بين الراديكالية والليبرالية والوسطية
النائب د.حاتم قفيشة
إسرائيل تعيش الآن فترة زمنية سيئة جداً بين دول المنطقة، بعد أن مرت عليها سنوات من الازدهار السياسي والاقتصادي وعلاقات متنامية وكسب للأصدقاء الجدد على حساب الحق الفلسطيني، لكن وعلى مدار سنوات وفي معترك أحداث أخذت الأرض وتتحرك في دول المنطقة والتي كانت إلى عهد قريب وبعضها بعيد في تحالفات سياسية واقتصادية وحتى عسكرية وأمنية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
فإذا نظرنا للوراء قليلاً نجد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وصعود التيار الإسلامي (الراديكالي ) المقاوم لسدة الحكم في دولة إسلامية كبيرة في المنطقة وأفول حكم (الشاهنشاه ) والذي كان على تحالف متين مع إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً والذي كان يمثل عمقاً استراتيجياً كبيراً وقريباً لإسرائيل.
حتى أن القيادات الإيرانية المتعاقبة في الجمهورية الإسلامية وما تمثله من مدارس سياسية مختلفة من محافظين وإصلاحيين أعلنوا جهاراً نهاراً عداءهم لإسرائيل ومناصرتهم للحق الفلسطيني والعربي ودعمهم للقضية الفلسطينية وللمقاومة الفلسطينية والعربية.
أما على الجانب (الليبرالي ) فنجد تركيا الدولة الكبرى في المنطقة اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً كانت ومنذ اليوم الأول لإنشاء دولة الاحتلال من كبار الداعمين لها وعقدت تحالفات إستراتيجية معها على مدار عقود طويلة من الزمن.
إلا أننا أصبحنا نشاهد صعود التيار الإسلامي (الليبرالي) للحكم في تركيا وتنامي هذا التيار وتمكنه بقوة صناديق الاقتراع والدعم الشعبي غير المسبوق له من السيطرة المطلقة على الدولة التركية ومؤسساتها المختلفة وخاصة الاقتصادية والعسكرية بعد السيطرة السياسية والجماهيرية.
ومرة أخرى وفي زاوية مختلفة من المنطقة اهتزت الأرض تحد أقدام إسرائيل وأمام الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الشعب الفلسطيني وخاصة في الحرب الأخيرة على غزة، وجدنا موقفاً تركياً مغايراً تماماً عما كان عليه سابقاً، والذي تمثل في خطوات ومواقف تركية جريئة جداً في دعمها للحق الفلسطيني ومواجهتها المباشرة للمواقف العدوانية لإسرائيل وفي جميع المحافل الدولية وحتى على أرض الميدان والتي وصلت ذروتها بطرد السفير الإسرائيلي ووقف التعاون العسكري والأمني والسياحي وإلى حد ما الاقتصادي كل ذلك دعماً للقضية الفلسطينية وللحق الفلسطيني ورفضاً ومواجهةً للغطرسة والغرور الإسرائيلي.
لكن الزلزال المصري هو الذي جعل الإسرائيلي يترنح في المنطقة بعد الربيع العربي والذي استطاع أن يوصل التيار الإسلامي ( الوسطي ) لسدة الحكم في العديد من الدول، وحديثي هنا عن مصر كأكبر دولة عربية والتي احتفظت بعلاقات سلام وحسن جوار مع إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ونحن الآن نشاهد بوضوح وجلاء أن بداية النهاية لهذه العلاقة بدأت معالمها شاخصة للعيان وذلك من خلال الرفض الجماهيري المطلق لهذه العلاقة وتنمية العلاقة مع الشعب الفلسطيني ودعم حقه العادل في مواجهة الاحتلال الظالم للأرض الفلسطينية.
وبعد تحرك الأرض تحت أقدام الإسرائيليين في تركيا واهتزازها في إيران وزلزلتها في مصر فإننا أمام واقع جديد ومغاير تماماً للصورة التي كانت عليها المنطقة سابقاً لنصبح أمام واقع جديد داعم للحق الفلسطيني ومعادٍ للاحتلال الإسرائيلي.
ومن الملفت في الحديث أن الدول الثلاث تمثل كل منها على حدة محورا إقليميا هاما وكبيرا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحتى مذهبياً ودينياً، فهي دول إسلامية تحكمها الآن أحزاب وحركات وجماعات إسلامية استطاعت أن تكسب ثقة شعوبها بانتخابات ديمقراطية حقيقية مما فرض احترامها من جميع دول العالم وأكسبها قوة مضاعفة وثقة أكبر في اتخاذ المواقف، لأنها لم تأت للحكم على ظهر دبابة أجنبية أو دعم مالي وسياسي مشروط كما يجري في العديد من دول المنطقة.
فهذه الدول والتي تمثل مدارس سياسية متباينة في الفكر السياسي والإسلامي الحديث إن كانت راديكالية أو ليبرالية أو وسطية، فإن القواسم المشتركة بينها جميعاً كثيرة جداً أكثر بكثير من تلك القواسم والأجندة الوطنية الخاصة بكل دولة أو حتى المذهبية،وأهم هذه القواسم وهو الدعم المطلق للحق الفلسطيني العادل،والعداء المتأصل والمتنامي للاحتلال الإسرائيلي وغطرسته، وإذا أمعنا النظر في أبعاد زيارة الرئيس المصري لإيران بعد سنوات من الجفاء والقطيعة، فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن الظروف مهيأة الآن لإقامة تحالف إقليمي أو عالمي كبير يمثل إيران وتركيا ومصر، جميعها كانت تدعم إسرائيل وأصبحت الآن تدعم الحق الفلسطيني وحتى المقاومة الفلسطينية.
أعتقد جازماً أن مسألة هذا التحالف الإسلامي والعربي هي مسألة وقت ولا أبالغ إن قلت أن دولاً ذات تأثير كبير مثل السعودية وباكستان وغيرها ستكون أول الدول العربية التي ستلحق بهذا المحور الإسلامي وأتوقع أن تبادر شعوب تلك الدول من التحرك للدعوة لهذا المحور، والذي لا أستبعد أبداً أن يجمع هذا المحور دول المنطقة الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا ليتحقق الحلم الإسلامي الكبير والذي تجمع عليه جميع المدارس السياسية والمذهبية والإسلامية لنكون أمة مؤثرة ومحترمة ويهاب جانبها على هذه البسيطة،وأن غداً لناظره قريب.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية