تحرير الأسرى بين اللذّة والألم!
د.عادل محمد الأسطل
اعتاد المجتمع الدولي بأن لا تدع إسرائيل شيئاً ولا تتنازل عنه في حق الشعب الفلسطيني، إلاّ بعد حصول عدة أمور- فرادى أو مجتمعة- ومنها، أن تكون هناك أثمان فلسطينية أو لتعاظم الضغوط الدولية باتجاهها، أو للتغطية للإقدام على مصيبة قادمة، كما أن الشيء الذي تضطر إلي التنازل عنه، لا تدعه يفوت بسهولةٍ ويسر، إلاّ وتغمسه بشديد الألم، حيث يظهر ذلك الألم إمّا مسبوقاً أو ممزوجاً بذلك الشيء أو متبوعاً، وذلك لخدمة هدفين رئيسين، الأول: أن لا تُمكن الفلسطينيين من لذّة وفرحة الانتصار، والثاني: أن تُرضي طموحها الاحتلالي من ناحية، وتسحب جزءاً من نقمات متطرفيها في الداخل من ناحية أخرى، ثمّ تتبع ذلك ببذل العطاء لهم على حساب الشعب الفلسطيني.
في أعقاب حملة التحريض والتهديد بالعقاب والقتل، والتلويح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على موافقتها على قرار إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى القدامى (ما قبل أوسلو)، التي قامت بها أطراف إسرائيلية متشددة من صقور اليمين واليسار - الدينيينوالعلمانيين - على حدٍ سواء، بسبب الهجمات الفلسطينية ضد جنود إسرائيليين في منطقة الضفة الغربية، حيث عارض "نفتالي بينت" زعيم البيت اليهودي الديني، ووزراء من حزب الليكود وحزب إسرائيل بيتنا، وأعضاء كنيست من أحزاب متدينة أخرى، عارضوا تنفيذ إطلاق الأسرى وبإعادة التصويت مجدداً على عملية الإفراج، بهدف تعطيلها.
وبعد أن رفضت اللجنة الوزارية للتشريع قانوناً يمنع الإفراج عن الأسرى، قررت الحكومة الإسرائيلية التقيّد بتنفيذ الصفقة تنفيذاً للاتفاق الذي تم بموجبه العودة الفلسطينية للمفاوضات المباشرة في تموز/يوليو الماضي، حيث وافقت الحكومة على الإفراج عن 104 أسيراً فلسطينياً مما - قبل أوسلو- على أربع دفعات متتاليات، حيث فضلت الحكومة الاسرائيلية التي يقودها "بنيامين نتنياهو" خيار الصفقة على تجميد الاستيطان، لاعتبارات سياسية وأمنية، تتمثل في أن التراجع عن تمريرها بإقرار القانون، يعني المس بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، والإسرائيلية – الأوروبية، وأن إسرائيل ستفقد مصداقيتها بالكلية وسيكلفها أكثر بكثير مما ترتجي. لاسيما وهي خاضعة الآن إلى حدٍ ما، إلى ضغوط أمريكية وأوروبية وخارجية أخرى، بشأن المفاوضات والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وداخلية أيضاً بشأن النشاطات الاستيطانية. وبالنسبة للاعتبارات الأمنية، فتتعلق بشكلٍ رئيسي بعملية امتصاص بعض الغضب الفلسطيني وتقصير بعض أفكارهم من مسألة إصرارهم على خطف جنود.
وبشأن تعزيز الهدوء والاستقرار، والحد من أن تتحول المنطقة إلى الفوضى والعنف، لا سيما وأن البيئة الفلسطينية في هذه المرحلة مهيّأة أكثر من ذي قبل لحدوث المزيد من عدم الاستقرار. وبرغم ذلك، فإن موافقة الحكومة الإسرائيلية لم تأتِ هكذا، إلاّ بعد اتخاذ إجراءات مختلفة مباشرة وغير مباشرة لإرضاء المتشددين هؤلاء. منها ما يتمثّل بالعمل على التراجع عن الشروط المتعلقة باتفاقية الإفراج عن الأسرى، حيث كانت هناك ثلاثة مبادئ تحكم تلك الاتفاقية، أولها: أن الصفقة غير مرتبطة بالمفاوضات وحتى في حال توقفت. وثانيها: عدم استثناء أي أسير من الـ 104، المتفق على تحريرهم.
والثالث: عدم إبعاد أي أسير من المنوي تحريرهم من محل إقامته. حيث أبدت نيّتها في إبعاد عددٍ منهم إلى القطاع. ومنها ما يتمثل بالنشاط الاستيطاني، حيث أن الشيء القليل الذي تم الاتفاق عليه مع الفلسطينيين" بشأن وقف النشاط الاستيطاني بواسطة الإدارة الأميركية مع بدء انطلاق عملية المفاوضات قد تم الخروج عليه أيضاً، بعدما وعدت الحكومة الإسرائيلية بالمصادقة على بناء 1700 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقيةفي مستوطنة (رمات شلومو)، وداخل مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية، وخاصةً في منطقة الخليل لا سيما وأن "نتانياهو" أعلن عن اغتباطه بمسيرة الاستيطان المتسارعة على أراضي المحافظة، حيث اعتبر منذ الأمس القريب وعشية لقائه بوزير الخارجية الأميركي "جون كيري" في إيطاليا، بأن الاستيطان اليهودي في الخليل، يعبّر عن عمق العلاقات اليهودية بالمدينة، في محاولة منه لكسب مستوطني الخليل من جهة، وللذين عارضوا الإفراج من الأسرى الفلسطينيين من جهةٍ أخرى.
إضافةً إلى قيام الحكومة بإطلاق يد جماعة (دفع الثمن) وغض البصر عن أعمالها وبعدم ملاحقة أعضائها لتشن المزيد من الهجمات الإرهابية ضد الفلسطينيين. هكذا كانت سياسة حكومات "نتانياهو" السابقة وخاصةً الحالية، فمنذ تشكيلها تعمل بجديّة على فرض الربط بين استحقاقات يجب آداؤها في أوقاتها ومتطلبات إسرائيلية جديدة، في محاولة لضمان السيطرة على كامل الدولة لتكريس أيديولوجياتها اليمينية الصهيونية المتطرفة، ولبيع وتسويق عروض داخلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والمتطلبات الاستراتيجية للسلام المزعوم.فهي تعمل على قلب كل ما من شأنه أن يشكل رافعةً للمفاوضات السابقة والجارية، كعامل إلى ما يشكل تصعيداً أخر ضد الفلسطينيين وضد العملية السلمية بشكلٍ خاص.
وعلى أيّة حال، فإن إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى، هو في حد ذاته إنجاز كبير وخطوة مهمّة لإطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين. وبرغم الألم الذي سبق عملية التحرير، والذي رافقها والذي سيتلوها لاحقاً، فإننا سننفعل مسرّة من أعماقنا، وسنظل على ذات الموقف الوطني الرافض لأيّة تراجعات بشأن شروط الصفقة، أو بالنسبة لعدم مشروعية أي بناءات جديدة في المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، بسبب أن الأرض هي فلسطينية وملك للشعب الفلسطيني، وأن على حكومة "نتانياهو" إدراك أن المفاوضات لا يمكنها أن تدور إلى الأبد، وإن الأسرى سيتحرّرون لا محالة.
د.عادل محمد الأسطل
اعتاد المجتمع الدولي بأن لا تدع إسرائيل شيئاً ولا تتنازل عنه في حق الشعب الفلسطيني، إلاّ بعد حصول عدة أمور- فرادى أو مجتمعة- ومنها، أن تكون هناك أثمان فلسطينية أو لتعاظم الضغوط الدولية باتجاهها، أو للتغطية للإقدام على مصيبة قادمة، كما أن الشيء الذي تضطر إلي التنازل عنه، لا تدعه يفوت بسهولةٍ ويسر، إلاّ وتغمسه بشديد الألم، حيث يظهر ذلك الألم إمّا مسبوقاً أو ممزوجاً بذلك الشيء أو متبوعاً، وذلك لخدمة هدفين رئيسين، الأول: أن لا تُمكن الفلسطينيين من لذّة وفرحة الانتصار، والثاني: أن تُرضي طموحها الاحتلالي من ناحية، وتسحب جزءاً من نقمات متطرفيها في الداخل من ناحية أخرى، ثمّ تتبع ذلك ببذل العطاء لهم على حساب الشعب الفلسطيني.
في أعقاب حملة التحريض والتهديد بالعقاب والقتل، والتلويح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على موافقتها على قرار إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى القدامى (ما قبل أوسلو)، التي قامت بها أطراف إسرائيلية متشددة من صقور اليمين واليسار - الدينيينوالعلمانيين - على حدٍ سواء، بسبب الهجمات الفلسطينية ضد جنود إسرائيليين في منطقة الضفة الغربية، حيث عارض "نفتالي بينت" زعيم البيت اليهودي الديني، ووزراء من حزب الليكود وحزب إسرائيل بيتنا، وأعضاء كنيست من أحزاب متدينة أخرى، عارضوا تنفيذ إطلاق الأسرى وبإعادة التصويت مجدداً على عملية الإفراج، بهدف تعطيلها.
وبعد أن رفضت اللجنة الوزارية للتشريع قانوناً يمنع الإفراج عن الأسرى، قررت الحكومة الإسرائيلية التقيّد بتنفيذ الصفقة تنفيذاً للاتفاق الذي تم بموجبه العودة الفلسطينية للمفاوضات المباشرة في تموز/يوليو الماضي، حيث وافقت الحكومة على الإفراج عن 104 أسيراً فلسطينياً مما - قبل أوسلو- على أربع دفعات متتاليات، حيث فضلت الحكومة الاسرائيلية التي يقودها "بنيامين نتنياهو" خيار الصفقة على تجميد الاستيطان، لاعتبارات سياسية وأمنية، تتمثل في أن التراجع عن تمريرها بإقرار القانون، يعني المس بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، والإسرائيلية – الأوروبية، وأن إسرائيل ستفقد مصداقيتها بالكلية وسيكلفها أكثر بكثير مما ترتجي. لاسيما وهي خاضعة الآن إلى حدٍ ما، إلى ضغوط أمريكية وأوروبية وخارجية أخرى، بشأن المفاوضات والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وداخلية أيضاً بشأن النشاطات الاستيطانية. وبالنسبة للاعتبارات الأمنية، فتتعلق بشكلٍ رئيسي بعملية امتصاص بعض الغضب الفلسطيني وتقصير بعض أفكارهم من مسألة إصرارهم على خطف جنود.
وبشأن تعزيز الهدوء والاستقرار، والحد من أن تتحول المنطقة إلى الفوضى والعنف، لا سيما وأن البيئة الفلسطينية في هذه المرحلة مهيّأة أكثر من ذي قبل لحدوث المزيد من عدم الاستقرار. وبرغم ذلك، فإن موافقة الحكومة الإسرائيلية لم تأتِ هكذا، إلاّ بعد اتخاذ إجراءات مختلفة مباشرة وغير مباشرة لإرضاء المتشددين هؤلاء. منها ما يتمثّل بالعمل على التراجع عن الشروط المتعلقة باتفاقية الإفراج عن الأسرى، حيث كانت هناك ثلاثة مبادئ تحكم تلك الاتفاقية، أولها: أن الصفقة غير مرتبطة بالمفاوضات وحتى في حال توقفت. وثانيها: عدم استثناء أي أسير من الـ 104، المتفق على تحريرهم.
والثالث: عدم إبعاد أي أسير من المنوي تحريرهم من محل إقامته. حيث أبدت نيّتها في إبعاد عددٍ منهم إلى القطاع. ومنها ما يتمثل بالنشاط الاستيطاني، حيث أن الشيء القليل الذي تم الاتفاق عليه مع الفلسطينيين" بشأن وقف النشاط الاستيطاني بواسطة الإدارة الأميركية مع بدء انطلاق عملية المفاوضات قد تم الخروج عليه أيضاً، بعدما وعدت الحكومة الإسرائيلية بالمصادقة على بناء 1700 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقيةفي مستوطنة (رمات شلومو)، وداخل مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية، وخاصةً في منطقة الخليل لا سيما وأن "نتانياهو" أعلن عن اغتباطه بمسيرة الاستيطان المتسارعة على أراضي المحافظة، حيث اعتبر منذ الأمس القريب وعشية لقائه بوزير الخارجية الأميركي "جون كيري" في إيطاليا، بأن الاستيطان اليهودي في الخليل، يعبّر عن عمق العلاقات اليهودية بالمدينة، في محاولة منه لكسب مستوطني الخليل من جهة، وللذين عارضوا الإفراج من الأسرى الفلسطينيين من جهةٍ أخرى.
إضافةً إلى قيام الحكومة بإطلاق يد جماعة (دفع الثمن) وغض البصر عن أعمالها وبعدم ملاحقة أعضائها لتشن المزيد من الهجمات الإرهابية ضد الفلسطينيين. هكذا كانت سياسة حكومات "نتانياهو" السابقة وخاصةً الحالية، فمنذ تشكيلها تعمل بجديّة على فرض الربط بين استحقاقات يجب آداؤها في أوقاتها ومتطلبات إسرائيلية جديدة، في محاولة لضمان السيطرة على كامل الدولة لتكريس أيديولوجياتها اليمينية الصهيونية المتطرفة، ولبيع وتسويق عروض داخلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والمتطلبات الاستراتيجية للسلام المزعوم.فهي تعمل على قلب كل ما من شأنه أن يشكل رافعةً للمفاوضات السابقة والجارية، كعامل إلى ما يشكل تصعيداً أخر ضد الفلسطينيين وضد العملية السلمية بشكلٍ خاص.
وعلى أيّة حال، فإن إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى، هو في حد ذاته إنجاز كبير وخطوة مهمّة لإطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين. وبرغم الألم الذي سبق عملية التحرير، والذي رافقها والذي سيتلوها لاحقاً، فإننا سننفعل مسرّة من أعماقنا، وسنظل على ذات الموقف الوطني الرافض لأيّة تراجعات بشأن شروط الصفقة، أو بالنسبة لعدم مشروعية أي بناءات جديدة في المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، بسبب أن الأرض هي فلسطينية وملك للشعب الفلسطيني، وأن على حكومة "نتانياهو" إدراك أن المفاوضات لا يمكنها أن تدور إلى الأبد، وإن الأسرى سيتحرّرون لا محالة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية