جديد فتح في مهرجان ذكرى انطلاقتها الـ48
جمال أبو ريدة
المتابع لتحضيرات حركة "فتح" لمهرجان ذكرى انطلاقتها الــ48، يرى أن الحركة قد رصدت موازنة غير مسبوقة لإنجاح فعاليات مهرجانها في ساحة السرايا وسط مدينة غزة غدا الجمعة بكل السبل والوسائل، فالملاحظ أن الحركة قد باتت في سباق مع الوقت لتحقيق النجاح المرجو من المهرجان، الذي لن يكون كغيره من المهرجانات السابقة طوال تاريخ الحركة ، فالمأمول من هذا المهرجان كثير، سواء من ناحية التأكيد على أن حضور وحجم التأييد الشعبي للحركة في الشارع الغزي على وجه التحديد مازال قويًا، رغم غيابها طوال السنوات الست الماضية هي عمر الانقسام عن ساحة غزة، كما تطمح الحركة أيضا من وراء هذا الحشد التأكيد على صوابية برنامجها السياسي، والذي يقوم على أن المفاوضات هي الخيار الوحيد أمام شعبنا للوصول إلى حقوقه السياسية والوطنية، وكانت الذريعة هي العجز عن مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، في ظل اختلال موازين القوى في المنطقة لصالح (إسرائيل)، رغم أن مرور عشرين عامًا على المفاوضات بأشكالها المختلفة المباشرة وغير المباشرة والسرية والعلنية مع (إسرائيل) بدون جدوى، يكفي لإعادة النظر في هذا البرنامج.
ولكنني أعتقد، أن الأمر المهم الذي غاب عن قيادة الحركة في "زحمة" التحضير لمهرجانها، هو ما الذي يمكن أن تقوله بحق وحقيقة لجماهيرها المحتشدة يوم الجمعة في ساحة السرايا؟ فحماس قبل شهرين تقريبًا لم تنجح في حشد جمهورها فحسب، بل نجحت أيضاً في قول الكثير له من إفشالها للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2006، وإتمام صفقة وفاء الأحرار بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني من غياهب السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي "شاليط" بعدما احتفظت به خمس سنوات، والانتصار في معركتي الفرقان 2008، وحجارة السجيل 2012، والتي استطاعت فيها ضرب العمق الإسرائيلي بأكثر من 1500 صاروخ وصلت للمرة الأولى إلى القدس، بئر السبع، المجدل، أسدود، وتل بيب وغيرها من المدن الإسرائيلية، ما أجبر ما يقارب 4 ملايين إسرائيلي اللجوء إلى الملاجئ، ما اضطر (إسرائيل) إلى طلب التهدئة بعد يومين على العدوان، والتي أذعنت فيها إلى شروط المقاومة كاملة، وهو ما تحقق بالفعل يوم 21/11/2012، بعد وساطات العديد من الدول لدى مصر، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أوفدت وزيرة خارجيتها "هيلاري كلينتون" إلى المنطقة للتعجيل باتفاق التهدئة، الذي شكل صفعة قوية للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وأجبر وزير الدفاع "باراك" على تقديم استقالته فورًا، بل واعتزاله الحياة السياسية.
ويبدو أن قيادة حركة "فتح" ممثلة في رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي غلبه لسانه في الفترة الأخيرة، وصرح أكثر من مرة لوسائل الإعلام الإسرائيلية بتصريحات كانت موضع "استهجان" قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، والتي كان آخرها تصريحه لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، والذي قال فيه:" إذا لم يكن هناك أي تقدم بعد الانتخابات الإسرائيلية سأرفع سماعة الهاتف للاتصال بـ"نتنياهو" وأقول له صديقي أنا أدعوكم للحضور للمقاطعة والجلوس على هذا الكرسي بدلا مني وأن يأخذ المفاتيح ويصبح مسئولا عن السلطة الفلسطينية" كشفاً عن عمق الأزمة التي تعاني منها حركته، ممثلة في وصول مشروعها التفاوضي إلى نهايته، وهو الذي بدأ قبل عشرين عامًا، دون أن يحقق أيا من أهدافه السياسية والوطنية، بل حتى السلطة الفلسطينية التي تعتقد الحركة أنها واحدة من إنجازاتها السياسية على طريق الوصول إلى الدولة الفلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، قد تبين مع الأيام أنها سلطة "هزلية"، لا يستطيع رئيسها التحرك بين مدن الضفة الغربية سوى بتصريح إسرائيلي.
بل وحتى الإنجاز الأخير للحركة قبل شهرين، والمتمثل في الحصول على اعتراف ما يزيد عن 138 دولة ، بفلسطين عضو بصفة مراقب في 29/11/2012، والذي عولت عليه الحركة كثيرًا لاستعادة بعض جماهيريتها بعد النصر الكبير الذي حققته حركة "حماس" في معركة السجيل الأخيرة لم يصمد طويلا، حينما شرعت حكومة "نتنياهو" في اليوم الثاني للاعتراف ببناء 3 آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية، لقطع الطريق مرة أخرى على أي محاولة مستقبلية لإقامة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران من جهة، وللتأكيد على "هزلية" الاعتراف الدولي بالدولة من جهة أخرى، ولم تكتف حكومة "نتنياهو" بذلك، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حينما أوقفت تحويل مستحقات الضرائب إلى السلطة، الأمر الذي منعها من صرف رواتب موظفيها إلى اليوم، والأزمة "مرشحة" للزيادة، إذا التزمت الدول العربية بالتعليمات الأمريكية بعدم تحويل أي مبالغ مالية للسلطة قبل عودة الأخيرة للمفاوضات بدون أي قيد أو شرط.
ولعل ما يكشف عمق الأزمة التي تعاني منها فتح بعد 48 عامًا على انطلاقتها، أنها ما زالت أسيرة للماضي أكثر من الحاضر والمستقبل، فبيانات الحركة وتصريحات قياداتها وكتابات كتابها ومفكريها، لم تأت في الأيام القليلة التي تسبق ذكرى انطلاقتها على إنجازاتها في السنوات الأخيرة، كما صنعت "حماس" في ذكرى انطلاقتها الـ25، وإنما ذهبت عكس ذلك حينما استخضرت الماضي فقط، ومازالت عملية عيلبون تتصدر كل بيانات الحركة وتصريحات قيادييها، وعليه فإن اليوم التالي للانطلاقة سيكون بخلاف يوم الانطلاقة والأيام التي سبقته، حينما تذهب السكرة وتأتي الفكرة، فالمحتشدون في ساحة السرايا يوم الجمعة بحاجة إلى قيادة تأخذ بيدهم إلى الأمام إلى التحرير وليس إلى الوراء.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية