بطلٌ بربطةِ عنق!
إباء أبو طه
كم كانت تلفت انتباهي تلك الصور المبعثرة للشهداء على جانبي الطرق عندما تعلن السماء أنهم أبطال، لتكون الصور أقرب إلى الهندسة الشكلية التي تعرض الشهيد "بزيّ رسمي"، وابتسامة خفيفة تكشف عن يقينه بأنه البطل، لتثير السؤال: هل كل البطولات التي يخوضها الأبطال جسديًّا ونفسيًّا تخرج لنا بطلاً "مرممًا" لامعًا على هيئة ممثلي هوليوود؟!
يكشف التاريخ أن الأحداث هي التي كانت دومًا تصنع الأبطال، فالبطل من دون حدث لا تكون له خامة، إنه يحتاج لساحة يخوض فيها معاركه المستندة على نظم قيمية وأخلاقية، لكن في ظل أجواء الحداثة، تبدو هذه المسلّمة أقرب إلى التفكك، لا سيّما أن مواقع التواصل الاجتماعي تكشف عن ثلة من الأبطال الافتراضيين القادرين على صناعة الحدث وإعلان بطله من دون خوض حروب ولا معارك، بل من خلال أفكار تحسم النتيجة لصالح بطل لم يظهر في الواقع الحقيقي بعد، لتبدو مهمات بطل "الماوس والكيبورد" أيسر وأقلّ تكلفة وجهدًا، ويكون استدعاء الأبطال الواقعيين أمامها مهمّة باهتة منتهية الصلاحية.
وفي ظلّ تقنيّة "الصورة"، التي هي علامة تكنولوجية ومؤشر أيديولوجي ومنطق مستقبلي، تظهر صناعة البطل من خلال الصور التلفزيونية أكثر خداعًا واستفزازًا للواقع، فيكون الترويج له كالترويج لسلعة استهلاكيّة يتفاعل معها الناس، كأن يتم "استخدامه" في دعايات كوكاكولا، أو حتى شفرات الحلاقة، لتفكك صورة البطل بمعناها الحقيقيّ وتتبدل القيم إلى مستوى مبتذل. وإن كان البطل منزهًا عن استحضاره تحت المجهر من باب قداسته، إلا أنه في ظل الصورة التي تروج لها وسائل الإعلام، مطلوب من الباحثين دراسة واقع صورة البطل فيها، قبل أن تتحول إلى نماذج سفيهة يتفاعل معها الناس.
"أدلجة البطل" عملية تستند إلى تعرية الأبطال وإعادة تدويرهم وتعليبهم بالشكل الذي يليق بأجندة بعض الأفراد والحركات الوطنية، فاستقبال أفراد المجتمع للأبطال يُبنى على عملية الفرز، من خلال إيجاد سلسلة من التقاطعات بين المنظومة المعرفية للفرد، والبطل، التي تحرم الأفراد من الاستفادة من القيم التي يحملها "البطل المؤدلج"، ما يؤدي لإقصائه ومن ثم استئصاله؛ فنحن كمسلمين، كم نعرف أبطالاً وقادة من غير ديننا، وإن كنا أبناء حركة ما، فكم ستكون معرفتنا بالقادة من حركات أخرى، مستفيدين من القيم والرؤى الفكرية والأخلاقية التي كانت في جعبتهم، لتغدو حكمة الاستفادة ضالة إن بقيت ضمن عمليات الأدلجة هذه.
أبطالٌ بربطة عنق!، هذا النوع من الأبطال يكون "معلّبًا" لا يحتاج إلى خوض معارك ولا حتى أحداث، تصنعه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والحركات الوطنية، وتجعل منه نسخًا جاهزة تستعين بها وقت الحاجة، إما لتصنع ثورة أو تشعل إضرابًا، من خلال ترميمه ببعض الأحداث التي تختمه بطابع البطولة والفداء، فيتحول معها من إنسان عادي إلى بطل منتظر، وتصبح قيم الحرية والانتصار على حين غرّة مرهونةً به، لتجد انتصارات "معلّبة" لا تعلم كيف بدأت ومن حرّكها، ومعارك محسومة قبل أن تبدأ. فلا تعجب حين ترى في أجندة بعض الوسائل الإعلامية أنّ بطل الشهر سيكون الرجل الفلاني أو المرأة الفلانيّة، مع إرفاق الحدث الذي سيجعل منه بطلاً، سواء كان إضرابًا عن الطعام أو ثورة ضد حكومة، أو إطلاق رصاصة؛ ليظهر البطل الذي تحرّكه الفرقعات الإعلامية فجأة ويختفي أخرى، وتصبح رمزية البطل محترقة، مفككة في نهاية المطاف.
إباء أبو طه
كم كانت تلفت انتباهي تلك الصور المبعثرة للشهداء على جانبي الطرق عندما تعلن السماء أنهم أبطال، لتكون الصور أقرب إلى الهندسة الشكلية التي تعرض الشهيد "بزيّ رسمي"، وابتسامة خفيفة تكشف عن يقينه بأنه البطل، لتثير السؤال: هل كل البطولات التي يخوضها الأبطال جسديًّا ونفسيًّا تخرج لنا بطلاً "مرممًا" لامعًا على هيئة ممثلي هوليوود؟!
يكشف التاريخ أن الأحداث هي التي كانت دومًا تصنع الأبطال، فالبطل من دون حدث لا تكون له خامة، إنه يحتاج لساحة يخوض فيها معاركه المستندة على نظم قيمية وأخلاقية، لكن في ظل أجواء الحداثة، تبدو هذه المسلّمة أقرب إلى التفكك، لا سيّما أن مواقع التواصل الاجتماعي تكشف عن ثلة من الأبطال الافتراضيين القادرين على صناعة الحدث وإعلان بطله من دون خوض حروب ولا معارك، بل من خلال أفكار تحسم النتيجة لصالح بطل لم يظهر في الواقع الحقيقي بعد، لتبدو مهمات بطل "الماوس والكيبورد" أيسر وأقلّ تكلفة وجهدًا، ويكون استدعاء الأبطال الواقعيين أمامها مهمّة باهتة منتهية الصلاحية.
وفي ظلّ تقنيّة "الصورة"، التي هي علامة تكنولوجية ومؤشر أيديولوجي ومنطق مستقبلي، تظهر صناعة البطل من خلال الصور التلفزيونية أكثر خداعًا واستفزازًا للواقع، فيكون الترويج له كالترويج لسلعة استهلاكيّة يتفاعل معها الناس، كأن يتم "استخدامه" في دعايات كوكاكولا، أو حتى شفرات الحلاقة، لتفكك صورة البطل بمعناها الحقيقيّ وتتبدل القيم إلى مستوى مبتذل. وإن كان البطل منزهًا عن استحضاره تحت المجهر من باب قداسته، إلا أنه في ظل الصورة التي تروج لها وسائل الإعلام، مطلوب من الباحثين دراسة واقع صورة البطل فيها، قبل أن تتحول إلى نماذج سفيهة يتفاعل معها الناس.
"أدلجة البطل" عملية تستند إلى تعرية الأبطال وإعادة تدويرهم وتعليبهم بالشكل الذي يليق بأجندة بعض الأفراد والحركات الوطنية، فاستقبال أفراد المجتمع للأبطال يُبنى على عملية الفرز، من خلال إيجاد سلسلة من التقاطعات بين المنظومة المعرفية للفرد، والبطل، التي تحرم الأفراد من الاستفادة من القيم التي يحملها "البطل المؤدلج"، ما يؤدي لإقصائه ومن ثم استئصاله؛ فنحن كمسلمين، كم نعرف أبطالاً وقادة من غير ديننا، وإن كنا أبناء حركة ما، فكم ستكون معرفتنا بالقادة من حركات أخرى، مستفيدين من القيم والرؤى الفكرية والأخلاقية التي كانت في جعبتهم، لتغدو حكمة الاستفادة ضالة إن بقيت ضمن عمليات الأدلجة هذه.
أبطالٌ بربطة عنق!، هذا النوع من الأبطال يكون "معلّبًا" لا يحتاج إلى خوض معارك ولا حتى أحداث، تصنعه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والحركات الوطنية، وتجعل منه نسخًا جاهزة تستعين بها وقت الحاجة، إما لتصنع ثورة أو تشعل إضرابًا، من خلال ترميمه ببعض الأحداث التي تختمه بطابع البطولة والفداء، فيتحول معها من إنسان عادي إلى بطل منتظر، وتصبح قيم الحرية والانتصار على حين غرّة مرهونةً به، لتجد انتصارات "معلّبة" لا تعلم كيف بدأت ومن حرّكها، ومعارك محسومة قبل أن تبدأ. فلا تعجب حين ترى في أجندة بعض الوسائل الإعلامية أنّ بطل الشهر سيكون الرجل الفلاني أو المرأة الفلانيّة، مع إرفاق الحدث الذي سيجعل منه بطلاً، سواء كان إضرابًا عن الطعام أو ثورة ضد حكومة، أو إطلاق رصاصة؛ ليظهر البطل الذي تحرّكه الفرقعات الإعلامية فجأة ويختفي أخرى، وتصبح رمزية البطل محترقة، مفككة في نهاية المطاف.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية