تسليم مفاتيح السلطة لشعب فلسطين...بقلم : د. عصام نعمان

الجمعة 29 يوليو 2011

تسليم مفاتيح السلطة لشعب فلسطين

د. عصام نعمان


دعا رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات رئيسه محمود عباس إلى حل السلطة الفلسطينية ورمي مفاتيحها في وجه الولايات المتحدة إذا عرقلت مسعى المنظمة في سبتمبر/أيلول المقبل، للحصول من الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على "حدود" العام 1967. وهدد عريقات ضمناً بإلغاء اتفاقات أوسلو لعام 1993 بقوله "إن السلطة الفلسطينية إما أن تكون ناقلاً للاستقلال أو لا تكون، ولا مجال بعد العام 2011 لبقاء سلطة اسمية لمصدر سلطات اسمه الاحتلال "الإسرائيلي"".

يحار المرء في تفسير كلام عريقات. هل هو مجرد تهديد يمكن التراجع عنه عند الحصول على "المقابل اللائق"؟ هل هو قرار مبرم لا رجوع عنه بعدما وصلت السلطة الفلسطينية مع أمريكا (وإسرائيل) إلى طريق مسدود؟ أم أنه مجرد اعتراف متأخر بلا جدوى اتفاقات أوسلو التي كرّست السلطة الفلسطينية "سلطة اسمية لمصدر سلطات اسمه الاحتلال "الإسرائيلي"؟

كل هذه التفسيرات ممكنة، لكن لا مردودَ إيجابياً لها. فرئيس حكومة "إسرائيل" بنيامين نتنياهو يهدد هو الآخر بإلغاء اتفاقات أوسلو في حال إعلان السلطة الفلسطينية إقامة دولة فلسطينية من جانب واحد في سبتمبر المقبل. ثم، ها هو رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض يقول، بعد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية، إن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى 300 مليون دولار بشكل عاجل "لتجاوز عنق الزجاجة"، مشيراً إلى أن "إجمالي ما تلقته السلطة الفلسطينية من مساعدات لعام 2011 بلغ 331 مليون دولار، منها 79 مليون دولار من الدول العربية، وهذا المبلغ الأخير لا يشمل الدعم الذي قدمته السعودية مؤخراً وهو 30 مليون دولار".
معنى هذا الكلام، بعد إجراء حسبة بسيطة، أن نحو ثلثي الدعم المالي الذي تتلقاه السلطة يأتي من غير العرب. أليس هذا الواقع المخزي مدعاة للتعيير والتنديد؟

إذا كان الأمر على هذا القدْر من الهشاشة والخواء، ماذا ستفعل منظمة التحرير غداة حصولها على اعتراف من الجمعية العامة بدولة فلسطين؟ كيف ستواجه إمكان قيام "إسرائيل" بإلغاء اتفاقات أوسلو وفتح باب الاستيطان على مصراعيه ليشمل كل أنحاء الضفة الغربية، ووقف تسديد السلطة (إذا ما بقيت قائمة) حصتها من الضرائب المستوفاة، وقيام الكونغرس الأمريكي بقطع المساعدات كما أشار إلى ذلك عريقات؟

إن عدم وجود، ناهيك عن إعلان، خطة متكاملة لمواجهة التحديات والصعوبات السياسية والمالية والاقتصادية والميدانية في المرحلة اللاحقة على قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية يحمل المراقب الموضوعي على الاعتقاد أن دافع عريقات إلى الإفصاح عن الأزمات والمتاعب التي تواجه السلطة والمنظمة في مرحلة الإعداد لعرض قضية الاعتراف على الجمعية العامة إن هو إلاّ تمهيد للانكفاء والعودة إلى المفاوضات بما هي "الخيار" الوحيد المتاح والأقل ضرراً على شعب فلسطين.

هل هذه هي نهاية مشروع الاعتراف الأممي، أم هي مجرد حملة سياسية وإعلامية للضغط على الجميع، عرباً ومسلمين وأمريكيين وأوروبيين، من أجل تخفيف شروط التفاوض التي تطرحها "إسرائيل" للعودة إلى طاولة المفاوضات ما يمكّن أهل السلطة والمنظمة من حفظ ماء الوجه أمام شعبهم؟

أياً كانت نيّات وسيناريوهات أهل السلطة والمنظمة، فإن النهج الأفضل والأفعل لمواجهة التحديات التي ستنجم عن قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلغاء اتفاقات أوسلو، وقطع المساعدات الأمريكية والأوروبية يكمن في تعميق قناعة العالم، عرباً وعجماً وغرباً وشرقاً، بجدية الشعب الفلسطيني، قيادات وفصائل ومناضلين ومفكرين، وتصميمه على متابعة الكفاح على طريق تحرير فلسطين من خلال البرنامج السياسي الآتي:

أولاً، تسريع تنفيذ إجراءات المصالحة الفلسطينية وتوطيد الوحدة الوطنية في الداخل وفي عالم الشتات.

ثانياً، تأليف حكومة توافق وطني تتولى إدارة شؤون الشعب الفلسطيني خلال مرحلة انتقالية لا تتجاوز مدتها الأشهر الستة، وفي مقدمها إجراء انتخابات تشريعية لتجديد القيادات، تنبثق منها حكومة وطنية جامعة تتولى بدورها إجراء انتخابات رئاسية.

ثالثاً، إعادة بناء منظمة التحرير لتكون، قولاً وفعلاً، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وقائد مقاومته الميدانية والمدنية.

رابعاً، التوافق داخل منظمة التحرير وبين جميع القيادات والفصائل على خطة لمواجهة التحديات التي يمكن أن تنجم عن إلغاء اتفاقات أوسلو بغية مواجهتها على مستوى الشعب الفلسطيني كله وبالتعاون مع القوى الوطنية والديمقراطية في الوطن العربي والعالم الإسلامي.

خامساً، عقد مؤتمر شعبي فلسطيني واسع في القاهرة للتعبئة والحشد، تنبثق منه لجنة متابعة مهمتها تنظيم حراكات شعبية عامة للفلسطينيين ومؤيدي القضية الفلسطينية في شتى أقطار الأمة من أجل إعادة بناء مكانتها المركزية والضغط على الدول العربية للنهوض بمسؤولياتها تجاه شعب فلسطين، وأقلها الدعم المالي لمواجهة تحديات المرحلة على جميع المستويات.

بالوحدة والعمل الجاد يقنع الفلسطينيون العالم بجديتهم وبحضورهم الوازن داخل فلسطين المحتلة وفي محيطها القومي والإسلامي. فالمطلوب، أولاً وآخراً، تسليم مفاتيح السلطة إلى الشعب الفلسطيني وليس رميها في وجه أحد.


صحيفة الخليج الإماراتية
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية