تصادم الإرادات ومفهوم التوحيد
أحمد أبو رتيمة
لو بحثنا في أي صراع في هذه الحياة لوجدنا مرده إلى تصادم الإرادات!
حقيقة الحرب هي تصادم إرادتين فيسعى كل فريق إلى قتل إرادة الفريق الآخر لتنتصر إرادته وحده، بينما مفهوم السلام هو التوصل إلى إرادة مشتركة.
لماذا يتعارك طفلان شقيقان؟ لأن هناك لعبةً واحدةً يريد كل واحد منهما أن يمتلكها وحده فيسعى لإزاحة منافسه، أما لو كانت هناك لعبة لكل منهما ولا يتطلع أحدهما للعبة الآخر فلن يكون هناك عراك بينهما!
لماذا يتصارع الرجال ويتباغضون ويتحاسدون ويتقاتلون في السعي للاستئثار بالنساء؟؟ لأن أنثى واحدةً تكون مهوى أكثر من رجل فلا يجد سبيلاً إليها إلا بإزاحة منافسيه من طريقه، لكن لو كان لكل رجل في الدنيا أنثى واحدة يقنع بها ولا يشعر برغبة تجاه غيرها فسيحل السلام بين الرجال ولن تكون هناك أي كراهيات وبغضاء وشحناء!!
لماذا تتصارع الأحزاب داخل الدولة الواحدة؟ لأن كل حزب يسعى إلى الاستئثار بالسلطة دون أن يكون له شريك من الأحزاب الأخرى، ولأن للآخرين إرادتهم المماثلة فإن كل فريق لا يرى من سبيل أمامه إلا بإفناء إرادة الخصم حتى يكون الأمر كله له وحتى لا يكون هناك معقب لحكمه، وفي الدول المتقدمة يحدث السلام حين تتوصل مختلف الأطراف إلى إرادة موحدة تتمثل في الاحتكام إلى صندوق الاقتراع والتسليم بنتيجته.
لماذا تنشأ الحروب بين الدول؟ لأن كل دولة تسعى للاستئثار بثروات وأراض وامتيازات على حساب الدولة الأخرى فترفع كل دولة في حربها شعار كسر إرادة العدو، ولو توافقت كل الدول على ما لها وما عليها ولم تعد عينا أحدها على أراضي وممتلكات وثروات الآخرين لحل السلام بين البشر.
إن الصراع ينتهي في الوقت الذي لا يعود فيه الإنسان عبداً للملكية فتسمو روحه عن جاذبية الأشياء وتصبح تابعاً له لا متبوعاً، لذلك تعس عبد الدينار لأن الدينار هو الذي يتملكه فيخضعه لسلطانه ويسلبه روحه!
إذاً خلف كل صراع وكراهية وبغضاء في هذا الوجود صغر أم كبر إرادتان متناقضتان، ولا يكون السلام إلا بتوحيد الإرادة..
توحيد الإرادة يعني توحيد الله، فالله هو صاحب الإرادة العليا وهو الذي لا معقب لحكمه ولا شريك له ولا راد لأمره، والتسليم له بالإرادة والمشيئة يعني التحرر من حب الملكية والاستئثار وتحطيم مركزية الأنا فلا يسعى الموحد حقاً إلى التعالي على خلق الله والاستئثار بمزايا خاصة دون البشر إنما يقبل بكلمة السواء أن يكون له ما لغيره من البشر.
الشرك ليس سوى تناقض الإرادات، والتوحيد هو حالة من السلام والطمأنينة القلبية تنتج عن التحرر من الغايات المشتتة وتوحيد الهم والجهد والغاية في اتجاه الإرادة العليا في هذا الوجود..
الشرك هو صراع وتمزق داخلي: "إن الشرك لظلم عظيم" لأن الشرك يعني تناقض الغايات داخل النفس البشرية الواحدة، وقد ضرب القرآن مثلاً لرجل فيه شركاء متشاكسون ورجل سلماً لرجل، فمفهوم الشرك يلخصه مثال الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، فيأمره أحدهم أن يذهب شرقاً ويأمره الآخر أن يذهب غرباً، وإرضاء كليهما مستحيل لذلك فإن الشرك هو جحيم في الدنيا قبل الآخرة، أما توحيد الإرادة في اتجاه واحد: "رجلاً سلماً لرجل" فهو الذي سيضفي على القلب طمأنينةً وراحةً وتوافقاً داخلياً..
المشرك تتنازعه إرادات متناقضة، فهو يريد أن يرضي آلهته المتعددة في وقت واحد: يريد أن يرضي إله الشهوة وإله الشهرة وإله المال وإله السلطان الذي يخافه وإله المجتمع الذي يتستر منه، والسبيل إلى التوفيق بين هذه الإرادات مستحيل، فهو إن أرضى إله المجتمع كبت في داخله شهوته، وإن أرضى إله شهوته خسر إله ماله، وإن أرضى جميع هذه الآلهة التي يشركها مع الله أسخط إلهه الحق الذي ينبعث صوته من داخل فطرته فيقض راحته ويظل شعور التناقض ملازماً له يحرمه من الطمأنينة والسلام.
أما التوحيد فهو يعني أن يوجه الإنسان كل همه وغاياته وحبه وخشيته في اتجاه غاية عليا توافق فطرته فيضفي ذلك عليه شعوراً بالطمأنينة والسكينة والتوافق الداخلي، لأنه لم يعد يعاني من اضطراب الوجهات وتعدد الآلهة، لم يعد لديه ما يخفيه لأن ظاهره قد توحد مع باطنه، وكل الغايات والرغبات قد انصهرت في غاية واحدة كبرى.
إن التوحيد ليس إلا حالة من السلام والتوافق الداخلي نتيجة توحد الإرادة، والشرك هو الاضطراب والقلق والتناقض والجحيم: "إنه من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق"..
إن الكون كله مفطور على حقيقة التوحيد: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وكل مشكلات الحياة إن بحثنا في سبب جامع لها فإننا سنجد أنه يتلخص في تناقض الإرادات، بينما السلام لا يكون إلا بتوحيد الإرادة، وحتى في داخل النفس البشرية الواحدة فإن شعورنا بالقلق والاضطراب لا يكون إلا بسبب تناقض الوجهات والغايات وحين تتوحد إرادتنا الداخلية سنمنح السلام والتوافق، وإذا كانت الإرادة الكبرى في هذه الحياة لله تعالى فإن السلام لا يكون إلا حين تصبح إرادتنا تبعاً لإرادته لا نداً ولا منافساً لها.
أحمد أبو رتيمة
لو بحثنا في أي صراع في هذه الحياة لوجدنا مرده إلى تصادم الإرادات!
حقيقة الحرب هي تصادم إرادتين فيسعى كل فريق إلى قتل إرادة الفريق الآخر لتنتصر إرادته وحده، بينما مفهوم السلام هو التوصل إلى إرادة مشتركة.
لماذا يتعارك طفلان شقيقان؟ لأن هناك لعبةً واحدةً يريد كل واحد منهما أن يمتلكها وحده فيسعى لإزاحة منافسه، أما لو كانت هناك لعبة لكل منهما ولا يتطلع أحدهما للعبة الآخر فلن يكون هناك عراك بينهما!
لماذا يتصارع الرجال ويتباغضون ويتحاسدون ويتقاتلون في السعي للاستئثار بالنساء؟؟ لأن أنثى واحدةً تكون مهوى أكثر من رجل فلا يجد سبيلاً إليها إلا بإزاحة منافسيه من طريقه، لكن لو كان لكل رجل في الدنيا أنثى واحدة يقنع بها ولا يشعر برغبة تجاه غيرها فسيحل السلام بين الرجال ولن تكون هناك أي كراهيات وبغضاء وشحناء!!
لماذا تتصارع الأحزاب داخل الدولة الواحدة؟ لأن كل حزب يسعى إلى الاستئثار بالسلطة دون أن يكون له شريك من الأحزاب الأخرى، ولأن للآخرين إرادتهم المماثلة فإن كل فريق لا يرى من سبيل أمامه إلا بإفناء إرادة الخصم حتى يكون الأمر كله له وحتى لا يكون هناك معقب لحكمه، وفي الدول المتقدمة يحدث السلام حين تتوصل مختلف الأطراف إلى إرادة موحدة تتمثل في الاحتكام إلى صندوق الاقتراع والتسليم بنتيجته.
لماذا تنشأ الحروب بين الدول؟ لأن كل دولة تسعى للاستئثار بثروات وأراض وامتيازات على حساب الدولة الأخرى فترفع كل دولة في حربها شعار كسر إرادة العدو، ولو توافقت كل الدول على ما لها وما عليها ولم تعد عينا أحدها على أراضي وممتلكات وثروات الآخرين لحل السلام بين البشر.
إن الصراع ينتهي في الوقت الذي لا يعود فيه الإنسان عبداً للملكية فتسمو روحه عن جاذبية الأشياء وتصبح تابعاً له لا متبوعاً، لذلك تعس عبد الدينار لأن الدينار هو الذي يتملكه فيخضعه لسلطانه ويسلبه روحه!
إذاً خلف كل صراع وكراهية وبغضاء في هذا الوجود صغر أم كبر إرادتان متناقضتان، ولا يكون السلام إلا بتوحيد الإرادة..
توحيد الإرادة يعني توحيد الله، فالله هو صاحب الإرادة العليا وهو الذي لا معقب لحكمه ولا شريك له ولا راد لأمره، والتسليم له بالإرادة والمشيئة يعني التحرر من حب الملكية والاستئثار وتحطيم مركزية الأنا فلا يسعى الموحد حقاً إلى التعالي على خلق الله والاستئثار بمزايا خاصة دون البشر إنما يقبل بكلمة السواء أن يكون له ما لغيره من البشر.
الشرك ليس سوى تناقض الإرادات، والتوحيد هو حالة من السلام والطمأنينة القلبية تنتج عن التحرر من الغايات المشتتة وتوحيد الهم والجهد والغاية في اتجاه الإرادة العليا في هذا الوجود..
الشرك هو صراع وتمزق داخلي: "إن الشرك لظلم عظيم" لأن الشرك يعني تناقض الغايات داخل النفس البشرية الواحدة، وقد ضرب القرآن مثلاً لرجل فيه شركاء متشاكسون ورجل سلماً لرجل، فمفهوم الشرك يلخصه مثال الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، فيأمره أحدهم أن يذهب شرقاً ويأمره الآخر أن يذهب غرباً، وإرضاء كليهما مستحيل لذلك فإن الشرك هو جحيم في الدنيا قبل الآخرة، أما توحيد الإرادة في اتجاه واحد: "رجلاً سلماً لرجل" فهو الذي سيضفي على القلب طمأنينةً وراحةً وتوافقاً داخلياً..
المشرك تتنازعه إرادات متناقضة، فهو يريد أن يرضي آلهته المتعددة في وقت واحد: يريد أن يرضي إله الشهوة وإله الشهرة وإله المال وإله السلطان الذي يخافه وإله المجتمع الذي يتستر منه، والسبيل إلى التوفيق بين هذه الإرادات مستحيل، فهو إن أرضى إله المجتمع كبت في داخله شهوته، وإن أرضى إله شهوته خسر إله ماله، وإن أرضى جميع هذه الآلهة التي يشركها مع الله أسخط إلهه الحق الذي ينبعث صوته من داخل فطرته فيقض راحته ويظل شعور التناقض ملازماً له يحرمه من الطمأنينة والسلام.
أما التوحيد فهو يعني أن يوجه الإنسان كل همه وغاياته وحبه وخشيته في اتجاه غاية عليا توافق فطرته فيضفي ذلك عليه شعوراً بالطمأنينة والسكينة والتوافق الداخلي، لأنه لم يعد يعاني من اضطراب الوجهات وتعدد الآلهة، لم يعد لديه ما يخفيه لأن ظاهره قد توحد مع باطنه، وكل الغايات والرغبات قد انصهرت في غاية واحدة كبرى.
إن التوحيد ليس إلا حالة من السلام والتوافق الداخلي نتيجة توحد الإرادة، والشرك هو الاضطراب والقلق والتناقض والجحيم: "إنه من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق"..
إن الكون كله مفطور على حقيقة التوحيد: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وكل مشكلات الحياة إن بحثنا في سبب جامع لها فإننا سنجد أنه يتلخص في تناقض الإرادات، بينما السلام لا يكون إلا بتوحيد الإرادة، وحتى في داخل النفس البشرية الواحدة فإن شعورنا بالقلق والاضطراب لا يكون إلا بسبب تناقض الوجهات والغايات وحين تتوحد إرادتنا الداخلية سنمنح السلام والتوافق، وإذا كانت الإرادة الكبرى في هذه الحياة لله تعالى فإن السلام لا يكون إلا حين تصبح إرادتنا تبعاً لإرادته لا نداً ولا منافساً لها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية