تفكيك مصر
سمير الحجاوي
ما يجري في مصر حاليا لا يمكن وصفه إلا على انه دفع مصر إلى حالة من التفكك الاجتماعي والسياسي من خلال الانقلاب على الارادة الشعبية، وتأزيم الشارع على درجة المواجهة المباشرة التي يمكن ان تتحول إلى حرب اهلية تدخل مصر في عشرية الدم الرصاص.
المعارضة السياسية المصرية ثبت فشلها اكثر من مرة وعلى اكثر من صعيد، فقد حاولت منع الانتخابات الرئاسية وفشلت، وفاز الدكتور محمد مرسي، وحاولت بعد ذلك عرقلة اقرار الدستور، الا ان الشعب المصري اقره وبأغلبية الثلثين تقريبا في استفتاء على رئاسته، مما منحه شعبية مضاعفة، وبعد ذلك حاولت المعارضة اقحام الجيش في اللعبة السياسية، وإغراءه بالانقلاب على الشرعية، الا انها فشلت حتى الان، وتحولت بعد ذلك إلى عمل "مليشياوي" وجماعات فوضوية تمارس العنف مثل "البلاك بلوك"، وأخيرا التحشيد عبر "تمرد" وهي حركة هلامية يجمع بين مناصريها العداوة للرئيس مرسي فقط، ولا يوجد لديها ان خطط او برامج او اهداف او ايديولوجيا وفكر موحد.
هذا الحراك الفوضوي يضع مصر الدولة والمجتمع على شفا جرف هار وعلى منعطف خطير لن يؤثر على مصر فقط ولكنه سيؤثر على الوطن العربي كله، فمصر دولة محورية يتجاوز تأثيرها حدودها المحلية، وما يحدث هناك يفتح الابواب على جملة من الاحتمالات الممكنة، نظريا على الاقل:
اولا: أن تطيح مظاهرات المعارضة بالرئيس الدكتور محمد مرسي ودفعه إلى الاستقالة
ثانيا: تدخل الجيش للانقلاب على الرئيس المنتخب شعبيا عبر صناديق الاقتراع.
ثالثا: تدخل الاخوان ونزولهم إلى الشارع في مواجهة المعارضة وفتح الباب امام حرب اهلية
رابعا: استمرار حكم الرئيس مرسي مع استمرار المظاهرات غير القادرة على الحسم الامر.
ومع ان هذه السيناريوهات ممكنة كلها نظريا، الا ان الترجمة الميدانية لها في غاية الصعوبة والتعقيد، فمن غير الممكن ان تنجح مظاهرات المعارضة بدفع الرئيس مرسي خارج بوابات الرئاسة، لأسباب منها: ان الدكتور مرسي رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع في انتخابات شهد العالم على نزاهتها، ولأنه يتمتع بتأييد شعبي كبير يصل إلى نصف المصريين على الاقل بالإضافة إلى افراد جماعة الاخوان المسلمين الاكثر عددا والأقوى تنظيميا وشعبيا مع من يدعمهم من الاسلاميين الآخرين، وهذا يعني ان امكانية الاطاحة بمرسي من خلال التظاهرات امر بعيد المنال.
الامر الثاني: وهو المتعلق بانقلاب عسكري ينفذه الجيش، وهذا صعب بدوره، فالأوضاع الداخلية والإقليمية لا تعطي الجيش المصري اي امكانية للمناورة في موضوع الانقلاب، فالشعب المصري لا يزال في حالة ثورة اطاحت بنظام مبارك الأمني وقد كان نظاما قويا للغاية، والجيش في مرحلة ما بعد مبارك اضعف من مواجهة الارادة الشعبية، حتى لو كانت من نصف الشعب فقط، وأي تحرك نحو انقلاب عسكري قد يودي إلى مواجهة مسلحة مع الاسلاميين كما كان يحدث في 3 عقود، مما يفتح الباب امام حقبة من الصراع الدامي، ولذلك فان هذا الاحتمال ايضا مستبعد، نظريا على الاقل أيضا فالعسكر عيونهم دائما على السلطة.
يبقى احتمالان هما نزول الاخوان إلى الشارع لحماية "شرعية الصندوق والرئيس المنتخب" وهذا ممكن، خاصة اذا قرروا مواجهة المعارضة في الميادين، مما يشعل حالة من الصراع الشعبي - الشعبي، ولكن فان الظاهر ان الاخوان المسلمين يريدون ان تقوم الدولة بحماية شرعيته باستخدام ادوات الدولة وأجهزتها، وهم لن يتدخلوا للدفاع عن شرعية الرئيس "بالقوة" إلا اذا شعروا ان اجهزة الدولة لن تقوم بواجبها، وستترك الحبل على الغارب للمعارضة لتقويض حكم الرئيس مرسي، وهم متأهبون لمثل هذا الاحتمال والنتيجة ستكون صداما مع القوى المناوئة للرئيس مرسي.
الاحتمال الرابع والأخير: استمرار مظاهرات المعارضة دون ان يكون بمقدورها حسم الوضع لصالحها، وهذا يعني شل الاقتصاد المصري وضرب القطاع السياحي والتأثير سلبا على مستوى المعيشة، والتأثير على بنية المجتمع المصري وشقه ودفعه إلى الانقسام افقيا وعموديا، مما يؤسس لمرحلة عنيفة من الصراع في اي لحظة.
المعارضة المصرية تلعب لعبة حافة الهاوية لتحقيق المكاسب، مستفيدة من الاداء المتواضع للرئيس محمد مرسي وحكومته، ومن اخطاء حركة الاخوان المسلمين، ومن الدور السري الذي تؤديه "الدول العميقة" التي تعمل بكفاءة عالية جدا على افشال ثورة الشعب المصري، وتفكيك الحالة الشعبية المؤيدة للتغيير، ويشمل ذلك قطاعات واسعة من الاجهزة الامنية والمخابرات التي تربت على عقيدة "محاربة الاخوان" والعداء لهم.
هذه الصورة تجعل من المشهد المصري فسيفساء في غاية التعقيد، فلا الاخوان ستراجعون ويتخلون عن مكاسبهم الشعبية، ولا المعارضة ستتراجع عن السعي للإطاحة بالرئيس، في الوقت الذي تلعب فيه الدولة العميقة لحسابها وربما حسابات إقليمية فيما تعاني الاجهزة الامنية المصرية من الدوار فهي حائرة بين الدفاع عن الرئيس الشرعي وعدائها المستحكم للإخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم الرئيس.
بصراحة الحل في مصر يحتاج إلى معجزة يبدو انها بعيدة المنال، فكل الطرق مسدودة امام حل سلمي معقول، والطريق الوحيد المفتوح هو المؤدي إلى المواجهة الشاملة، ولن يفتح هذه الطرق المسدودة الا قبول المعارضة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والاستسلام للإرادة الشعبية والرضا بقواعد اللعبة الديمقراطية، ولو فرضنا انها نجحت بإقصاء الرئيس مرسي المنتحب شرعيا، فان هذا الاخوان قادرون في المستقبل على اقصاء اي رئيس غير اخواني بنفس الطريقة، وهذا يعني الاحتكام إلى القوة في الشارع.
في ظل هذا المشهد القاتم فان قبول المعارضة المصرية بخوض الانتخابات النيابية والكف عن اسقاط الرئيس الشرعي بالقوة، يبدو حلا معقولا، ويمكنها اذا ما فازت بها ان تعمل على تضييق الخناق على الرئيس وتحويل فترة حكمه إلى "جحيم"، وربما دفعه الى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وغير ذلك فان "الحرب الأهلية تبقى اقرب السيناريوهات إلى الوقوع في مصر، وهذا ما لا يتمناه احد يحب مصر وأهلها.
سمير الحجاوي
ما يجري في مصر حاليا لا يمكن وصفه إلا على انه دفع مصر إلى حالة من التفكك الاجتماعي والسياسي من خلال الانقلاب على الارادة الشعبية، وتأزيم الشارع على درجة المواجهة المباشرة التي يمكن ان تتحول إلى حرب اهلية تدخل مصر في عشرية الدم الرصاص.
المعارضة السياسية المصرية ثبت فشلها اكثر من مرة وعلى اكثر من صعيد، فقد حاولت منع الانتخابات الرئاسية وفشلت، وفاز الدكتور محمد مرسي، وحاولت بعد ذلك عرقلة اقرار الدستور، الا ان الشعب المصري اقره وبأغلبية الثلثين تقريبا في استفتاء على رئاسته، مما منحه شعبية مضاعفة، وبعد ذلك حاولت المعارضة اقحام الجيش في اللعبة السياسية، وإغراءه بالانقلاب على الشرعية، الا انها فشلت حتى الان، وتحولت بعد ذلك إلى عمل "مليشياوي" وجماعات فوضوية تمارس العنف مثل "البلاك بلوك"، وأخيرا التحشيد عبر "تمرد" وهي حركة هلامية يجمع بين مناصريها العداوة للرئيس مرسي فقط، ولا يوجد لديها ان خطط او برامج او اهداف او ايديولوجيا وفكر موحد.
هذا الحراك الفوضوي يضع مصر الدولة والمجتمع على شفا جرف هار وعلى منعطف خطير لن يؤثر على مصر فقط ولكنه سيؤثر على الوطن العربي كله، فمصر دولة محورية يتجاوز تأثيرها حدودها المحلية، وما يحدث هناك يفتح الابواب على جملة من الاحتمالات الممكنة، نظريا على الاقل:
اولا: أن تطيح مظاهرات المعارضة بالرئيس الدكتور محمد مرسي ودفعه إلى الاستقالة
ثانيا: تدخل الجيش للانقلاب على الرئيس المنتخب شعبيا عبر صناديق الاقتراع.
ثالثا: تدخل الاخوان ونزولهم إلى الشارع في مواجهة المعارضة وفتح الباب امام حرب اهلية
رابعا: استمرار حكم الرئيس مرسي مع استمرار المظاهرات غير القادرة على الحسم الامر.
ومع ان هذه السيناريوهات ممكنة كلها نظريا، الا ان الترجمة الميدانية لها في غاية الصعوبة والتعقيد، فمن غير الممكن ان تنجح مظاهرات المعارضة بدفع الرئيس مرسي خارج بوابات الرئاسة، لأسباب منها: ان الدكتور مرسي رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع في انتخابات شهد العالم على نزاهتها، ولأنه يتمتع بتأييد شعبي كبير يصل إلى نصف المصريين على الاقل بالإضافة إلى افراد جماعة الاخوان المسلمين الاكثر عددا والأقوى تنظيميا وشعبيا مع من يدعمهم من الاسلاميين الآخرين، وهذا يعني ان امكانية الاطاحة بمرسي من خلال التظاهرات امر بعيد المنال.
الامر الثاني: وهو المتعلق بانقلاب عسكري ينفذه الجيش، وهذا صعب بدوره، فالأوضاع الداخلية والإقليمية لا تعطي الجيش المصري اي امكانية للمناورة في موضوع الانقلاب، فالشعب المصري لا يزال في حالة ثورة اطاحت بنظام مبارك الأمني وقد كان نظاما قويا للغاية، والجيش في مرحلة ما بعد مبارك اضعف من مواجهة الارادة الشعبية، حتى لو كانت من نصف الشعب فقط، وأي تحرك نحو انقلاب عسكري قد يودي إلى مواجهة مسلحة مع الاسلاميين كما كان يحدث في 3 عقود، مما يفتح الباب امام حقبة من الصراع الدامي، ولذلك فان هذا الاحتمال ايضا مستبعد، نظريا على الاقل أيضا فالعسكر عيونهم دائما على السلطة.
يبقى احتمالان هما نزول الاخوان إلى الشارع لحماية "شرعية الصندوق والرئيس المنتخب" وهذا ممكن، خاصة اذا قرروا مواجهة المعارضة في الميادين، مما يشعل حالة من الصراع الشعبي - الشعبي، ولكن فان الظاهر ان الاخوان المسلمين يريدون ان تقوم الدولة بحماية شرعيته باستخدام ادوات الدولة وأجهزتها، وهم لن يتدخلوا للدفاع عن شرعية الرئيس "بالقوة" إلا اذا شعروا ان اجهزة الدولة لن تقوم بواجبها، وستترك الحبل على الغارب للمعارضة لتقويض حكم الرئيس مرسي، وهم متأهبون لمثل هذا الاحتمال والنتيجة ستكون صداما مع القوى المناوئة للرئيس مرسي.
الاحتمال الرابع والأخير: استمرار مظاهرات المعارضة دون ان يكون بمقدورها حسم الوضع لصالحها، وهذا يعني شل الاقتصاد المصري وضرب القطاع السياحي والتأثير سلبا على مستوى المعيشة، والتأثير على بنية المجتمع المصري وشقه ودفعه إلى الانقسام افقيا وعموديا، مما يؤسس لمرحلة عنيفة من الصراع في اي لحظة.
المعارضة المصرية تلعب لعبة حافة الهاوية لتحقيق المكاسب، مستفيدة من الاداء المتواضع للرئيس محمد مرسي وحكومته، ومن اخطاء حركة الاخوان المسلمين، ومن الدور السري الذي تؤديه "الدول العميقة" التي تعمل بكفاءة عالية جدا على افشال ثورة الشعب المصري، وتفكيك الحالة الشعبية المؤيدة للتغيير، ويشمل ذلك قطاعات واسعة من الاجهزة الامنية والمخابرات التي تربت على عقيدة "محاربة الاخوان" والعداء لهم.
هذه الصورة تجعل من المشهد المصري فسيفساء في غاية التعقيد، فلا الاخوان ستراجعون ويتخلون عن مكاسبهم الشعبية، ولا المعارضة ستتراجع عن السعي للإطاحة بالرئيس، في الوقت الذي تلعب فيه الدولة العميقة لحسابها وربما حسابات إقليمية فيما تعاني الاجهزة الامنية المصرية من الدوار فهي حائرة بين الدفاع عن الرئيس الشرعي وعدائها المستحكم للإخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم الرئيس.
بصراحة الحل في مصر يحتاج إلى معجزة يبدو انها بعيدة المنال، فكل الطرق مسدودة امام حل سلمي معقول، والطريق الوحيد المفتوح هو المؤدي إلى المواجهة الشاملة، ولن يفتح هذه الطرق المسدودة الا قبول المعارضة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والاستسلام للإرادة الشعبية والرضا بقواعد اللعبة الديمقراطية، ولو فرضنا انها نجحت بإقصاء الرئيس مرسي المنتحب شرعيا، فان هذا الاخوان قادرون في المستقبل على اقصاء اي رئيس غير اخواني بنفس الطريقة، وهذا يعني الاحتكام إلى القوة في الشارع.
في ظل هذا المشهد القاتم فان قبول المعارضة المصرية بخوض الانتخابات النيابية والكف عن اسقاط الرئيس الشرعي بالقوة، يبدو حلا معقولا، ويمكنها اذا ما فازت بها ان تعمل على تضييق الخناق على الرئيس وتحويل فترة حكمه إلى "جحيم"، وربما دفعه الى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وغير ذلك فان "الحرب الأهلية تبقى اقرب السيناريوهات إلى الوقوع في مصر، وهذا ما لا يتمناه احد يحب مصر وأهلها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية