة الغربيّة ثمّ استأذن من ضابط المخابرات أن يعود للقدس، فلو كان يحمل الهويّة الإسرائيليّة لما احتاج للاستئذان لدخول القدس، فهو يستطيع ذلك متى شاء، ثمّ يقول أنّ جنوداً أوقفوه في القدس واستجوبوه لدخوله القدس بلا تصريح وأنّه تشاجر معهم وسحب سكّيناً فاعتقلوه وحقّقوا معه وسجن على خلفيّتها، وهذا غريب عجيب؟! فكان بإمكانه أن يجعلهم يتّصلون بالمخابرات ويتركوه لو كان عميلاً وقتل عرفات.
من الواضح أنّ قناة الميادين تبحث عن الخروج بخبر فاقع إعلاميّاً ليقول غسّان بن جدّو للجزيرة أنّه أتى بخبر يفوق قنبلتهم التي فجّروها بكشف حقيقة البولونيوم الّذي قتل عرفات، ومن الطّبيعي أن تكون إدارة القناة تعلم أنّه لا قيمة لما بثّته من كلام لهذا الفتى، لأنّ هذا الفيديو تمّ تسجيله منذ زمن بعيد كما تشير بعض الأخبار، ومن شبه المؤكّد أنّ أجهزة الأمن الفلسطينيّة كانت على علم به، ومن شبه المؤكّد أيضاً أنّهم وضعوه جانباً بعد تحليل ما ورد فيه، كما أنّ مدير القناة في فلسطين له قنوات مفتوحة مع الجهات السّياسيّة والأمنيّة الفلسطينيّة، وإن كان الفيديو صحيحاً ودليلاً على جريمة، فقد كان الأولى أن يضعه بتصرّف تلك الجهات بدلاً من البحث عن ( قفشة ) إخباريّة تزيد من مشاهدي تلك القناة مؤقّتاً.
قد يكون هدف الجزيرة بعملها الاستقصائي العلمي، هو البقاء في صدارة المشهد الإعلامي العربي وتسليط الضّوء على قضيّة أرّقت الفلسطينيين والعرب كثيراً، ووضعت أقدام المحقّقين على سكّة الوصول للقتلة الحقيقيين لعرفات، ولكن من الواضح أنّ هناك من يسعى للمتاجرة بهذه القضيّة لأهداف لا يمكن أن نعتبرها نبيلة، فبالقدر الّذي يهتمّ فيه الفلسطينيّون لمعرفة من قتل عرفات، سيهتمّ الكثيرون منهم أيضاً بالمعاناة التي سيعانيها هذا الفتى وعائلته من تبعات نشر تقرير لا قيمة موضوعيّة له على الإطلاق.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية