"حاملة الطائرات الأمريكية" في قبضة الليكود من جديد
مع نشوة النصر، سارع نتنياهو للكشف عن مكنونه الفكري الرافض لحل الدولتين وجدد ممارسة فوقية في التعامل مع التوجهات الأمريكية، مما يمكن أن يعزز عند البعض أنه قادر على تحدّي الإدارة الأمريكية. وهذا أيضا ما أوقع قادة السلطة الفلسطينية في حيص بيص، وهو ما دفع أوباما للتلويح بإعادة تقويم الدعم الأمريكي للكيان اليهودي. وهذه التطورات تدفع للحديث عن تداعيات فوز نتنياهو على العلاقة مع الإدارة الأمريكية وعملية السلام والملف النووي الإيراني.
وقبل بحث تلك التداعيات، لا بد من مراجعة "فرضيات" ومنطلقات علاقة الكيان الصهيوني مع أمريكا:
إذ تجري متابعة نتائج انتخابات كيان يهود وانعكاساتها على العلاقات مع أمريكا من قبل بعض المحللين والمتابعين من منطلقات سياسية قائمة على فرضيات خاطئة، منها أن اللوبي الصهيوني يهيمن على أمريكا! بل إن اليهود يسيطرون على العالم! ومن ثم فإن مصالح كيان يهود هي العليا لدى الأمريكان! ومنها أن الساسة الأمريكان "يؤمنون" بوجوب دعم كيان يهود من منطلقات دينية.
إن هذه الفرضيات تبطل تماما أمام تصريح بل "اعتراف" شارون القديم، والمتجدد على لسان وزير جيش الاحتلال الأسبق موشيه آرنس من أن "إسرائيل" "تمثل حاملة طائرات أمريكية ثابتة" (صحيفة فلسطين 17/2/2015)، ومن ثم فهو يعيد العلاقة بين الطرفين إلى سياقها الطبيعي، وهي أن دولة يهود تمثل لأمريكا دولة أداة تسخرّها لتحقيق مصالح أمنية وعسكرية، وهي محطة متقدمة لأمريكا في أية مواجهة مصيرية ممكنة مستقبلا مع المسلمين.
ولا شك أن هذه الفرضيات تبطل أيضا عند النظرة للخلفية التاريخية لنشأة هذا الكيان من قبل أوروبا للتخلص من شرور اليهود فيها، وليكون شرخا في جسد الأمة الإسلامية المتواصل، يعيق أية محاولة للُحمة والوحدة، ومن ثم تلقفته أمريكا واحتضنته بعد خروجها من عزلتها السياسية بعد منتصف القرن الماضي، وصارت هي صاحبة اليد الطولى في هذا المشروع الصهيوني.
لذلك فإن كلمة السر التي تختصر العلاقة الصحيحة بين الكيان اليهودي وأمريكا هي "المصلحة"، أو المصالح المتبادلة، وهي ليست مبدئية ولا دينية، وإن كانت تجمعها فوق ذلك كله حالة العداء المشترك للأمة الإسلامية والتخوف من نهضتها من كبوتها الطويلة. ولا يمكن فهم ما تؤول إليه الأمور بعد انتخابات كيان يهود دون هذه الحقيقة السياسية.
ولا شك أن الكيان اليهودي يدرك تمام الإدراك أنه لا يقوى على الصمود أمام الرفض النفسي والفكري لوجوده في المحيط الإسلامي خصوصا مع تلك الأمواج الثورية فيه إلا بحبل أمريكا، ودعمها السياسي والأمني. لذلك فإن نتنياهو يدرك تماما مساحة الدلال السياسي والمشاكسة التي يمكن أن يناور في حدودها، ولا يمكن أن يكسر جسر التواصل مع أمريكا، ولا يمكن أن يضحّي بفقدان عباءتها السياسية التي تغطي عورات كيانه في المحافل الدولية عند كل جريمة من جرائمه (مثل عدوانه على غزة، وتقرير جولدستون)، ولذلك سرعان ما تراجع عن تصريحه برفض حل الدولتين، بعدما لوّحت أمريكا بإعادة تقويم العلاقة والدعم لكيانه.
صحيح أن نتنياهو يتحرك بنفَس الدعم "الجمهوري" صاحب المصالح الانتخابية المناقضة لمصالح أوباما وحزبه الديمقراطي، ولكن ذلك النفَس السياسي "الجمهوري" سيقطع به حتما إذا ما قطع نتنياهو حبل الشد نحو حل الدولتين، لأنها رؤية أمريكية راسخة عند طرفي السياسة الأمريكية (الجمهوريين والديمقراطيين). ولذلك من المتوقع أن يعود نتنياهو إلى ضبط تصريحاته السياسية، ويجدد الحديث عن المفاوضات، والركض مع عملية السلام الأمريكية، ولكن دون قطع مسافات كما كان شأنه. وستبقى السلطة الفلسطينية في حالة ترقّب لفرصة جديدة، وتستمر في اللهث خلف سراب نتنياهو.
وصحيح أن نتنياهو يمكن أن يراهن على حالة البطة العرجاء التي ستدخل فيها أمريكا قريبا في سنة التحضير والتنافس للانتخابات الرئاسية فيها بعد أشهر، ومن ثم يمكن أن يسوّف ويؤجل للحصول على دلال أكبر، في حال فوز الحزب الجمهوري في أمريكا (حيث يلتقي معه في قاعدة القوة الصلبة وأسلوب الحسم العسكري). ولكن أمريكا سترغمه على متابعة السير في حل الدولتين، من خلال الضغط السياسي، والتحكم في محبس تدفق الدعم الاقتصادي والعسكري.
وفي المقابل، سيجد نتنياهو فرصة الهروب للأمام من أية استحقاقات فعلية للعملية السلمية من خلال إعادة التلويح بضرب إيران، والوقوف ضد نووي إيران، ومحاولة "تثوير" أوروبا ضد تحركات أمريكا في ترتيب الملف النووي الإيراني. ويبدو أن ترتيب الملف النووي الإيراني أولى عند أمريكا من تسريع حل الدولتين، خصوصا مع تزايد حاجة أمريكا للدور الإيراني في تأمين مصالحها في المنطقة، وخصوصا مع الواقع المتفجر في الشام.
ومن ثم فيمكن أن تتقبل أمريكا تعنت نتنياهو في المسيرة السلمية لتمرير الاتفاق مع إيران. ولكنها ستحرص مع ذلك على تحركات في المسيرة السلمية ولو شكلية ليبقى ملف القضية بيدها، ولتقطع الطريق على أية محاولة دولية – أوروبية - للاختراق.
ولذلك من المتوقع أن تستمر لعبة شد الحبال، بين الطرفين لفترة من الزمن. ومن الممكن أن يستعد نتنياهو ومؤيدوه في الآيباك لخدمة الجمهوريين في سباقهم الانتخابي في أمريكا. طبعا، ذلك كله منوط أيضا بتطورات الأوضاع في المنطقة، وما ستتمخض عنه ثورة الشام.
وهذه حسابات السياسة، ولكن الأيام حبلى بأقدار الأمم والشعوب، ولا زال أفق الأمة ملبدا بغيوم التغيير الجذري الذي يقلب تلك المعادلات السياسية في موعد لا يعلمه إلا الله.
د.ماهر الجعبري
مع نشوة النصر، سارع نتنياهو للكشف عن مكنونه الفكري الرافض لحل الدولتين وجدد ممارسة فوقية في التعامل مع التوجهات الأمريكية، مما يمكن أن يعزز عند البعض أنه قادر على تحدّي الإدارة الأمريكية. وهذا أيضا ما أوقع قادة السلطة الفلسطينية في حيص بيص، وهو ما دفع أوباما للتلويح بإعادة تقويم الدعم الأمريكي للكيان اليهودي. وهذه التطورات تدفع للحديث عن تداعيات فوز نتنياهو على العلاقة مع الإدارة الأمريكية وعملية السلام والملف النووي الإيراني.
وقبل بحث تلك التداعيات، لا بد من مراجعة "فرضيات" ومنطلقات علاقة الكيان الصهيوني مع أمريكا:
إذ تجري متابعة نتائج انتخابات كيان يهود وانعكاساتها على العلاقات مع أمريكا من قبل بعض المحللين والمتابعين من منطلقات سياسية قائمة على فرضيات خاطئة، منها أن اللوبي الصهيوني يهيمن على أمريكا! بل إن اليهود يسيطرون على العالم! ومن ثم فإن مصالح كيان يهود هي العليا لدى الأمريكان! ومنها أن الساسة الأمريكان "يؤمنون" بوجوب دعم كيان يهود من منطلقات دينية.
إن هذه الفرضيات تبطل تماما أمام تصريح بل "اعتراف" شارون القديم، والمتجدد على لسان وزير جيش الاحتلال الأسبق موشيه آرنس من أن "إسرائيل" "تمثل حاملة طائرات أمريكية ثابتة" (صحيفة فلسطين 17/2/2015)، ومن ثم فهو يعيد العلاقة بين الطرفين إلى سياقها الطبيعي، وهي أن دولة يهود تمثل لأمريكا دولة أداة تسخرّها لتحقيق مصالح أمنية وعسكرية، وهي محطة متقدمة لأمريكا في أية مواجهة مصيرية ممكنة مستقبلا مع المسلمين.
ولا شك أن هذه الفرضيات تبطل أيضا عند النظرة للخلفية التاريخية لنشأة هذا الكيان من قبل أوروبا للتخلص من شرور اليهود فيها، وليكون شرخا في جسد الأمة الإسلامية المتواصل، يعيق أية محاولة للُحمة والوحدة، ومن ثم تلقفته أمريكا واحتضنته بعد خروجها من عزلتها السياسية بعد منتصف القرن الماضي، وصارت هي صاحبة اليد الطولى في هذا المشروع الصهيوني.
لذلك فإن كلمة السر التي تختصر العلاقة الصحيحة بين الكيان اليهودي وأمريكا هي "المصلحة"، أو المصالح المتبادلة، وهي ليست مبدئية ولا دينية، وإن كانت تجمعها فوق ذلك كله حالة العداء المشترك للأمة الإسلامية والتخوف من نهضتها من كبوتها الطويلة. ولا يمكن فهم ما تؤول إليه الأمور بعد انتخابات كيان يهود دون هذه الحقيقة السياسية.
ولا شك أن الكيان اليهودي يدرك تمام الإدراك أنه لا يقوى على الصمود أمام الرفض النفسي والفكري لوجوده في المحيط الإسلامي خصوصا مع تلك الأمواج الثورية فيه إلا بحبل أمريكا، ودعمها السياسي والأمني. لذلك فإن نتنياهو يدرك تماما مساحة الدلال السياسي والمشاكسة التي يمكن أن يناور في حدودها، ولا يمكن أن يكسر جسر التواصل مع أمريكا، ولا يمكن أن يضحّي بفقدان عباءتها السياسية التي تغطي عورات كيانه في المحافل الدولية عند كل جريمة من جرائمه (مثل عدوانه على غزة، وتقرير جولدستون)، ولذلك سرعان ما تراجع عن تصريحه برفض حل الدولتين، بعدما لوّحت أمريكا بإعادة تقويم العلاقة والدعم لكيانه.
صحيح أن نتنياهو يتحرك بنفَس الدعم "الجمهوري" صاحب المصالح الانتخابية المناقضة لمصالح أوباما وحزبه الديمقراطي، ولكن ذلك النفَس السياسي "الجمهوري" سيقطع به حتما إذا ما قطع نتنياهو حبل الشد نحو حل الدولتين، لأنها رؤية أمريكية راسخة عند طرفي السياسة الأمريكية (الجمهوريين والديمقراطيين). ولذلك من المتوقع أن يعود نتنياهو إلى ضبط تصريحاته السياسية، ويجدد الحديث عن المفاوضات، والركض مع عملية السلام الأمريكية، ولكن دون قطع مسافات كما كان شأنه. وستبقى السلطة الفلسطينية في حالة ترقّب لفرصة جديدة، وتستمر في اللهث خلف سراب نتنياهو.
وصحيح أن نتنياهو يمكن أن يراهن على حالة البطة العرجاء التي ستدخل فيها أمريكا قريبا في سنة التحضير والتنافس للانتخابات الرئاسية فيها بعد أشهر، ومن ثم يمكن أن يسوّف ويؤجل للحصول على دلال أكبر، في حال فوز الحزب الجمهوري في أمريكا (حيث يلتقي معه في قاعدة القوة الصلبة وأسلوب الحسم العسكري). ولكن أمريكا سترغمه على متابعة السير في حل الدولتين، من خلال الضغط السياسي، والتحكم في محبس تدفق الدعم الاقتصادي والعسكري.
وفي المقابل، سيجد نتنياهو فرصة الهروب للأمام من أية استحقاقات فعلية للعملية السلمية من خلال إعادة التلويح بضرب إيران، والوقوف ضد نووي إيران، ومحاولة "تثوير" أوروبا ضد تحركات أمريكا في ترتيب الملف النووي الإيراني. ويبدو أن ترتيب الملف النووي الإيراني أولى عند أمريكا من تسريع حل الدولتين، خصوصا مع تزايد حاجة أمريكا للدور الإيراني في تأمين مصالحها في المنطقة، وخصوصا مع الواقع المتفجر في الشام.
ومن ثم فيمكن أن تتقبل أمريكا تعنت نتنياهو في المسيرة السلمية لتمرير الاتفاق مع إيران. ولكنها ستحرص مع ذلك على تحركات في المسيرة السلمية ولو شكلية ليبقى ملف القضية بيدها، ولتقطع الطريق على أية محاولة دولية – أوروبية - للاختراق.
ولذلك من المتوقع أن تستمر لعبة شد الحبال، بين الطرفين لفترة من الزمن. ومن الممكن أن يستعد نتنياهو ومؤيدوه في الآيباك لخدمة الجمهوريين في سباقهم الانتخابي في أمريكا. طبعا، ذلك كله منوط أيضا بتطورات الأوضاع في المنطقة، وما ستتمخض عنه ثورة الشام.
وهذه حسابات السياسة، ولكن الأيام حبلى بأقدار الأمم والشعوب، ولا زال أفق الأمة ملبدا بغيوم التغيير الجذري الذي يقلب تلك المعادلات السياسية في موعد لا يعلمه إلا الله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية