انهيار الأساس الأميركي لاستراتيجية السلام العربية ... بقلم : نقولا ناصر

الجمعة 06 مارس 2015

انهيار الأساس الأميركي لاستراتيجية السلام العربية

نقولا ناصر

الخطاب الذي ألقاه رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونجرس الأميركي في الثالث من الشهر الجاري ينبغي أن يبدد إلى الأبد الوهم العربي بأن الولايات المتحدة قادرة أو لديها نية صادقة في الضغط على دولة الاحتلال، وهي الفرضية التي بنيت على أساسها استراتيجية السلام العربية معها والتي فرضها على عربها تنصل الدول العربية من مسؤولياتها القومية تجاه فلسطين وقضيتها وشعبها.

لقد وصفت زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي خطاب نتنياهو بأنه "إهانة لذكاء الولايات المتحدة" كادت تدفعها إلى البكاء، وكان الأحرى بها وبمن يرى رأيها أن يعلنوا مرثية لسيادة بلادها وكرامتها التي استبيحت عندما صفق ممثلو الشعب الأميركي خمسة وعشرين مرة لنتنياهو وهو يسفّه رئيسهم المنتخب باراك أوباما وسياسته الخارجية.

وقد تحدى نتنياهو أوباما وإدارته وبلاده في عقر دارهم عندما أعلن بأن "الأيام" التي كانت فيها دولة الاحتلال "سلبية ... قد ولّت"، وبأنها لم تعد بحاجة إلى الولايات المتحدة للدفاع عنها لأنه "لأول مرة خلال 100 جيل ... نستطيع الدفاع عن أنفسنا"، و"حتى لو اضطرت إسرائيل لأن تقف وحدها، فإنها سوف تفعل"، ورسالته إلى الأميركيين واضحة وخلاصتها أن دولة الاحتلال لم تعد تعبأ برأي الولايات المتحدة ولا عادت بحاجة إلى دعمها ويمكنها أن تتصرف وحدها.

ولم تكن رسالته إلى العرب أقل وضوحا وملخصها أن الوقت قد حان ليتخلصوا من وهم أن الولايات المتحدة قادرة أو لديها النية في الضغط على دولة الاحتلال، بل العكس، فهي القادرة على محاصرة الرئيس الأميركي سياسيا في عاصمته وعلى الاستقواء عليه بممثلي شعبه المنتخبين أنفسهم.

فاستراتيجية السلام العربية التي فرضت على عرب فلسطين بنيت على أساس الرهان على قدرة الولايات المتحدة على الضغط على دولة الاحتلال وفرض "السلام مع العرب" عليها، وقد كان خطاب نتنياهو تتويجا لفشل هذا الرهان الذي راهنت عليه منظمة التحرير الفلسطينية منذ تبني المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 "حل الدولتين" باسم "إعلان الاستقلال".

منذ ولايته الأولى تبنى نتنياهو استراتيجية منح الأولوية ل"الخطر الإيراني" وتأجيل أي حل للصراع العربي مع دولة الاحتلال إلى ما بعد التخلص من هذا الخطر، لأنه لم يعد يوجد عمليا وواقعيا أي "خطر عربي" على دولة الاحتلال، وقد نجح في فرض هذه الاستراتيجية على الولايات المتحدة التي تثبت اليوم بأن تركيز سياستها الخارجية خلال ولايتي أوباما الأولى والثانية انصب على هذا "الخطر الإيراني"، ليتضح اليوم أن رعايتها المعلنة للتفاوض على "السلام في الشرق الأوسط" كانت مجرد علاقات عامة لإدارة الصراع لا حله.

إن الضجة المثارة قبل خطابه وبعده حول "الخلافات" بين دولة الاحتلال وبين راعيها الأميركي بالكاد تحجب حقيقة أنها مجرد خلافات تكتيكية لا استراتيجية حول التخلص من "الخطر الإيراني"، فدولة الاحتلال تسعى إلى تحقيق هذا الهدف عسكريا و"بتغيير النظام" وتسعى إدارة أوباما إليه بالتفاوض على اتفاق.

ولم يغير خطاب نتنياهو في الموقف الأميركي، ولم يثن أوباما الذي لم يجد في خطابه "شيئا جديدا" كما قال عن مواصلة التفاوض مع إيران على برنامجها النووي، غير أنه قد غير فعلا في قدرة الولايات المتحدة على الضغط على دولة الاحتلال إذ أضعفها، من دون أن يغير أيضا في استمرار الدعم الأميركي للاحتلال ودولته بالرغم من كل الضجة المثارة حول الخلافات بينهما.

ف"أوباما استثمر أكثر من 20 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي في إسرائيل" منذ عام 2009 كما قالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، بينما كان وزير خارجيته جون كيري، بعد خطاب نتنياهو، يحذر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أنه "لا ينبغي لأحد أن يشك لثانية واحدة في أن الولايات المتحدة سوف تعارض أي محاولة ... لنزع الشرعية عن إسرائيل أو لعزلها". وفي سنة 2014 المنصرمة وحدها عارضت الولايات المتحدة (18) قرارا في الجمعية العامة للأمم المتحدة دفاعا عن دولة الاحتلال وكان صوتها الوحيد المعارض لخمسة قرارات في مجلس حقوق الإنسان التابع للهيئة الأممية.

ومع ذلك لم يصدر عن قادة العرب بعد ما يشير إلى أي احتمال لتغيير رهانهم على الأساس الأميركي لاستراتيجية السلام التي فرضوها على قيادة منظمة التحرير إذعانا منهم لإملاءات الولايات المتحدة ولعجزهم عن تحمل مسؤولياتهم القومية تجاه فلسطين وعربها، ليتضح اليوم، خصوصا بعد خطاب نتنياهو، أن رهانهم على الولايات المتحدة لم يكن له علاقة لا بالسلام ولا بفلسطين بقدر ما كان سعيا منهم إلى حماية الولايات المتحدة لبقائهم في كراسي الحكم.

وبالرغم من ذلك لم يصدر كذلك عن قيادة منظمة التحرير ما يشير إلى أي احتمال قريب بالخروج على استراتيجية السلام العربية ومبادرتها المعروفة، لا بل إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس جدد تعهده بتنسيق حراكه السياسي مع الدول العربية في مؤتمر قمتها المقبل أواخر هذا الشهر في القاهرة، ووضع على جدول أعمال الدورة السابعة والعشرين للمجلس المركزي للمنظمة الذي أنهى أعماله في رام الله الخميس الماضي بحث "مستقبل" العلاقات مع دولة الاحتلال بدل أن يبحث مستقبل الرهان العربي على الولايات المتحدة.

وكان الأجدر بالرئيس الفلسطيني أن يستصدر من المجلس المركزي قرارا بوضع مستقبل العلاقات العربية الأميركية على جدول أعمال القمة العربية بعد أن أثبت خطاب نتنياهو الأخير أن استمرار مراهنة الاستراتيجية العربية على حسن نوايا الولايات المتحدة وعلى وهم أن لديها النية الصادقة أو أنها تملك إمكانية واقعية للضغط على دولة الاحتلال للاستجابة إلى الحد الأدنى من استحقاقات السلام المعلنة إنما هو استمرار عربي في الحرث في البحر الأميركي لا جدوى من الاستمرار فيه بعد أن ثبت بالملموس منذ عام 1988 أن الوعود الأميركية كاذبة، وأن الآمال العربية المعلقة على الولايات المتحدة زائفة، وأن الرهان العربي عليها كان خاسرا منذ البداية، وأن ارتهان الموقف الفلسطيني للرهان العربي على الولايات المتحدة لم يعد له ما يسوغه.

في الكونجرس الأميركي يوم الثلاثاء الماضي أثبت نتنياهو أنه يرفض السلام والتفاوض عليه مع إيران ويسعى إلى الحرب معها حتى تستسلم أو يتغير النظام الحاكم فيها مثلما أجهض ما سمي "عملية السلام" مع العرب حتى يستسلموا كما فعل بعضهم أو يتم تغيير أنظمتهم الحاكمة الرافضة للاستسلام.

ومثلما كان دافع الضرائب الأميركي هو الذي مول الاحتلال ودولته لتستقوي بالقوات المسلحة الأميركية في حروبها العدوانية على العرب يسعى نتنياهو اليوم إلى تحويل القوات الأميركية إلى جيش مرتزق يحارب إيران بالنيابة عن دولة الاحتلال، وهنا المأزق في العلاقات الثنائية، فالظروف الموضوعية التي جعلت الولايات المتحدة تذعن للتحريض الإسرائيلي على غزو العراق واحتلاله مختلفة مع إيران>
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية