ثورة الشك ... بقلم : مصطفى الصواف

الجمعة 14 سبتمبر 2012

ثورة الشك

مصطفى الصواف

أكاد اشك في نفسي لأني .... أكاد اشك فيك وأنت مني

يقول الناس إنك خنت عهدي ... ولم تحفظ هواي ولم تصني

كلمات كتبها الشاعر العربي عبد الله الفيصل وصدحت بها حنجرة كوكب الشرق أم كلثوم ورددها مئات الملايين من العرب وغير العرب من عشاق الكلمة الراقية الهادفة.
قد يسأل البعض لماذا هذه الأبيات من هذه القصيدة وفي هذا الوقت؟، أسئلة مشروعة من حق من يقرأ ما اكتب أن يسأل، وأقول أن البيت الأول يذكرني بمقولة ديكارت ( أنا أشك فأنا موجود) والشك هنا هو شك اليقين وليس شك النكران والتشكيك، وكل منا لديه أفكار ومعتقدات وانتماءات هي جزء من تركيبته الشخصية والنفسية والثقافية انتمى إليها عن قناعة وحب ورغبة، ومؤمن بالأسس والمبادئ التي تسير عليها منظومته الفكرية والسياسية، وعندما يشعر بشيء من الاغتراب يبدأ في الشك ويعرض ما يجري على ما آمن من أفكار واتبع من طريق، ويقارن ثم يسأل هل لازالت تلك الأسس قائمة أم أن هناك انحراف؟، ومن خلال أمعان العقل وإجراء الفحص والقياس السليم نصل من خلال الشك إلى اليقين الذي يؤمن به.

عندما انتمينا إلى جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس انتمينا إليها وقد بلغنا الرشد وقطعنا شوطا من العمر ولم يكن هذا الانتماء من فراغ أو نتيجة التجربة والخطأ، فقد نشأنا في بيت متواضع مسلم متمسك بإسلامه محافظا على قيمه وكنا منتمين إليه دون تنظيم أو حركة لأنها الفطرة والإسلام دين الفطرة، وفي الجامعة كنا الأقرب إلى الجماعة الإسلامية وأكثر احتكاكا بها من غيرها من الجماعات بين الطلاب سواء الفلسطينيين أو المصريين، ولكن دون الانتماء التنظيمي، وعدنا إلى غزة وكانت الأوضاع في حالة تغيير داخل المجتمع الفلسطيني والتيار الإسلامي آخذ في الاتساع، وشهدت فترة الثمانينيات بعض التوترات بين القوى والتيارات الفلسطينية، في تلك المرحلة لم يرق لي بعض هذه الخلافات وتحديدا بين الإخوان المسلمين وبين الجهاد الإسلامي وتمنيت أن تنتهي هذه الخلافات لأن المشروع الإسلامي واحد ويجب أن يتحد من ينتمي إليه لا أن يختلفوا ، هذا حديث كنت احدث به نفسي كثيرا، ولم يكن في ذلك الوقت أي انتماء لي لأي تنظيم فلسطيني سوى أنني انتمي للفكر الإسلامي.

لست هنا بصدد استعراض تاريخي ولن ادخل أكثر في التفاصيل لأن المقام لا يتسع للسرد والاستفاضة في الشرح، ونعود إلى ما بدأنا وهو موضوع الشك وبينا فيه بعض ما أردنا، أما البيت الثاني مما ذكرت فهو متعلق بحالة النقد التي أمارسها بين الحين والآخر عندما لا يروق لي عمل ما أو تصرف أراه وقد انحراف عن المسار وفيه خلل في التفكير والتطبيق، هنا يرميني البعض بأنني خنت العهد الذي عاهدت عليه الله أن أكون جنديا في دعوة الإسلام وأن انتمائي ويقيني آخذ بالتململ، ويرى البعض أن هناك طرقا متعددة يمكن من خلالها عرض الأفكار والانتقادات بدلا من النقد الصريح عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأن أي خلاف يمكن أن يعالج في أضيق الحدود، وجهة النظر هذه قد تكون صالحة في مرحلة التأسيس والتكوين والبناء ، ولكن في مرحلة الانتشار والتمكين وفي ظل الثورات الإعلامية ومع دخول شيء من الدخن في النفوس والرجال أصبح النقد البناء المبني على أصول وحقائق لا يضر لو تم تناوله عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ لأن الهدف منه هو تصحيح المسار والوقوف على المثالب والعيوب التي تمارس في الفضاء الواسع وفي العلن ممن يحسب على الإخوان وحركة حماس من رجال، وطالما أن ما يحدث من خلل يتم على رؤوس الأشهاد وفي العلن ، فلا ضير أن يكون النقد في العلن للتصرف لا للشخص والذي يشكل نموذج للحالة.

لا شك أننا بشر وفي النفس البشرية نزعات ملائكية وأخرى شيطانية، فنحن خليط ، وهذا الخليط عندما يسير على هدى ويقين يكون اقرب إلى الملائكية منه إلى الشيطانية، وكلما اقترب الإنسان من الله كان اقرب إلى الملائكية والعكس صحيح.

ممارسة النقد الذاتي في العلن لا يضر بل فيه منفعة للذات ويعطي صورة حسنة للآخرين عن الذات ويؤكد على أن هناك حرية وديمقراطية واختلافا في وجهات النظر تهدف في الأساس إلى إثراء النقاش وتعميق الفهم وتبادل الأفكار وحوصلة النافع منها والاستفادة منه، هذا احد أهداف النقد الذي نمارس إلى جانب انه يبصر ولي الأمر إلى مواطن الخلل التي تحدث خلال الممارسة العملية ومن منا من لا يخطئ، ومن منا من لا يحتاج دائما إلى تقويم وإرشاد وتصحيح مسار.

آمنا بالفكر الإسلامي وانتمينا إليه لأننا نعلم أن هذا الفكر ليس فيه تنافس شخصي على دنيا، وتعلمنا أننا جنود أينما نوضع يجب أن نعمل لا أن نتصارع وكأننا في معركة فيها منتصر وخاسر، هذا التفكير تفكير الجاهل بالعمل الحركي الإسلامي، الجاهل لسبب الانتماء للفكر الإسلامي، لأن المناصب ليست جهوية، والأماكن متغيرة والأساس هو التكليف وليس التشريف؛ ولكن في بعض الأحيان يظن البعض أنه في صراع وفي معركة نصر وهزيمة، معركة وهمية ، فلو حدث ما يدغدغ عواطفه وأحلامه نسي العقل وتصرف كرئيس عصابة ويجيش من حوله من جوقة المنتفعين ويأتي بأفعال صبيانية خارجة عن العقل والفهم وتأتي في سياق الجهل الحقيقي للانتماء لهذه الدعوة وهذا الدين وإن تمسح فاعلها بالدين والتنظيم.

هذه التصرفات عندما تأتي من كبير هي بحاجة إلى وقفة تفكير والتي تسبقها لحظة شك ليس في الأسس والأفكار؛ ولكن في أسباب الانتماء هل هي خدمة لمصلحة خاصة أو خدمة لفكرة عامة جامعة؟، هل المنصب للنجاح الذاتي أو لنجاح مشروع أكبر من الذات؟، أمثال هؤلاء ليسوا بالعدد الكبير وهم أشبه بالشعرة السوداء في رأس خالص البياض يسهل تمييزها وإذا سهل تمييزها سهل انتزاعها وتخليص الرأس منها؛ ولكنها بحاجة إلى شجاعة وجرأة فلا خوف على المشروع، بل فيه تمتين وفي التمتين تحدث الصلابة.

وعليه يجب أن نعرض تصرفات البعض على ميزان الفحص لأن هذه التصرفات تعطي الثقة بالنفس وغياب العقل والاتزان، فمهما حاول هؤلاء من التواري خلف إخلاص موهوم وأن يخدعوا الناس والمسئول فمصير أفعالهم مفضوح ونواياهم مكشوفة والمسالة مسألة وقت، فكثير هم من سقطوا على الطريق .

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية