بانتظار أوباما
هاني المصري
بعد شهر سيقوم باراك أوباما بزيارة إلى المنطقة، وهي أول زيارة بعد إعادة انتخابه لدورة رئاسيّة ثانية.
إذا عدنا أربع سنوات إلى الوراء، سنجد أن التوقعات الفلسطينيّة والعربيّة من أوباما، الرئيس الأسود صاحب الخلفيّة الإسلاميّة، كانت عالية، وخصوصًا بعدما أبدى اهتمامًا ملحوظًا بقضيّة السلام في المنطقة. وما حدث أن إدارة أوباما وضعت القضيّة الفلسطينيّة في آخر سلم أولوياتها، وعادت إلى التعامل معها على أساس إدارة النزاع لمنعه من التدهور وتخلت عن محاولتها للتوصل إلى حله.
ولا ننسى أن الإدارة الأميركيّة عارضت الخطوات الفلسطينيّة الرامية إلى انضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة والوكالات الدوليّة التابعة لها، فقد عارضت انضمام فلسطين لليونيسكو، وأوقفت تحويل المساعدات الأميركيّة للسلطة الفلسطينيّة وللمنظمة الدوليّة، واستخدمت الفيتو ضد إدانة الاستيطان، وعارضت الطلب الفلسطيني للحصول على العضويّة الكاملة في مجلس الأمن، وهددت باستخدام الفيتو إذا عرض على التصويت، وحاولت منع المنظمة من التقدم بطلب إلى الجمعيّة العامة للحصول على العضويّة المراقبة لدولة فلسطين وصوتت ضد هذا القرار.
طبعًا، لا يجب أن ننسى الفيتو الأميركي المستمر ضد المصالحة الفلسطينيّة الذي يظهر من خلال الإصرار على اعتماد شروط اللجنة الرباعيّة من أي حكومة فلسطينيّة قادمة، وعلى عدم إشراك "حماس" في الحكومة أو حتى في عمليّة تشكيلها، وظهر هذا واضحًا في الموقف من "إعلان الدوحة"، حيث اعتبرته الخارجيّة الأميركيّة شأنًا داخليًا، ثم عادت وتراجعت عبر رسائل حملها مبعوثون أميركيون بأن الإدارة الأميركيّة ترفض حكومة تشارك في تشكيلها "حماس"، حتى لو كان رئيسها الرئيس "أبو مازن".
من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الأميركيّة هددت باتخاذ أقصى العقوبات ضد السلطة إذا مضت في خطوتها نحو الأمم المتحدة، ولكنها لم تذهب إلى أقصى مدى، سواء في إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن ووقف التعامل السياسي مع المنظمة والسلطة، أو في ممارسة كل الضغوط التي تستطيعها على الدول لمنعها من التصويت لصالح حصول فلسطين على الدولة المراقبة. بل قامت الإدارة الأميركيّة بمحاولات لإقناع الكونجرس بالإفراج عن المساعدات الأميركيّة للسلطة، وساهمت في إقناع إسرائيل بتحويل الأموال الفلسطينيّة من العائدات الجمركيّة التي أوقفت الحكومة الإسرائيليّة تحويلها أكثر من مرة، معتمدة على أن السلطة اكتفت بالإقدام على "أَرباع الخطوات" ومتمسكة بخيار المفاوضات وعلى توصيات قدمت من قادة الأجهزة الامنيّة الإسرائيليّة لحكومتهم بأن استمرار هذه العقوبات قد يؤدي إلى انهيار السلطة.
إن الإدارة الأميركيّة تريد وقف التوجه الفلسطيني نحو التدويل واحتواء خطوة الدولة المراقبة وتوظفها لصالح نجاح مساعيها لاستئناف المفاوضات وإدارة النزاع، لأنها لا تملك، وليس من المتوقع أن تملك في القريب العاجل، رؤية لإنهائه ولا إرادة لفرض حل متوازن، وهذا يعني أن الأرضية لانطلاقة مفاوضات جادة غير متوفرة، وأقصى ما يمكن أن تحققه إدارة أوباما تحركات وخطوات توحي بأن "عمليّة السلام" - التي ماتت منذ زمن بعيد- حيّة أو يمكن إحياؤها لقطع الطريق على تقدم أي خيارات وبدائل أخرى.
لقد حرصت الإدارة الأميركيّة هذه المرة على تقليل حجم التوقعات من زيارة أوباما، وأكدت أنه لا يحمل مقترحات جديدة، وأشارت معطيات ومؤشرات ومعلومات أن أهداف الزيارة: ترميم العلاقات بين أوباما ونتنياهو، والاتفاق مع إسرائيل على كيفيّة التعامل مع الملف النووي الإيراني، والتغييرات العربيّة، والبحث في إمكانية استئناف المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة، لأن استمرار وقفها سيقود إلى تدهور شامل في المنطقة عاجلًا أم آجلًا، ومن شأنه إلحاق الأذى البالغ في المصالح الأميركيّة والإسرائيليّة.
في هذا السياق، هناك محاولات للاتفاق على استئناف المفاوضات من خلال تشجيع إسرائيل على الإقدام على خطوات بناء الثقة، من خلال إطلاق سراح دفعة من الأسرى، وتحسين شروط الحياة للفلسطينيين في الضفة، وتحويل العائدات الفلسطينيّة للسلطة، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة، والموافقة على التفاوض حول تجميد الاستيطان، وربما الإقدام مرة أخرى على خطوة تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان، يُستثنى منها القدس والتجمعات الاستيطانيّة الكبيرة والمخططات المقرة والجاري العمل عليها، مقابل تخلي القيادة الفلسطينيّة عن شروطها لاستئناف المفاوضات والتي تشمل وقف الاستيطان بشكل كامل وحقيقي، والالتزام بمرجعيّة واضحة وملزمة لعمليّة السلام، تقوم على الاعتراف بقيام دولة فلسطينيّة على أساس حدود 1967، وبالقرار الأممي الصادر عن الأمم المتحدة بخصوص الدولة المراقبة، وإطلاق سراح الأسرى، خصوصًا ذوي الأحكام العالية والمعتقلين منذ ما قبل التوقيع على اتفاق أوسلو.
ومقابل هذه الخطوات تطالب أميركا وإسرائيل وبعض دول أوروبا المنظمة بأن تتعهد بعدم الانضمام للوكالات وتوقيع الاتفاقيات الدوليّة، خصوصًا محكمة الجنايات الدوليّة، وإذا سهّلت "حماس" هذه العملية، وواصلت اعتدالها يمكن قبول مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني ورفع الفيتو الأميركي عن المصالحة.
وبالرغم من أن ما يجري الحديث عنه من خطوات إسرائيليّة لبناء الثقة وتسهيل استئناف المفاوضات شكليّة ولا تلبي جوهر المطالب الفلسطينيّة، إلا أن بعضها مشكوك جدًا في أن الحكومة الإسرائيليّة القادمة يمكن أن تلبيها، وخصوصًا تجميد ولو جزئي للاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى من أصحاب الأحكام العالية.
إن نتائج الانتخابات الإسرائيليّة لم تغير الموقف الإسرائيلي من الفلسطينيين و"عمليّة السلام" وقضايا الحل النهائي، بل إن القضيّة الفلسطينيّة لم تكن مدرجة في برامج الأحزاب الفائزة، حتى المحسوب منها على "عمليّة السلام". فحتى يائير لبيد وحزبه "يوجد مستقبل" وضع القضيّة الفلسطينيّة وراء ظهره، ويتحدث عن المفاوضات لأنها ضروريّة لإسرائيل لمنع عزلتها، وللحفاظ على أفضل العلاقات الأميركيّة - الإسرائيليّة، أما موقفه من القدس واللاجئين والاستيطان والأمن وسيادة الدولة الفلسطينيّة العتيدة فلا يختلف جوهريًا عما يتبناه نتنياهو، لدرجة أنه انتقد مؤخرًا العرض الذي قدمه أولمرت لـلرئيس "أبو مازن"، لأنه تضمن تقسيم القدس والمساس بالموقف الإسرائيلي من حق العودة.
المشكلة الحقيقيّة تكمن في أن القيادة الفلسطينيّة لا تزال تعول على إحياء "عمليّة السلام" واستئناف المفاوضات وعلى الدور الأميركي، بدليل أن زيارة أوباما بالرغم من نفي صائب عريقات أرخت بظلالها السوداء على "عمليّة المصالحة" التي جمدت عمليًا بانتظار معرفة نتائج زيارة أوباما، وحتى لا تؤثر سلبًا على هذه الزيارة، كما أرخت بظلالها على الاستعدادات الفلسطينيّة لاستكمال خطوة الحصول على الدولة المراقبة.
فأسأل: لماذا يتم التعامل بعد الدولة المراقبة، وكأن شيئًا لم يختلف، فلم يتم تجاوز التزامات أوسلو وسلطة الحكم الذاتي والانتقال التدريجي على الأقل للتعامل على أساس الدولة، بحيث تجري انتخابات لبرلمان الدولة وليس للمجلس التشريعي وكأن شيئًا لم يتغير، وأين غابت اللجان المشكلة التي تبحث في اليوم التالي والإجراءات الضروريّ اتخاذها في التعامل مع الدولة، ولماذا جمدت فعليا؟، لا يوجد تفسير آخر سوى أنها جمدت حتى لا تؤثر سلبًا على زيارة أوباما. لم يكن من الأفضل أن نستقبل أوباما موحدين مسلحين ببرنامج مشترك يشجع الانضمام للوكالات الدولية والتوقيع على الاتفاقات الدولية التي تعطي للدولة أوراق قوة تحسن وضعها التفاوضي.
وما يزيد الطين بلة، التلميحات الفلسطينيّة بالاستعداد لاستئناف المفاوضات إذا تم وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى من دون الشروط الأخرى، حتى لو استمرت المفاوضات لعامين أو ثلاثة، كما صرح نمر حماد، مستشار الرئيس، لصحيفة "معاريف" الإسرائيليّة.
إن إعادة المفاوضات من أجل المفاوضات خطأ فادح مضاعف في ظل رعاية أميركيّة انفراديّة وشهادة اللجنة الرباعيّة التي تلعب دور "شاهد زور"؛ حتى على أساس تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان، ومن دون مرجعيّة واضحة وملزمة تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ومن دون ضمانات دوليّة حقيقيّة تنطلق من عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات ومستمر بمشاركة كل الأطراف، برعاية الأمم المتحدة وليس اللجنة الرباعيّة التي يجب أن تنتهي، لأنها شكل من أشكال التحايل الدولي على القانون الدولي والحقوق الفلسطينيّة.
إن العودة إلى المفاوضات الثنائيّة قبل تعديل ميزان القوى بشكل جوهري والإمساك بأسباب القوة وبنفس الطريقة السابقة أو بعد تعديلها بشكل جزئي؛ يضرب بالصميم الإنجاز السياسي والديبلوماسي والقانوني والأخلاقي المتمثل بالاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينيّة.
إن الحفاظ على هذا الإنجاز وتطويره يتطلب التركيز على الحصول على الاعتراف الأميركي والإسرائيلي بالدولة الفلسطينيّة قبل أي شرط آخر، وحتى تنطلق المفاوضات على أسس ومرجعيات جديدة وآليّة تطبيق ملزمة وجداول زمنيّة قصيرة، يكفينا أكثر من 22 عامًا على عقد مؤتمر مدريد، وعشرين عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، الذي أدى إلى الكارثة، إلى تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، وتقطيع الأوصال، والحصار، والانقسام، وغياب المشروع الوطني الواحد والمؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة.
هاني المصري
بعد شهر سيقوم باراك أوباما بزيارة إلى المنطقة، وهي أول زيارة بعد إعادة انتخابه لدورة رئاسيّة ثانية.
إذا عدنا أربع سنوات إلى الوراء، سنجد أن التوقعات الفلسطينيّة والعربيّة من أوباما، الرئيس الأسود صاحب الخلفيّة الإسلاميّة، كانت عالية، وخصوصًا بعدما أبدى اهتمامًا ملحوظًا بقضيّة السلام في المنطقة. وما حدث أن إدارة أوباما وضعت القضيّة الفلسطينيّة في آخر سلم أولوياتها، وعادت إلى التعامل معها على أساس إدارة النزاع لمنعه من التدهور وتخلت عن محاولتها للتوصل إلى حله.
ولا ننسى أن الإدارة الأميركيّة عارضت الخطوات الفلسطينيّة الرامية إلى انضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة والوكالات الدوليّة التابعة لها، فقد عارضت انضمام فلسطين لليونيسكو، وأوقفت تحويل المساعدات الأميركيّة للسلطة الفلسطينيّة وللمنظمة الدوليّة، واستخدمت الفيتو ضد إدانة الاستيطان، وعارضت الطلب الفلسطيني للحصول على العضويّة الكاملة في مجلس الأمن، وهددت باستخدام الفيتو إذا عرض على التصويت، وحاولت منع المنظمة من التقدم بطلب إلى الجمعيّة العامة للحصول على العضويّة المراقبة لدولة فلسطين وصوتت ضد هذا القرار.
طبعًا، لا يجب أن ننسى الفيتو الأميركي المستمر ضد المصالحة الفلسطينيّة الذي يظهر من خلال الإصرار على اعتماد شروط اللجنة الرباعيّة من أي حكومة فلسطينيّة قادمة، وعلى عدم إشراك "حماس" في الحكومة أو حتى في عمليّة تشكيلها، وظهر هذا واضحًا في الموقف من "إعلان الدوحة"، حيث اعتبرته الخارجيّة الأميركيّة شأنًا داخليًا، ثم عادت وتراجعت عبر رسائل حملها مبعوثون أميركيون بأن الإدارة الأميركيّة ترفض حكومة تشارك في تشكيلها "حماس"، حتى لو كان رئيسها الرئيس "أبو مازن".
من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الأميركيّة هددت باتخاذ أقصى العقوبات ضد السلطة إذا مضت في خطوتها نحو الأمم المتحدة، ولكنها لم تذهب إلى أقصى مدى، سواء في إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن ووقف التعامل السياسي مع المنظمة والسلطة، أو في ممارسة كل الضغوط التي تستطيعها على الدول لمنعها من التصويت لصالح حصول فلسطين على الدولة المراقبة. بل قامت الإدارة الأميركيّة بمحاولات لإقناع الكونجرس بالإفراج عن المساعدات الأميركيّة للسلطة، وساهمت في إقناع إسرائيل بتحويل الأموال الفلسطينيّة من العائدات الجمركيّة التي أوقفت الحكومة الإسرائيليّة تحويلها أكثر من مرة، معتمدة على أن السلطة اكتفت بالإقدام على "أَرباع الخطوات" ومتمسكة بخيار المفاوضات وعلى توصيات قدمت من قادة الأجهزة الامنيّة الإسرائيليّة لحكومتهم بأن استمرار هذه العقوبات قد يؤدي إلى انهيار السلطة.
إن الإدارة الأميركيّة تريد وقف التوجه الفلسطيني نحو التدويل واحتواء خطوة الدولة المراقبة وتوظفها لصالح نجاح مساعيها لاستئناف المفاوضات وإدارة النزاع، لأنها لا تملك، وليس من المتوقع أن تملك في القريب العاجل، رؤية لإنهائه ولا إرادة لفرض حل متوازن، وهذا يعني أن الأرضية لانطلاقة مفاوضات جادة غير متوفرة، وأقصى ما يمكن أن تحققه إدارة أوباما تحركات وخطوات توحي بأن "عمليّة السلام" - التي ماتت منذ زمن بعيد- حيّة أو يمكن إحياؤها لقطع الطريق على تقدم أي خيارات وبدائل أخرى.
لقد حرصت الإدارة الأميركيّة هذه المرة على تقليل حجم التوقعات من زيارة أوباما، وأكدت أنه لا يحمل مقترحات جديدة، وأشارت معطيات ومؤشرات ومعلومات أن أهداف الزيارة: ترميم العلاقات بين أوباما ونتنياهو، والاتفاق مع إسرائيل على كيفيّة التعامل مع الملف النووي الإيراني، والتغييرات العربيّة، والبحث في إمكانية استئناف المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة، لأن استمرار وقفها سيقود إلى تدهور شامل في المنطقة عاجلًا أم آجلًا، ومن شأنه إلحاق الأذى البالغ في المصالح الأميركيّة والإسرائيليّة.
في هذا السياق، هناك محاولات للاتفاق على استئناف المفاوضات من خلال تشجيع إسرائيل على الإقدام على خطوات بناء الثقة، من خلال إطلاق سراح دفعة من الأسرى، وتحسين شروط الحياة للفلسطينيين في الضفة، وتحويل العائدات الفلسطينيّة للسلطة، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة، والموافقة على التفاوض حول تجميد الاستيطان، وربما الإقدام مرة أخرى على خطوة تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان، يُستثنى منها القدس والتجمعات الاستيطانيّة الكبيرة والمخططات المقرة والجاري العمل عليها، مقابل تخلي القيادة الفلسطينيّة عن شروطها لاستئناف المفاوضات والتي تشمل وقف الاستيطان بشكل كامل وحقيقي، والالتزام بمرجعيّة واضحة وملزمة لعمليّة السلام، تقوم على الاعتراف بقيام دولة فلسطينيّة على أساس حدود 1967، وبالقرار الأممي الصادر عن الأمم المتحدة بخصوص الدولة المراقبة، وإطلاق سراح الأسرى، خصوصًا ذوي الأحكام العالية والمعتقلين منذ ما قبل التوقيع على اتفاق أوسلو.
ومقابل هذه الخطوات تطالب أميركا وإسرائيل وبعض دول أوروبا المنظمة بأن تتعهد بعدم الانضمام للوكالات وتوقيع الاتفاقيات الدوليّة، خصوصًا محكمة الجنايات الدوليّة، وإذا سهّلت "حماس" هذه العملية، وواصلت اعتدالها يمكن قبول مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني ورفع الفيتو الأميركي عن المصالحة.
وبالرغم من أن ما يجري الحديث عنه من خطوات إسرائيليّة لبناء الثقة وتسهيل استئناف المفاوضات شكليّة ولا تلبي جوهر المطالب الفلسطينيّة، إلا أن بعضها مشكوك جدًا في أن الحكومة الإسرائيليّة القادمة يمكن أن تلبيها، وخصوصًا تجميد ولو جزئي للاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى من أصحاب الأحكام العالية.
إن نتائج الانتخابات الإسرائيليّة لم تغير الموقف الإسرائيلي من الفلسطينيين و"عمليّة السلام" وقضايا الحل النهائي، بل إن القضيّة الفلسطينيّة لم تكن مدرجة في برامج الأحزاب الفائزة، حتى المحسوب منها على "عمليّة السلام". فحتى يائير لبيد وحزبه "يوجد مستقبل" وضع القضيّة الفلسطينيّة وراء ظهره، ويتحدث عن المفاوضات لأنها ضروريّة لإسرائيل لمنع عزلتها، وللحفاظ على أفضل العلاقات الأميركيّة - الإسرائيليّة، أما موقفه من القدس واللاجئين والاستيطان والأمن وسيادة الدولة الفلسطينيّة العتيدة فلا يختلف جوهريًا عما يتبناه نتنياهو، لدرجة أنه انتقد مؤخرًا العرض الذي قدمه أولمرت لـلرئيس "أبو مازن"، لأنه تضمن تقسيم القدس والمساس بالموقف الإسرائيلي من حق العودة.
المشكلة الحقيقيّة تكمن في أن القيادة الفلسطينيّة لا تزال تعول على إحياء "عمليّة السلام" واستئناف المفاوضات وعلى الدور الأميركي، بدليل أن زيارة أوباما بالرغم من نفي صائب عريقات أرخت بظلالها السوداء على "عمليّة المصالحة" التي جمدت عمليًا بانتظار معرفة نتائج زيارة أوباما، وحتى لا تؤثر سلبًا على هذه الزيارة، كما أرخت بظلالها على الاستعدادات الفلسطينيّة لاستكمال خطوة الحصول على الدولة المراقبة.
فأسأل: لماذا يتم التعامل بعد الدولة المراقبة، وكأن شيئًا لم يختلف، فلم يتم تجاوز التزامات أوسلو وسلطة الحكم الذاتي والانتقال التدريجي على الأقل للتعامل على أساس الدولة، بحيث تجري انتخابات لبرلمان الدولة وليس للمجلس التشريعي وكأن شيئًا لم يتغير، وأين غابت اللجان المشكلة التي تبحث في اليوم التالي والإجراءات الضروريّ اتخاذها في التعامل مع الدولة، ولماذا جمدت فعليا؟، لا يوجد تفسير آخر سوى أنها جمدت حتى لا تؤثر سلبًا على زيارة أوباما. لم يكن من الأفضل أن نستقبل أوباما موحدين مسلحين ببرنامج مشترك يشجع الانضمام للوكالات الدولية والتوقيع على الاتفاقات الدولية التي تعطي للدولة أوراق قوة تحسن وضعها التفاوضي.
وما يزيد الطين بلة، التلميحات الفلسطينيّة بالاستعداد لاستئناف المفاوضات إذا تم وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى من دون الشروط الأخرى، حتى لو استمرت المفاوضات لعامين أو ثلاثة، كما صرح نمر حماد، مستشار الرئيس، لصحيفة "معاريف" الإسرائيليّة.
إن إعادة المفاوضات من أجل المفاوضات خطأ فادح مضاعف في ظل رعاية أميركيّة انفراديّة وشهادة اللجنة الرباعيّة التي تلعب دور "شاهد زور"؛ حتى على أساس تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان، ومن دون مرجعيّة واضحة وملزمة تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ومن دون ضمانات دوليّة حقيقيّة تنطلق من عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات ومستمر بمشاركة كل الأطراف، برعاية الأمم المتحدة وليس اللجنة الرباعيّة التي يجب أن تنتهي، لأنها شكل من أشكال التحايل الدولي على القانون الدولي والحقوق الفلسطينيّة.
إن العودة إلى المفاوضات الثنائيّة قبل تعديل ميزان القوى بشكل جوهري والإمساك بأسباب القوة وبنفس الطريقة السابقة أو بعد تعديلها بشكل جزئي؛ يضرب بالصميم الإنجاز السياسي والديبلوماسي والقانوني والأخلاقي المتمثل بالاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينيّة.
إن الحفاظ على هذا الإنجاز وتطويره يتطلب التركيز على الحصول على الاعتراف الأميركي والإسرائيلي بالدولة الفلسطينيّة قبل أي شرط آخر، وحتى تنطلق المفاوضات على أسس ومرجعيات جديدة وآليّة تطبيق ملزمة وجداول زمنيّة قصيرة، يكفينا أكثر من 22 عامًا على عقد مؤتمر مدريد، وعشرين عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، الذي أدى إلى الكارثة، إلى تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، وتقطيع الأوصال، والحصار، والانقسام، وغياب المشروع الوطني الواحد والمؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية