احمد منصور
رغم كل المسيرات المليونية السلمية التي تمت في القاهرة والاعتصامات في ميدان التحرير وكافة ميادين وشوارع المدن الكبرى في أنحاء مصر في الفترة من الخامس والعشرين من يناير وحتى خلع الرئيس المصري حسني مبارك من السلطة في الحادي عشر من فبراير وما تبعه من خطوات بسيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على قيادة البلاد وتكليف نفس رئيس حكومة حسني مبارك أحمد شفيق بتشكيل حكومة جديدة وإحالة بعض رموز نظام مبارك للقضاء فإن ما حدث ليس سوى مقدمات للثورة بينما الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد، فما نجحت فيه مقدمات الثورة حتى الآن هو خلع رأس النظام فقط وبعض أعوانه لكن النظام الفاسد الذي خرج الشعب لإسقاطه ما يزال باقياً كما هو بل الأخطر من ذلك أنه بدأ يجمع صفوفه ويحشد طاقاته من أجل الانقضاض على ما حققته مقدمات الثورة من مكاسب وما خلقته من زخم وروح جديدة في المجتمع المصري، ومن ثم فإن المرحلة القادمة من مراحل الثورة هي الأهم والأخطر والأدق وهي مرحلة التطهير، تطهير البلاد من النظام الفاسد وكل مكوناته وأعوانه.
لقد قضى حسني مبارك ثلاثين عاماً في السلطة قام خلالها بتفكيك وتركيب المجتمع والدولة والنظام في مصر بشكل أخطبوطي شيطاني إجرامي متداخل ومعقد لو اجتمع على إقامته كل أعداء مصر ما كان لهم أن يحققوه، من ثم فنحن لم نكن أمام رئيس مستبد وفاسد فحسب وإنما كنا أمام منظومة فاسدة متشابكة ومتداخلة ومتلاحمة في كافة مناحي الحياة، هذه المنظومة كانت تبدأ برئيس الدولة وتنتهي بآخر خفير في أقصى نجوع مصر مارة بكم هائل من مكونات النظام وخطورتها أنها كانت كلها تصب في مصلحة شخص واحد بمنظورها الخاص ومصالح كل الجيوب والنفوس التي تحالفت معه بالمنظور العام فكل الطبقات التي تحالفت مع النظام كانت مستفيدة منه ولأنه لم يسقط سوى رأس النظام فلا تزال كلها كما هي تسعى من خلال مواقعها ونفوذها لكي تلتف على مقدمات الثورة وتعيد ترتيب الأوراق وحتى ندرك حقيقة الوضع علينا أن نتعرف على مكونات وتركيبة هذا النظام الذي لم يسقط بعد والذي بحاجة إلى أن تسقطه الثورة بحق في مرحلة التطهير التي تعتبر أهم وأخطر مراحل الثورة، بل إن التطهير وإعادة البناء هو الثورة الحقيقية التي ربما تمتد لسنوات.
الرئيس المخلوع كان على رأس النظام وكان يديره من خلال مؤسسة الرئاسة التي ذهب الرئيس وما زالت هي قائمة بعدما تغولت على الدولة والمصلحة العامة وخرجت من كونها مؤسسة دولة إلى مؤسسة فرد عبر وسائل كثيرة كان من أهمها صناعة صلاحيات مطلقة لسلطات رئيس الدولة عبر ترزية القوانين ليصنعوا من خلال الدستور والقوانين المكملة له ديكتاتوراً مستبداً شبه إله يجمع كل السلطات وكل الصلاحيات وكل الإمكانات وكل الثروات وكل صغيرة وكبيرة في يديه أو يفوض بها من يشاء من بطانة السوء، ثم المجيء بأرذال الناس وشذاذ الآفاق وعلى رأسهم المدعو زكريا عزمي، ليشكلوا الدائرة القريبة المغلقة المحيطة به التي كانت تتحكم في كل مسارات ودواليب العمل داخل الدولة، وكانت ركائزها تقوم أولاً على الأمن والأمن هو هنا أمن النظام ورئيسه وليس أمن الدولة والمجتمع، وكانت منظومة الأمن هذه تتشكل من عدة دوائر منها دائرة أمن الرئاسة وأمن مكتب الرئيس وما أشيع عما يسمى بجهاز «العمليات القذرة» وهو أشبه بنظام «الحرس الحديدي» الذي كان قد أقامه الملك فاروق لحمايته والتخلص من خصومه السياسيين وكان يرأسه طبيبه الخاص الدكتور يوسف رشاد وكان الرئيس الأسبق أنور السادات من أعضائه البارزين، ويتكون الجهاز من خلايا عنقودية غير متواصلة تكلف بمهام محددة تقوم على الإيذاء أو التخلص من المعارضين خارج إطار القانون، وقد انتشرت بعض المعلومات قبل سنوات عن عمل هذا الجهاز القذر لتشير إلى أن مبارك أسس جهازاً شبيهاً بهذا الجهاز الذي كان قد أسسه الملك فاروق وذلك بعد اعتداءات وانتهاكات واختطافات واختفاءات لبعض الصحفيين، وعادت هذه المعلومات مرة أخرى بقوة خلال أيام الثورة بعدما قامت سيارات عادية بإطلاق النار على المتظاهرين وكذلك على تجمعات الجيش بحيث يقومون بعمل وقيعة بين الطرفين مستغلين الفوضى التي كانت قائمة في الأيام الأولى، وهناك معلومات عن أن جهاز مباحث أمن الدولة وأجهزة سيادية أخرى لديها أجهزة أمنية سرية مشابهة، ومع هذه الأجهزة الأمنية المباشرة كانت كل أجهزة الدولة تصب في نفس الاتجاه، حماية الحاكم الفرد وعائلته متجاوزة كل القوانين دون أي قيمة للمجتمع.
ويتبع منظومة الرئاسة أيضاً الحرس الجمهوري الذي كان أول من نزل لشوارع القاهرة بعدما فرغت من الشرطة وكانت قواته أول من قام بتأمين مبنى الإذاعة والتليفزيون كذلك هناك عدة دوائر استخباراتية على رأسها استخبارات الرئاسة وباقي دوائر الاستخبارات الأخرى ثم وزارة الداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة الذي تغول على مصالح البلاد والعباد وأصبح يشكل دولة داخل الدولة ويتحكم في كافة القرارات والتعيينات من الوزير إلى الغفير علاوة على المفاسد والمظالم والتعذيب وتلفيق القضايا للشرفاء والقيام بالقتل العمد لكثير من المصريين في كثير من العمليات التي تمت خلال سنوات مبارك تحت دعوى مكافحة الإرهاب تارة وتصفية لحسابات شخصية وعلاقات نفوذ وفساد تارة أخرى وسوف تفتح في الفترة القادمة طبقاً لمسيرة الثورة، كثير من القضايا وعمليات القتل التي لا تسقط بالتقادم والتي سوف تكشف حجم الجرائم التي ارتكبت في حق مصر وشعبها جراء هذا الجهاز الذي اتخذ تغوله شكلاً آخر من التوحش خلال سنوات حبيب العادلي وهي الثلاثة عشر عاماً الأخيرة من حكم مبارك.
إذن هذه مؤسسة الرئاسة وأجهزة الأمن التي تخدمها ما زالت قائمة بكل أركانها وأجهزتها ورجالها وهياكلها وأدواتها ووسائلها وأساليبها وعلاقاتها وتجاوزاتها كما هي والذي ذهب فقط هو رأس النظام ورغم أن هذه مؤسسات دولة إلا أن الفساد الذي غمرها يضعها بين إطار التطهير وإعادة الهيكلة والبناء بما يخدم الدولة والمجتمع وليس الحاكم الطاغية ومن حوله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية