جولة هنية وإعادة القضية إلى عمقها العربي والإسلامي
جمال أبو ريدة
عززت الحكومة الفلسطينية برئاسة رئيس الوزراء إسماعيل هنية في جولتها الثانية إلى كل من (قطر، البحرين، الكويت، إيران، والإمارات العربية) على التوالي، النجاح الذي حققته في الجولة الأولى، والتي بدأت مع مطلع العام الجديد 2012م، واشتملت على كل من (مصر، السودان، تركيا، وتونس)، ولعل الجديد في الجولة الثانية أنها اشتملت للمرة الأولى على أربع من العواصم العربية الخليجية المهمة في المنطقة، (الدوحة، المنامة، الكويت، وأبو ظبي)، وهي من العواصم العربية المقربة جدًا إلى الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية، وأعتقد أن التغيير الحاصل في العالم العربي، والذي نجح حتى الآن في إسقاط العديد من الأنظمة العربية وفي مقدمتها النظام المصري المخلوع، هو الذي "فرض" على هذه العواصم استقبال هنية خلال هذه الجولة، والاحتفاء به مثلما تحتفي بأي رئيس وزراء آخر يزورها، وهي التي امتنعت إلى ما قبل الربيع العربي عن مجرد الرد على مكالماته "التليفونية".
ويمكن القول بأن هذه الجولة قد جاءت للتأكيد ابتداءً على فشل الحصار (الإسرائيلي) المفروض على الحكومة الفلسطينية منذ منتصف العام 2007م، و فشل أيضًا كل الإجراءات العقابية الأخرى في إسقاط الحكومة من الحكم بالقوة، أو حتى في التأثير على قرارها السياسي، بالإضافة إلى ذلك فقد جاءت هذه الزيارة للتأكيد على شرعية الحكومة، والتي حاولت(إسرائيل)، بالإضافة "للأسف" إلى بعض الأطراف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية انتزاعها تحت وطأة وتأثير الحصار الظالم، كما وتسعى هذه الزيارة إلى تجنيد الدعم السياسي والمالي لصالح القضية الفلسطينية، وتحديداً بعد الدمار الذي لحق بقطاع غزة بعد العدوان (الإسرائيلي) على غزة في العام 2008/2009م، كما وتأتي هذه الزيارة للدفع بملف المصالحة الوطنية إلى الأمام، فالزيارة من شأنها إقناع الأطراف التي لازالت داخل حركة "فتح" معارضة للمصالحة، بأن الواقع الجديد الذي فرضه الربيع العربي، بدأ يعمل في مصلحة حركة "حماس"، وأن فكرة إقصاء الحركة من الحكم قد انتهت إلى غير رجعة، وأنه ما من سبيل بعد اليوم إلا بالتعايش معها.
ومن المفيد القول بأن هذه الجولة، قد أظهرت مدى التوازن السياسي للحكومة الفلسطينية، وذلك من خلال ابتعادها كل البعد عن لعبة المحاور السياسية في المنطقة العربية، التي لم تجلب إلى هذه الأمة مجتمعة سوى الدمار والخراب، وللتوضيح أكثر فإنه في الوقت الذي اشتملت فيه الزيارة على أربع من الدول العربية الخليجية، فإنها اشتملت أيضاً على العاصمة الإيرانية طهران، اعترافًا بالجميل الذي قدمته الأخيرة للحكومة وللشعب الفلسطيني طوال السنوات الماضية، الأمر الذي يعني رغبة الحكومة الفلسطينية في توحيد العالم العربي والإسلامي خلف القضية الفلسطينية، لمواجهة العدوان (الإسرائيلي) الذي يستهدف العرب والمسلمين معًا، ولا يريد الخير للعرب وللإيرانيين معًا.
ولعل ما يؤكد على صحة ما سبق، هو زيارة هنية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مباشرة، بعد زيارته إلى طهران، رغم العداء الدفين بين الدولتين(...)، وهو نجاح –في حدود علمي- يحسب لجولة هنية، خصوصًا بعد نصيحة البعض له بعدم زيارة طهران في هذه الجولة، بذريعة دعم النظام الإيراني للنظام السوري في قمعه لشعبة، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالتوتر الدائم لعلاقات طهران بالعواصم الخليجية وتحديدًا مع الرياض، وذلك لكسب دعم ورضا العواصم الخليجية لحكومته، وأعتقد أن هذا الموقف "المتوازن" سيزيد من احترام الدول الخليجية له، وتحديدًا السعودية التي أتوقع في المستقبل القريب منها دعوة هنية لزيارتها.
ومن المفيد القول إن هذه الدلالات وغيرها التي حققتها زيارة هنية هي أولا وقبل كل شيء مكسب للشعب الفلسطيني كله، وليس لغزة المحاصرة فقط، وفي الإطار نفسه فقد جاءت هذه الزيارة للتأكيد على وجهة نظر حركة "حماس" القديمة بأهمية العودة بالقضية الفلسطينية إلى العمق العربي والإسلامي، لحمايتها من التفرد الأمريكي بها، والذي بدأ منذ ما يقارب العشرين عامًا الماضية، بعدما ابتعدت السلطة الفلسطينية وذلك بسبب انشغالها بالمفاوضات مع الجانب (الإسرائيلي) عن هذا العمق، وكانت النتيجة ابتزاز السلطة إلى أبعد حد، لتقديم التنازل تلو التنازل عن الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، مقابل الحصول على الدعم المالي لخزينتها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية