بعد 20 سنة مفاوضات
عوني صادق
الاجتماع الذي عقد بين إسحق مولخو، مستشار رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، وكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، في عمان يوم 3 من الشهر الجاري، جاء بعد زيارتين، الأولى قام بها الرئيس "الإسرائيلي" شمعون بيريز إلى عمان، والثانية التي وصفت بأنها "تاريخية"، قام بها الملك الأردني عبدالله الثاني إلى رام الله المحتلة. وبالرغم من حرص وزير الخارجية الأردني ناصر جودة الذي تحوّل إلى "ناطق رسمي" باسم اللقاء الذي تم (واللقاءات التي ستلحق)، على وصف الاجتماع بأنه كان "جاداً"، إلا أن الظروف التي أحاطت بالاجتماع والسياق الذي عقد فيه، ومن ثم النتيجة المتوقعة التي انتهى إليها، كل ذلك جعله أبعد ما يكون عن "الجدية"، حتى لا نلجأ إلى وصف آخر.
صحيح أن السياسة كالطبيعة، لا تقبل الفراغ. وهذه "الخاصية" هي التي فرضت عقد "اجتماع عمان"، إذ إنه من الواضح للجميع أن منطقة "الشرق الأوسط" تعيش منذ عام على صفيح ساخن، كما يقال، وهناك من يخشى أن تصل عدوى السخونة إلى الضفة الفلسطينية المحتلة، في وقت تنشغل فيه إدارة أوباما بانتخابات الرئاسة في ظروف غير ملائمة، وينشغل فيه الاتحاد الأوروبي بأزماته الاقتصادية، متزامناً ذلك مع تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية بالرغم من كل محاولات جذب الانتباه التي أقدمت عليها سلطة رام الله. في هذه الظروف كان لا بد من "حيلة"، ولو كانت قديمة جداً، تبعد الاحتمالات غير المرغوب فيها، وتبعد التهمة عن "إسرائيل" بعرقلة "عملية السلام"، وتمنحها مزيداً من الوقت لاستكمال نشاطاتها التهويدية وتغطي على عمليات استيطانها المسعورة.
ولأن اللجنة الرباعية الدولية كانت قد حددت يوم 26 من الشهر الجاري، موعداً نهائياً لاستلام ردود السلطة الفلسطينية والحكومة "الإسرائيلية" على الأسئلة التي وجهتها للطرفين عن مسائل (الحدود والأمن والدولة)، وكانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت أكثر من مرة آخرها جاء على لسان الرئيس محمود عباس بعد اجتماع عمان أنه "إذا لم توافق "إسرائيل" على المطالب الفلسطينية قبل 26 من الشهر الجاري، يكون قد انتهى الوقت، ولدينا إجراءات أخرى يمكن أن نتخذها"، كان لا بد من "إجراء" يتخذ قبل الموعد المذكور، مع أنه معروف أن هذه "الإجراءات" التي تهدد بها السلطة لا تعدو العودة إلى الأمم المتحدة وبدء "هجوم دبلوماسي فلسطيني" جديد لن يقنع المواطن الفلسطيني بجديته. من هنا كان الخوف ليس من إجراءات السلطة، بل مما يمكن أن يشهده الشارع الفلسطيني من فوران إن تأكد مجدداً من عبثية الوضع الراهن واستمراره. لقد رحبت الولايات المتحدة، وكذلك الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة طبعاً، بعقد "اجتماع عمان"، لكن هذا الترحيب يشكك في فائدة الاجتماع وجدواه أكثر مما يضفي عليه الأهمية. لكن السؤال: هل استطاع "اجتماع عمان" أن يقدم لأصحاب العلاقة "الحيلة" المطلوبة؟
الجواب جاء من الاجتماع نفسه، ومن النتائج التي انتهى إليها. فأولاً، تجنبت الأطراف المشاركة في الاجتماع استعمال أي من تعبيرات "التفاوض" ولهذا مدلولاته، كما أنها اعترفت بأن الاجتماع لم يحقق أي "اختراق"، وأن "الإنجازات" التي تحققت هي، بكلمات ناصر جودة الواضحة والمعبرة: "أهم شيء كان لقاء الجانبين وجهاً لوجه"، و"الأجواء الإيجابية" التي سادت فيه، و"الاتفاق على استمرار الاتصالات والاجتماعات". أما التقييم "الإسرائيلي" فأوردته صحيفة (هآرتس- 3/1/2012) عندما قالت إنه "لم يحقق أي اختراق، وفي الوقت نفسه لم ينفجر، وانتهى من دون إعلان فشل".
ماذا يعني ذلك على المستوى العملي؟ إنه يعني بالضبط لا شيء، اللهم إلا إحياء الوهم بأن الميت قد يعود إلى الحياة، لكنه إن عاد ومد الله في عمره فليس من ضمانة أن يكون وضعه الصحي أفضل مما كان عليه وهو ميت. حتى السلطة الفلسطينية أوضحت، على نحو ما، أن موافقتها على حضور الاجتماع كانت مجاملة للملك الأردني من دون أمل في أن يحقق شيئاً. أما أهم نتائج الاجتماع الفعلية فلم تكن "جمع الطرفين وجهاً لوجه"، كما قال ناصر جودة، بل كان التبشير بعودة "المفاوضات السرية" التي أشار إليها الوزير عندما قال إنه تم "الاتفاق على استمرار الاجتماعات التي قد تسمعون عنها وقد لا تسمعون". ولأن تجربة الفلسطينيين مع "الاجتماعات السرية" تجربة مُرة، فإن البشرى التي زفها الوزير الأردني ليست سارة ولا تبشر بأي خير.
من جانب آخر، انتقدت أهم الفصائل الفلسطينية عقد الاجتماع وما حمله من دلالات، واعتبرته حركة (حماس) تراجعاً من جانب السلطة وحركة (فتح) عن موقفهما المعلن من مسألة استئناف المفاوضات، ورأت أنه يحمل ضرراً كبيراً لمشروع المصالحة وما تم الاتفاق عليه في القاهرة.
وأخيراً وليس آخراً، لا بد من التوقف عند عبارة وردت على لسان ناصر جودة في مؤتمره الصحفي، عبارة لا بد أنها أثارت الاستغراب الشديد بقدر ما ورثت الحيرة الأشد لدى الكثيرين، حيث قال موضحاً الدوافع والهدف من عقد الاجتماع قائلاً: "هذا الاجتماع هو جهد استكشافي وصولاً إلى مفاوضات مباشرة"، فهل يعقل أن يعقد اجتماع لمجرد "استكشاف" إمكان الوصول إلى مفاوضات مباشرة بعد عشرين عاماً من المفاوضات المباشرة؟ وهل يعني ذلك أنه علينا، في حال نجاح الجهود الحالية، أن نتوقع عشرين سنة أخرى للوصول إلى نتائج؟ وماذا سيكون قد بقي مما يتفاوضون عليه عندئذ، إن كان لا يوجد اليوم ما يمكن التفاوض عليه؟
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية