خلال معركة "حجارة السجيل"..
تفاصيل تكشف لأول مرة عن حرب الاستخبارات
عندما التقيته شعرت أني وقعت على كنز ثمين. رفض أن يفصح عن صفته أو الجهاز الذي يمثله، وأصر أن لا يُعرَّف بأكثر من "مسؤول أمني كبير في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)".
كان مقتضبا فيما يجيب عليه من أسئلتي فيما يتعلق بحرب الاستخبارات التي تخوضها المقاومة مع (إسرائيل)، فموقعه وحساسية عمله جعلت إيحاءه أكثر من تصريحه. ورغم ذلك فإن ما خرجتُ به ليس قليلا بالنظر إلى أن الجهاز الذي يمثله الرجل لم يسبق أن تحدث للإعلام كما أكد هو لي.
التفاصيل التي تمكنت من استخلاصها من الرجل تفيد أن المعركة التي شهدتها غزة قبل أسابيع واكبتها وسبقتها معركة استخبارات خفية لا تقل عنها ضراوة، حققت فيها المقاومة إنجازات كبيرة مهدت لانتصار معركة "حجارة السجيل" الأخيرة.
وفيما يلي نص الحوار بين مراسل الجزيرة نت والمسؤول الأمني:
هل يمكن تحديد وشرح الدور الذي تقوم به أجهزة الاستخبارات التابعة للمقاومة؟
دور أجهزة الاستخبارات التابعة للمقاومة هو دور تكاملي مع الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة في غزة، وتتعدد جوانب هذا الدور وأهدافه، ويأتي في مقدمتها تصليب الجبهة الداخلية، والحفاظ على أمن أفراد المقاومة ومقدراتها، وذلك من خلال إحباط خطط أجهزة استخبارات العدو ومؤامراتها، خصوصاً ما يتعلق بالعملاء والأدوات التقنية. هذا على صعيد الدور الدفاعي.
أما على الصعيد الهجومي فإن المقاومة تعتبر أن كل أراضينا المحتلة عام 1948 وعام 1967 والتي يجثم الاحتلال الغاصب عليها؛ مسرح عمليات أمنية لها، حيث تتعدد مهامنا وأهدافنا في هذه المنطقة.
وكيف ظهر هذا الدور في حرب حجارة السجيل الأخيرة مع (إسرائيل)؟
العمل الاستخباراتي للمقاومة أسهم كثيرا في انتصارنا في الحرب الأخيرة على العدو الإسرائيلي، وتجاوز كثيراً من السلبيات التي وقعت في حرب الفرقان عام 2009، ويظهر هذا جلياً فيما يلي:
ففي حرب الفرقان اعتمد العدو على عدد كبير من العملاء على الأرض وعلى أفراد من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، وكان هؤلاء العملاء وهذه الأجهزة على تواصل مباشر مع العدو الإسرائيلي وأمدوها ببنك أهداف أثر تأثيرا كبيرا على الأرض.
لكن وبعد تلك الحرب، قامت أجهزة استخبارات المقاومة بتركيز عملها بشكل غير مسبوق ضد هؤلاء العملاء الذين يعتبرون عين العدو على الأرض، فقامت بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الحكومية في قطاع غزة بتتبع العملاء، وتمكنت من كشف واعتقال نحو 150 عميلا فاعلا على الأرض كان عدد منهم نجح في اختراق فصائل المقاومة.
وقد أُجريت تحقيقات مطولة معهم تعرفنا من خلالها على كثير من وسائل العدو في تجنيد العملاء، ووسائل عمله على الأرض، وتتبعه للمجاهدين ولمقدرات المقاومة، وكيفية صناعة بنك الأهداف للطائرات الإسرائيلية. وقمنا أيضا بفتح باب التوبة للعملاء بشكل عام، وتجاوب معنا عدد كبير منهم سراً، وهذا أفادنا بشكل كبير في تضليل العدو في الحرب الأخيرة، كما أفادنا قبلها في جولات التصعيد معه.
وواكب ذلك قيام استخبارات المقاومة بتوعية المقاومين والمجاهدين من أعلى سلم الهرم وحتى الجنود بأساليب العدو ووسائله وآليات التعامل معها وقت السلم ووقت الحرب لتجنب الخسائر. ولقد برز ذلك بشكل واضح جداً في الحرب الأخيرة حيث إن الخسائر المادية والبشرية كانت محدودة على الرغم من أن إطلاقات الصواريخ قاربت الألفي صاروخ، بالإضافة إلى أن عشرات آلاف المجاهدين كانوا مستنفرين على كافة جبهات القتال، سواء على جبهة الدفاع الجوي، أو الدفاع البحري الساحلي، أو مجاهدي الكمائن المتقدمة، أو مجاهدي قوات المشاة، وغيرهم.
وفيما يتعلق بالعملاء، كيف تعاملتم معهم في الحرب الأخيرة؟
اعتقال عدد كبير من العملاء ومراقبة أعمال آخرين منهم -ممن لم يحِن وقت اعتقاله بعد- واستمالة بعضهم للعمل مع المقاومة؛ حد بشكل كبير من قدرة العدو الإسرائيلي وجعله من دون بنك أهداف. كما أن هناك عملاء تابوا وقاموا بدور بطولي في تضليل إسرائيل ومدها بأهداف وهمية.
(إسرائيل) في حرب الفرقان كانت تتعامل مع أي معلومة تصلها من العملاء، لذا فإن التدمير الذي أوقعته في تلك الحرب كان كبيرًا، أما في الحرب الأخيرة فإنها كانت تنتقي مما يصلها من معلومات ولا تُسلم بها للوهلة الأولى، وهذا يدل على أنها باتت تشك في معلومات عملائها، مع ملاحظة أنه لم يكن لديها بنك أهداف، وأن ما لديها في معظمه أهداف وهمية. يمكنني القول إننا فهمنا آليات عمل العدو الإسرائيلي وكيف يدير عملاءه، وهذا سهل علينا عملنا الأمني.
هل من استخلاصات أخرى من حرب الفرقان أفادتكم في التحضير للحرب الأخيرة؟
نعم، هناك استخلاصات عديدة وهامة، وخصوصاً أنها الحرب الأولى التي تخوضها المقاومة في غزة مع العدو الإسرائيلي، وهنا أنا لا أستطيع البوح إلا بعناوين بعض الموضوعات التي أفدنا منها، فمثلاً عرفنا كيف يُصنع قرار الحرب لدى العدو، وكيف تُدار هذه الحرب لديه، وهذا سهل علينا إدارة المعركة الأخيرة.
كما استخلصنا آليات تحديد بنك أهدافه، ووضعنا خطة لإفراغ هذه الأهداف في اللحظة الحاسمة، وهو ما تم تطبيقه في الحرب الأخيرة. كما عرفنا كيف نتعامل مع ماكينته الدعائية التضليلية، وكيف نواجهها على كافة الصعد وفي مقدمتها تحصين الجبهة الداخلية.
من المعلوم أن من مهام الأجهزة الاستخبارية التنبؤ، فهل تنبأتم بوقوع الحرب الأخيرة؟
كنا قد دخلنا قبيل الحرب بنحو عام ونصف العام في معركة إسقاط الحزام الآمن الذي صنعه العدو على حدودنا، والذي يلتهم 500 متر من أراضينا على امتداد الحدود البرية التي تبلغ نحو 45 كلم، وهي أرض تقدر مساحتها بنحو 5% من مساحة قطاع غزة.
وكنا نعلم تماما بأن الأمور في نهايتها ستصل إلى مرحلة كسر العظم بيننا وبين العدو، وأنه سيضطر للخروج إلى رد قوي خصوصاً بعد تآكل قدرته الردعية وحصول العديد من الإصابات في صفوفه في تلك الفترة، خاصة في الأيام الأخيرة حين ضغطت المقاومة في غزة على أهدافه في منطقة الحزام الآمن.
وكنا نقدر جيداً أن العدو الإسرائيلي سيخرج إلى حرب وشيكة، وليس أدل على معرفتنا بذلك من استعدادنا الجيد للمعركة، فما إن قام العدو بعملية اغتيال الأخ القائد المجاهد أحمد الجعبري، حتى كان الرد القوي الذي لم يتوقعه العدو والذي كان يشي للمراقبين من بعيد بأن هناك قيادة وسيطرة واضحة، وأن هناك إدارة غير مسبوقة للمعركة العسكرية من حيث تناسق أدواتها وانسجامها مع التطورات السياسية.
ولقد فاجأت المقاومة العدو بأساليبها وتكتيكاتها، ومن ذلك تهديد طيرانه لأول مرة، وضرب تل الربيع والقدس المحتلة مما وضع نحو خمسة ملايين يهودي من أصل ستة ملايين تحت مرمى صواريخنا، وهذا شكل مفاجأة للعدو، وهو ما نعده فشلاً استخباراتياً ذريعاً بالنسبة للعدو.
هل كان للعمل الاستخباراتي أي دور في تحديد بنك أهداف لصواريخ المقاومة؟
سبق أن قلت لك إننا نعتبر أن كل أراضينا المحتلة مسرح لعملياتنا الأمنية، وبالتالي فإنه لم يخرج أي صاروخ من صواريخ المقاومة إلا كان يتجه إلى هدف محدد سبق أن حددته الأجهزة الاستخباراتية للمقاومة. فقد كان لدى المقاومة بنك أهداف، وهذا البنك إنما هو نتاج عمل مضن وشاق لاستخبارات المقاومة استمر سنوات طويلة.
وهل أصابت صواريخ المقاومة بنك الأهداف الذي وضعتموه؟
نعم، ولكن العدو الإسرائيلي يمارس تعتيما كبيرا على الأهداف التي أصابتها صواريخ المقاومة وخاصة الصواريخ التي انطلقت لأهداف بعيدة.
وأنتم ما تقديركم، هل أصابت أهدافها؟
نعم، تقديرنا أن معظم صواريخنا أصابت أهدافها. فيما يتعلق بهم فإنهم كثيرا ما يقولون إنها سقطت في مناطق فارغة. غير أنهم عندما يعتبرون أن 1250 مبنى تضرر من الصواريخ فهذا يعني أن صواريخنا أصابت أهدافها.
ثم إن جنود جيش العدو الذين أصيبوا أو قتلوا على حدود غزة في الحرب منهم نظاميون أمثال وحدة إيجوز، ومنهم احتياط. وقد أعلن العدو عن استهداف بعضهم في أشكول أو حيف أشكول، هل تعلم كم هي مساحة المجلس الإقليمي أشكول؟ إنها أصغر بقليل من مساحة قطاع غزة، فكيف أصابت صواريخ المقاومة هؤلاء الجنود في هذه المساحة الشاسعة؟ بالتأكيد كانت لدينا معلومات محددة ودقيقة للغاية عن أماكن تجمعهم، وللعلم فإن بعض هذه الإصابات كانت تجمعات لجنود الاحتياط على بعد 21 كلم من قطاع غزة، فقل لي: كيف تمكنت هذه الصواريخ من إصابتهم بهذه الدقة؟ بالتأكيد عن طريق معلومات المقاومة.
أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية بعد الحرب بأيام أنها اعتقلت مجموعة من فلسطينيي 48 كانت تساعد المقاومة في تحديد الأهداف، هل يمكنك تأكيد هذه المعلومة؟
لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي هذه المعلومة، لكني أقول إن وسائلنا متعددة، وإن العدو الآن هو عبارة عن كتاب مفتوح بالنسبة لنا في كثير من جوانب عمله وفي الكثير من الأهداف التي يمكن ضربها.
وأريد أن أنبه إلى أن بنك أهدافنا يختلف عن بنك أهداف العدو، فبنك الأهداف الذي يعده العدو للهجوم علينا سرعان ما نقوم بتفريغه فتصبح أهدافا متحركة، فنحن وقت السلم يكون جزء منا فوق الأرض، وما إن تدق ساعة الخطر حتى نتحول كلنا تحت الأرض ونصبح سراباً بالنسبة لجيش العدو. أما بنك الأهداف الذي تعده المقاومة فيتميز بأنه بنك أهداف ثابت، نظراً لأنها تتعامل مع كيان ذي مؤسسات حيوية وعسكرية ثابتة لا تتحرك.
في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أخباراً عن قيام حماس بالتنصت على شبكة الاتصالات العسكرية الخاصة بالجيش الإسرائيلي، وهذا إن صح يعد اختراقا خطيرا وإنجازا كبيرا، فهل وقع ذلك بالفعل؟
الخبر الذي أشرت إليه كان في الثاني من أكتوبر، حيث تحدث رئيس لواء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الذراع البري التابع لجيش العدو عن ذلك، وعن أن المقاومة خلال السنوات الماضية كانت قد كشفت كل تحركات الجيش الإسرائيلي على الحدود عبر اختراق شبكة اتصالات الجيش، لكني هنا لا يمكنني أن أنفي أو أؤكد ذلك، وما يمكنني تأكيده فقط هو أننا نستخدم كل ما يمكننا استخدامه للحصول على المعلومات التي تخص عدونا.
ما الذي تحتاج إليه المقاومة للارتقاء بمنظومتها الاستخباراتية ضد (إسرائيل)؟
المقاومة لديها من العقول والخبرات ما يضاهي قدرات ضباط استخبارات العدو الإسرائيلي بفضل الله، لكن ينقصها بعض الوسائل والأدوات التقنية.
ما تقييمكم لأداء جهاز استخبارات المقاومة في الحرب الأخيرة؟
لقد أجرينا تقييماً لأدائنا، ولم تخرج النتائج النهائية بعد، لكن جهات التقييم تؤكد أن الأداء كان مميزاً، والحقيقة أنه بموازاة ذلك نحن نعد العدة لمعركة أشرس، فنحن ندرك أن حربنا مع إسرائيل في الأساس حرب استخباراتية بالدرجة الأولى، وسنُري اللهَ وأمتنا وشعبنا منا خيراً في أي مواجهة مقبلة بإذنه جل وعلا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية