ثمة تصريحات مطلوبة لم نسمعها الأسبوع الماضي. مثلاً لم تقل السلطة الوطنية الفلسطينية شيئاً عن مقتل محمود المبحوح القيادي في حركة حماس. لم تصرح مصر بشيء. ولا دول عربية أخرى. الولايات المتحدة الأميركية وهي القيّم الأخلاقي العالمي لم تجد في العملية ما يثير الانتباه أو يستوجب التوقف! ولا حتى أوروبا. وهذه الأوروبا الاستعمارية ذات التاريخ الملطخ بدماء البشرية كلها تنسب لنفسها مكانة أخلاقية مرجعية فاصلة في عالم اليوم، ولكنها، وهي التي تصنف حركات المقاومة على أنها حركات إرهابية، تأبى كل قواميس الأخلاق أن تفسح لدولها الرئيسية أي سطر في صفحاتها.
ما جرى في دبي هو ذاته ما جرى في دمشق. يوم اغتالت "إسرائيل" أعلى قائد عسكري في حزب الله. ف"إسرائيل" التي شنت في يوليو 2006 حربا شاملة على لبنان بقصد هزيمة المقاومة اللبنانية، اكتشفت بعد اليوم الأول لانتهاء حربها أنها لم تنجز ما خططت له، بل تكشف لها مع الأيام أنها خسرت كثيراً جراء هذه الحرب.. خسرت عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً. من هنا كان فقدان الوعي الإسرائيلي لاتزانه ومحاولته لاستعادة ما فُقد جراء هذه الحرب.. كيف يمكن أن تخسر "إسرائيل" حرباً بهذا الغطاء العربي والدولي! من هنا كان البحث في دمشق عن صيد ثمين، فكان «عماد مغنية».
في دبي كان سيناريو مشابه؛ شنت "إسرائيل" حرباً كبرى على قطاع غزة، حصلت على كل التسهيلات السياسية والأخلاقية التي لا يمكن أن تتكرر، توهمت أنها ستخرج بقطاع لا حماس فيه. لكن حدث العكس؛ حماس في الواجهة، بل يبدو أن لا شيء ينازع الحركة على القيادة والتحكم في القطاع! هذه ضربة ثانية تتلقاها الرأس الإسرائيلية في غضون عامين. والمشكلة ليست "إسرائيل" فحسب، ثمة رؤوس كثيرة وكبيرة وضعت نفسها بجانب الرأس الإسرائيلية. وضاعف هذا من الوجع الذي تسببت به حركة حماس. تريد "إسرائيل" أن تقول في عملية: إنها ما زالت قادرة على الفعل الإجرامي.
توعد حزب الله بالرد على اغتيال عماد مغنية «الحاج رضوان». وكذلك فعلت حركة حماس الأسبوع الماضي. لم يرد حزب الله حتى الآن ولن يرد في المدى المنظور. وحسناً يفعل الحزب؛ فالظروف غير مواتية لأية عملية يقوم بها الآن ولا قريباً. ولو قام بذلك لاستغل الرد أبشع استغلال من قبل المتربصين به. وحماس اليوم في وضع لا تحسد عليه. وأي رد تقوم به سيوظف ضدها. وستجد قائمة الصامتين في صدر هذا المقال فرصتها للهجوم على الحركة المقاومة.. ستسمع من أبوالغيط قولاً إننا حذرنا حماس دائماً.. طبعاً حذرناها من الرد على أي إجرام إسرائيلي. محمود عباس سينظّر عن العبثية. العبثية التي يقصدها الرئيس الفلسطيني هي كل ما من شأنه التشويش على المشاريع التجارية في ظل الاحتلال! القلوب السوداء في البيت الأبيض ستطلق مؤتمراتها الصحافية اليومية للتمهيد والتهديد. أوروبا العجوز القاتلة ستتفهم الرد الإسرائيلي على التهديد. يبدأ الفهم والوعي الأوروبي بالعمل عند الفعل الإسرائيلي. لا يريد استيعاب ما قبله. مثل أن يكون مجرم حرب متقاعد كـ «توني بلير» ممثلاً للجنة الرباعية الدولية!
ربما كان واحد من أهداف العمليتين الإرهابيتين القذرتين في دمشق ودبي هو استفزاز رد المقاومة. تدرك "إسرائيل" أنها لم تفعل ما يجب في المرتين الأوليين. وربما يهيأ لها أن تعوّض في المرة القادمة. والمقاومة التي فقدت المبحوح في دبي تقبل ذلك. لا من باب قبول الجريمة الإسرائيلية. بل من باب الإيمان بأن العمل المقاوم معرض للاستهداف دائماً، وأن من يُجير روحه لخدمة الأهداف السامية لمشروعه الوطني يحمل هذه الروح دائماً بين كفيه ويتمنى الشهادة، بل يركض خلفها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية