اليسار: لعم..لعم.. للانقسام! ...بقلم : سري سمور

السبت 03 سبتمبر 2011

اليسار: «لعم..لعم» للانقسام!

سري سمور

قبل كل شيء أود أن أؤكد أنني لست ضد الخيار الديموقراطي والاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع، ضمن ظروف ملائمة؛ وقد احترت واستهجنت إجراء الانتخابات العامة(التشريعية) قبل استكمال الانتخابات المحلية(المجالس البلدية والقروية) في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكنت آمل أن يشرع بإتمامها بعد تشكيل الحكومة العاشرة مباشرة، وحين لم يكن هذا متاحا، تفاءلت بإمكانية إتمامها، أي إجراء الانتخابات في المدن والبلدات والقرى التي لم تنظم فيها الانتخابات بعيد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن بعد ما جرى آثرت التريث ورأب الصدع على الاستحقاق الانتخابي...المهم أنه في تلك الفترة (2006 حتى منتصف 2007) لم يكن المتباكون على الاستحقاق الانتخابي يدعون إلى تنظيم الانتخابات في المناطق التي لم تشهد أي انتخابات محلية منذ العام 1976م، فما الذي تغير؟ ولماذا دبت فيهم الحمية الديموقراطية، وهي حمية تدفعهم إلى الاحتجاج والصراخ والتوجه إلى القضاء.

لم أستسغ وقتئذ أن مدينة الخليل مثلا بما تمثله من ثقل سكاني واقتصادي وثقافي لم تنظم فيها انتخابات بلدية بينما جرت انتخابات في نابلس ورام الله وجنين، ولكن حين كنت في «لا استساغتي» لم أجد من يشاطرنيها من اليساريين الذين يجعلون هذه الأيام قضيتهم المركزية هي إجراء الانتخابات في الضفة الغربية!

الشحم والورم
اندفاع اليسار وتحمسهم لإجراء الانتخابات وكونها ضرورة واستحقاقا وتأجيلها جريمة تلامس الخروج عن الصف الوطني...يوحي للغشيم بأن لديهم جيوشا عرمرما من الناخبين لا تحتاج إلا لمرسوم أو قرار بإجراء الانتخابات حتى تصطبغ المدن والقرى بالرايات الحمر، بالمعنيين المجازي والحسي؛ وكلنا يعرف الحقيقة وهي أن لدينا برنامجين (حماس وفتح) يشكلان القاعدة الجماهيرية الأوسع والأكبر، وأن اليسار لطالما كان بيضة القبان في انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، بل حتى هذه الصفة فقدها أواخر التسعينيات، فلم هذه الحماسة لإجراء الانتخابات واللجوء إلى القضاء والمحاكم، والحشد الإعلامي الذي يجعلك ترى أن هؤلاء القوم يرون أن تحرير القدس وعودة اللاجئين ستتحقق فورا إذا جرت الانتخابات المحلية!

وعلى كل-وهذا تقديري- فإن التشكيل الثالث على الساحة الفلسطينية هو حزب التحرير يمتنع عن المشاركة في الانتخابات بشتى أشكالها التشريعية والمحلية والطلابية والنقابية بمسوغات وحجج فقهية خاصة بالحزب، قد نقتنع بها أو لا نقتنع، قد نقبلها أو نرفضها، قد وقد وقد...ولكن لو أعلن الحزب أنه سيخوض الانتخابات المحلية بالتحالف مع مستقلين أو تحت قائمة معينة يعلنون اسمها أو باسم الحزب الصريح وقالوا بأنهم لن يقبلوا التأجيل حتى لو اضطروا للاعتصام أو اللجوء إلى القضاء والمحاكم لقلنا لهم :أنتم بهذا –رغم قاعدتكم الشعبية التالية للكبيرين- تسهمون في تكريس الانقسام...ولكن الحال مع اليسار مزدوج فأنتم –مع احترامي وتقديري- قاعدتكم الشعبية صغيرة وضيقة، وما تسعون إليه سيعزز الانقسام ويكرسه....الانقسام يا يساريين؛ والذي دائما تعلنون أنه كارثة و يجب أن ينتهي،وفي نفس الوقت تتوجهون إلى القضاء لاستصدار قرار لإجراء انتخابات ستزيد سعة الهوة وتعزز الانقسام وتجعل له أضلاعا وزوايا وأمورا أخرى...فهل أنتم مع الانقسام أم ضده أو لربما تقولون «لعم» للانقسام؟!

لا تحسبن الشحم فيمن شحمه ورم؛ فما حصل عليه اليسار في انتخابات مجالس طلبة الجامعات في الضفة الغربية في السنين الأخيرة من مقاعد كان بسبب عدم مشاركة الكتلة الإسلامية(محسوبة على حماس) والرابطة(محسوبة على الجهاد) وإلا فإن حجم اليسار لا يخفى على أحد، طبعا واستباقا للتهجم والقذف والتشكيك أنا لا أنتقص من نضال اليسار أو تضحياته أو دوره أو أستبعده من خريطة شعبنا السياسية، كلا، أنا فقط أشير إلى أن القاعدة الشعبية لليسار أصغر من أن تضطرهم إلى السير في مسلك يخالف الكبيرين، هذا إذا كانوا فعلا يرفضون الانقسام ويحرصون على إنهائه!

الجمعة المشمشية!
يدرك اليسار أنه لو جرت الانتخابات المحلية في الظرف الحالي(ستقتصر على الضفة الغربية) فسيحصل على نتائج شبيهة بما حصل عليه في الجامعات،وسيمكن محاصصة فتح، طبعا هم يعلنون أنهم ضد المحاصصات بين فتح وحماس، أما غير ذلك فلا بأس وهي ضرورية لتعزيز الوحدة الوطنية وحماية المسيرة الديموقراطية!

وعليه فإن الانقسام والحال كذلك يبدو «جمعة مشمشية» لليسار الذي توحّد من يساره إلى أقصى يساره ضد المرسوم الرئاسي القاضي بتأجيل الانتخابات المحلية، إلى أن يمكن إجراءها في الضفة والقطاع، وكل حريص على الوحدة وإنهاء الانقسام ورأب الصدع ونزع عومل التوتر والتوتير، أو على تخفيف حدة الاحتقان قد تنفس الصعداء حين صدر هذا المرسوم، بينما حشد اليساريون أدواتهم الإعلامية وحججهم القانونية للدفع باتجاه إلغاء هذا المرسوم؛ وفي نفس الوقت يؤكدون أنهم ضد الانقسام ومع الوحدة الوطنية؛ فكيف يا رفاق؟ «خذوني على قد عقلي!» وفهموني!!

وقبل صدور المرسوم دعت قيادات من فتح، بمن فيهم نواب في التشريعي إلى تأجيل الانتخابات إلى حين إتمام المصالحة، على الرغم بأن إجراء الانتخابات حاليا يضمن لفتح الفوز المريح شبه الساحق، ودعوكم من التقارير الصهيونية المسرّبة إلى الصحافة، فلماذا اختار اليسار أن يكون صاحب موقف مختلف، علما بأنه لن يحصل على ما ستحصل عليه فتح، وهو –كما يفترض- ضد الانقسام!

لتقوية الوحدة الوطنية!يخرج من يكتب أو يتكلم عبر هذا المنبر أو ذاك من اليساريين ومن لف لفيفهم ليعلن بأن إجراء الانتخابات المحلية حاليا يعزز ويخدم المصالحة والوحدة الوطنية، ولا يؤثر سلبا عليهما...!

إن الكلام سهل وإطلاق العبارات والشعارات والجمل لا يكلف البعض شيئا، فأنا مثلا سأقول لكم:-
إن البخل يزكي المال، والشح ينميه...التدخين يفيد صحتك ويريح جيبك...الجهل شقيق العلم...الظلام ينير الدرب...الحمل يلاعب الذئب...البنزين يطفئ النار...الماء يشعل اللهب...طعم السكر ملح أجاج...أسمع الصوت بعيني...أشتم رائحة الزهر بأذني...القبلة هي الكعبة شمال فلسطين...معركة بدر كانت بالسلاح الكيماوي!!

نعم،لا تندهشوا مني بقدر دهشتكم منهم، فتركيب الجمل من الأسماء والأفعال أمر سهل فمن؛ الناحية اللغوية والنحوية تبدو صحيحة ولكن لا نصيب لها من الحقيقة والواقع أبدا...فإجراء الانتخابات الآن لن يعزز الوحدة ولن يسهم في إنهاء الانقسام، بل ستصبح الوحدة أبعد وسيتكرس الانقسام أكثر فأكثر ومن يزعم غير ذلك فلا فرق بينه وبين من يردد جملا غريبة ومستهجنة كالتي ذكرتها أعلاه، فدعوكم من محاولة الخداع فو الله إنها مكشوفة وباتت السوءة تحتاج إلى من يسترها، فاخصفوا عليها من بعض المواقف الوحدوية الحقيقية هدانا الله وإياكم الله، فما يظهر الآن هو أنكم قد فضلتم مصلحة الحزب على مصلحة الوطن مع الأسف!

ودعوني أضع السيناريو أمامكم:لو جرت الانتخابات حاليا في الضفة الغربية ستفوز فتح وأنتم ستكونون في المرتبة الثانية، وحسب كل منطقة ستحصلون على حصة،فقد تحصلون على نصف مدة رئاسية أو رئاسة بالتناوب لبعض المجالس، وقد يكون منكم نواب لرؤساء مجالس أخرى...ولكن لن تجري الانتخابات في غزة، وهذا سيرسخ في وعي الجميع أن الانقسام بات أبديا وأن الأمر الواقع حالة سرمدية، ولن يعترفوا بنتائج الانتخابات في الضفة وقد ينظمون انتخابات هناك لن يعترف بنتائجها من هو هنا لنعود للمناكفات، وقد تحدث بعض الإجراءات في القطاع كردات فعل، ولن يكون بمقدوركم بعدئذ الادعاء بأنكم تقفون كحكم بين الطرفين...فكروا ثم قرروا!

كلمة أخيرة للرفاق قد تنجح حملتكم في سحب المرسوم الرئاسي الخاص بتأجيل الانتخابات، ولكن ثقوا أن ما تحلمون به من مغانم لا يساوي حجم المغارم السياسية والوطنية التي ستثقل كاهلكم ولات حين مندم، ولن تفيدكم كل الحجج ولا التبريرات ولا الكلمات الكبيرة حول فصل المحليات عن التنظيمات لأنها خدماتية لا سياسية، ولن تقنعوا الناس بأنكم بهذا تعززون الوحدة، وأن المصالحة لا تتناقض مع الانتخابات...ستكسبون مقاعد لم تحلموا بها قبل سنوات في كل المجالس البلدية والقروية ولكنكم ستخسرون ما تبقى لكم من تأثير شعبي، وستجبرون الناس على إلصاق صفة الانتهازية بكم!

تعلقون صور تشي جيفارا وتتغنون به، فهلاّ تذكرتم أنه ترك الوزارة في كوبا التي قاتل لتحريرها مع رفيقه كاسترو كي يلتحق بالمناضلين والمقاتلين في أماكن أخرى،لماذا لم يقل بأن الوزارة هي نضال وخدمة للكادحين ووو...إلخ؟وهو ما ستقولونه عن مشاركتكم ومحاصصتكم لو جرت الانتخابات في الظرف الحالي، لا أطلب منكم حمل السلاح للقتال، ولكن اقتبسوا شيئا ممن تتغنون به وتشيدون بنضالاته، حاولوا أن تنشغلوا وتشغلوا الناس بشيء إذا لم يعزز الوحدة ويجسر الهوة فعلى الأقل لا يزيد من الفرقة والتشتت، حبذا لو توجهتم إلى القضاء بما يجمع ولا يفرق، ويتفق الجميع على ضرورته...أتذكر وأنا طالب كيف أن جبهة العمل الطلابي(جبهة شعبية) سبقت كل الكتل الطلابية حين قامت بنشر صور لمرافق الجامعة المختلفة تظهر الخلل وما ينغص على الطلبة ولا يليق بمستواهم ويؤثر سلبا على تحصيلهم العلمي؛ كانت الصور محل إجماع بأننا فعلا كطلبة نريد أن تزال هذه المنغصات عنا...فما بالكم اليوم تسعون وتدفعون نحو ما سيجعل الذي يتحدث عن الوحدة ولم الشمل أشبه بمن يصرخ في جمع من الصم؟!
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية