تنازلات عباس في الميزان
بقلم/الدكتور عطا الله أبو السبح
إن ما كشفته صحيفة (وول ستريت جورنال) عن تنازلات عباس ينبغي ألا يثير العجب ، وإن كان ينبغي أن يثير الاهتمام ، ويضع الفلسطيني في كل أماكن تواجده وخاصة في الضفة الغربية أمام مسئولية كبيرة ، اسمها فلسطين الوطن والإنسان والهوية ، كما ينبغي أن يضع الأمة العربية، وخاصة مؤسساتها وفي مقدمتها مؤسسة القمة العربية أمام مسئولياتها ، التي لا يدعي أحد أنها لا تعنيه ، ففلسطين ( سرة ) الوطن العربي ، ولن يتحقق أمن قومي لأي دولة إلا إذا وضع حد للتمدد الأخطبوطي الصهيوني في فلسطين ، والذي تجاوزها إلى أعالي النيل ؛ لتموت مصر ظمأ كبديل لمشروع ليبرمان لنسف السد العالي بالقنابل النووية التي تنتظر شارة الانطلاق من مخازن ديمونة القريبة من الجنوب المصري ، كما لن يتحقق أي مشروع إنمائي عربي طالما (إسرائيل) تقطع أوصال الوطن العربي ، وتهيمن على طرق التجارة الدولية بأسطولها التجاري الذي يمخر عباب البحار العربية ( الأحمر والأبيض ) والمضائق وقناة السويس، فضلاً عن المكاتب التجارية والصناعات الإسرائيلية المنافسة ، ولن يتحقق للعربي كفاية زراعية و(إسرائيل) تحارب بمنتوجاتها ؛ إما بطرح ثمارها التي حققت شهرة عالمية دون المنتوجات العربية ، أو بشن الحروب البيولوجية على الزراعة العربية ، و لن يتحقق للعرب مشروع صناعي سواء كان خفيفا أو ثقيلا طالما أن (إسرائيل) تمسك بتلابيب العرب في هذا الجانب، فتجمد أرصدتهم في البنوك الأوروبية والأمريكية...
إن الصحيفة تتعجب من حجم التنازلات التي يقدمها عباس بعد أن قدم المزيد – رغم أنها صحيفة أمريكية - ، وأمريكا هي الحاضن والمحامي والراعي للمشروع الصهيوني التوسعي على حساب الإنسان الفلسطيني خاصة ، والعربي عامة.
عباس تنازل بما يدمر أي مشروع نهضوي عربي يطمح إليه زعيم أو مواطن ، إن عباس يتنازل بغير ما تتوقع الدوائر الأمريكية والإسرائيلية ، ويأتي في مقدمة تنازلاته عرضه ( المفاجئ ) بضم 1.9 % من أراضي الضفة الغربية لـ(إسرائيل) ، تلك التي بنيت عليها مستوطنات أمست بفضل كرم عباس وكسره للبندقية الفلسطينية ومحاربته للمقاومة مدنا ذات مؤسسات وأمن وصناعات ؛ الأمر الذي يشكل تدميراً للأمن القومي الفلسطيني إن وجد أو سيوجد هذا الأمن ، كما يشكل تدميراً للأمن القومي العربي كما أسلفت . إن ميتشل قد ذهل من كرم عباس الذي يحلم به في الحصول على أراضٍ من تلك التي استولى عليها الصهاينة سنة 1948 ، حتى وإن كانت صحراء جرداء ، رغم أن المساحة التي بنيت عليها المستوطنات لا تزيد على 1.3% من أراضي الضفة الغربية ، وقد أبدى عباس استعداده لمضاعفة هذه المساحة لتصل إلى 3.8 % إن وجد جدية من الجانب الصهيوني ؛ مما أغرى نتنياهو بطلب 6.5%، ورغم ذلك فقد شككت كل من (إسرائيل) وأمريكا بصدق نوايا عباس و جديته ؛ طلبا للمزيد وللتوثيق والتنازل ، ماذا قال صائب عريقات ؟ لقد أكد ذلك طمعا في الوصول إلى حل ، أي حل حتى وإن كان مدمراً للإنسان الفلسطيني وحقوقه وللإنسان العربي وأمنه !!
ماذا يمكن تسمية ذلك فلسطينيا وعربيا ؟ لأقول : إن التسمية لا تهم كثيرا ، فلا مشاحة في الاصطلاح ، لنسأل : ماذا يتعين على الفلسطيني والعربي من عمل ؟ هل بقي لعباس من شرعية لتمثيل الفلسطيني ورئاسته ، فضلا عن التفاوض باسمه ؟ هل بقي لعباس من مبرر أن يُستقبَل في الوطن العربي بصفة شخصية أو رسمية ؟ وهل بقي من مبرر لأي فلسطيني أن يسكت على هذا الهوان والخذلان الذي يجر عباس إليه القضية الفلسطينية والإنسان الفلسطيني؟
أستطيع أن أؤكد أن ما يمارسه عباس خيانة ، والسكوت عليه هو خيانة لا تقل عن خيانة عباس !! فإلى متى ؟!
إن الأمر لا يحتمل مزيدا من الصمت ، وإلا فإن الوطن العربي؛ أمنا واقتصادا ووجودا و ثقافة سيكون في متناول أذرع الإخطبوط الصهيوني !! وإلا فاسألوا جورج ميتشل لماذا تتعجب أو تندهش ؟!.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية