حديث الصناديق والحشود!
لمى خاطر
صعود الإسلاميين في العالم العربي كقوة لها حضور شعبي لم يبدأ بعد أو بالتزامن مع الربيع العربي، بل كانت بداية تحول المزاج العام لصالح الإسلاميين منذ مطلع التسعينيات، لكن باكورة ذلك الصعود التي ترجمت نفسها في انتخابات الجزائر حينها؛ و ووجهت بالقمع والإقصاء والانقلاب على نتائج (الديمقراطية) التي تنظّر لها (قولاً لا فعلاً) كل التيارات العلمانية في العالم العربي.
وما جرى مع حماس بعد فوزها في الانتخابات، وما يجري الآن في مصر من حشد لمختلف الأزمات يعبّر عن فكرة واحدة وتقف وراءها الجهات ذاتها التي ما زالت لا تستوعب أن يُسمح لأي تيار إسلامي بأن يقدّم تجربته بسلاسة ودون عراقيل.
ويبدو الآن واضحاً وجليّاً أن غالبية القوى المناوئة للإسلاميين في مصر اختارت أن تنتهج سياسة الإفشال والشغب، منذ ظهور نتائج الانتخابات؛ فلا هي قبلت بالمشاركة في الحكم يوم عُرض عليها المشاركة في مؤسسة الرئاسة، وفي رئاسة الحكومة والمشاركة فيها، ولا هي رضيت أن يحكم الإسلاميون وحدهم!
وتعلم تلك القوى في غالبيتها أن كلمة الصناديق ليست في صالحها، و لذلك فهي تحاول فرض قواعد جديدة للعبة يُستبعد فيها الإسلاميون عنوة ولا يتاح لهم العودة من بوابة الانتخابات، ولذلك كان اللجوء لخيار الشارع رغم أن الرئيس المصري لم يُمض سوى عام في الرئاسة، بعد أن وصلها عبر انتخابات شاركت فيها جميع القوى، ولم يقاطعها أيّ تيار.
ويُفترض أن يكون مفهوماً بأن التقاليد الديمقراطية التي ارتضى مجموع القوى السياسية أن يحتكم لها لا تستوعب التنكّر لإفرازاتها إن لم تعجب الفريق الخاسر، مثلما أن تلك التقاليد تقضي بأن يُتاح للفريق الناجح أن يأخذ فرصته في الحكم وفي عرض تجربته دون عراقيل أو مشاغبات ميدانية مستمرّة، تنادي بالانقلاب على نتائج عملية انتخابية شارك الجميع في صنعها!
إن كلمة الحشد لا تكفي وحدها لتقرّر معالم المستقبل السياسي أو لفرض قواعد جديدة للعبة في ظلّ حكم يقرّ بمبادئ التعددية وتداول السلطة، فكيف إذا كان الحشد له حشد مقابل يستنكر العدوان على قراره الانتخابي واختياره السياسي؟! ففي حال فرض الفريق الخاسر في الانتخابات كلمة حشده من خلال الشارع، فإن عليه تحمّل تبعات ردّة فعل الفريق الآخر الذي يلمس محاولة إنكار خياره رغم أنه يمثّل الأغلبية، ثم إنه سيمتلك الحقّ بأن يعيد كرّة الرفض والانقلاب على نتائج الصناديق في حال مالت لصالح منافسيه في أية عملية انتخابية أخرى.
إن الشارع يكون حلّاً للأزمات السياسية مع نظم مستبدة تحتكر الحكم والسلطة، وتمارس القمع والترهيب بحقّ مخالفيها، أو تزوّر إرادة الناس الحرّة، أما الأنظمة المنتخبة، والمحافظة على قواعد القانون والدستور، فلا يغيّرها إلا انتخابات جديدة، بعد أن تأخذ فرصتها الطبيعية في الحكم. ومن العجيب أن تنصرف مطالب المعارضة المصرية عن الانتخابات البرلمانية نحو الإصرار على إسقاط الرئيس ونزع الشرعية عنه، دونما اعتبار لكلمة وخيار الملايين التي انتخبته وما زالت تنادي ببقائه حتى يكمل مدّته الدستورية، مع أن الأولى بها أن تركّز جهودها لحصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وهو ما سيعطيها شرعية لفرض أي تغيير سياسي!
من جهة أخرى، فالحشود التي يمكن التعويل عليها لإحداث التغيير هي تلك التي تتحدّى القهر والقمع، وتناهض الحاكم رغم سلاطة سيفه وشدة بطشه، لأنها في تلك الحالة تكون ذات قضية عادلة، ومطالب لم تفلح الخيارات الانتخابية في ترجمتها، وهنا يمكن الادعاء أنها تمثّل الأغلبية الصامتة المقهورة. أما الجماهير التي خرجت في مصر فهي لا تخشى المساءلة أو المحاسبة كونها غير موجودة، بل هناك من يحمل السلاح على مرأى ومسمع من عناصر الشرطة وأمام مقراتها. فضلاً عن أن الرئيس المصري محمد مرسي لم يفتك بمخالفيه ولا انقلب على التقاليد الديمقراطية أو فرض نظام حكم حديدي، بل إن حزبه ما زال يتعرّض للاضطهاد والأذى من خصومه حتى وهو في الحكم. ولذلك فإن جمهوره المنادي ببقائه والغاضب من محاولات الانقلاب على خياره يؤيده بقناعة مطلقة وليس بدافع الانتفاع أو المصلحة، كما هو حال الطبقة التقليدية التي تلتصق بأي نظام وتنتفع من وجوده!
وقد أحسن الإسلاميون في مصر حين اعتصموا في الميادين، وجسّدوا فكرة "ميدان بميدان".. وهم الذين شاهدوا كثيراً وعلى مرّ السنوات السابقة تجارب انقلاب على الإسلاميين وإفشال لهم بعد وصولهم للحكم، ولو تركوا الميدان هذه المرّة وجلسوا في بيوتهم يراقبون المشهد لتغوّل خصومهم عليهم، ولكانت الصورة الإعلامية للمشهد الأحادي مضرّة بمعنوياتهم!
وما دام مفروغاً منه أن مرسي لم يحصل على أغلبية ساحقة في الانتخابات، فمن الطبيعي أن تكون هناك جماهير كبيرة تنادي برحيله إذا ما أتاح لها النظام أن تحتجّ براحتها ودون قمع أو مضايقة، لكنّ أحداً لا يملك القول إن المحتجين يمثلون غالبية الجمهور المصري (الكبير أصلا(، فكلمة الأغلبية تقرّرها الصناديق فقط حين يحين موعد التغيير، أما من يطالب بنسف قواعد اللعبة الديمقراطية كلّها فعليه أن يتحمّل النتائج اللاحقة مهما كانت مريرة!
لمى خاطر
صعود الإسلاميين في العالم العربي كقوة لها حضور شعبي لم يبدأ بعد أو بالتزامن مع الربيع العربي، بل كانت بداية تحول المزاج العام لصالح الإسلاميين منذ مطلع التسعينيات، لكن باكورة ذلك الصعود التي ترجمت نفسها في انتخابات الجزائر حينها؛ و ووجهت بالقمع والإقصاء والانقلاب على نتائج (الديمقراطية) التي تنظّر لها (قولاً لا فعلاً) كل التيارات العلمانية في العالم العربي.
وما جرى مع حماس بعد فوزها في الانتخابات، وما يجري الآن في مصر من حشد لمختلف الأزمات يعبّر عن فكرة واحدة وتقف وراءها الجهات ذاتها التي ما زالت لا تستوعب أن يُسمح لأي تيار إسلامي بأن يقدّم تجربته بسلاسة ودون عراقيل.
ويبدو الآن واضحاً وجليّاً أن غالبية القوى المناوئة للإسلاميين في مصر اختارت أن تنتهج سياسة الإفشال والشغب، منذ ظهور نتائج الانتخابات؛ فلا هي قبلت بالمشاركة في الحكم يوم عُرض عليها المشاركة في مؤسسة الرئاسة، وفي رئاسة الحكومة والمشاركة فيها، ولا هي رضيت أن يحكم الإسلاميون وحدهم!
وتعلم تلك القوى في غالبيتها أن كلمة الصناديق ليست في صالحها، و لذلك فهي تحاول فرض قواعد جديدة للعبة يُستبعد فيها الإسلاميون عنوة ولا يتاح لهم العودة من بوابة الانتخابات، ولذلك كان اللجوء لخيار الشارع رغم أن الرئيس المصري لم يُمض سوى عام في الرئاسة، بعد أن وصلها عبر انتخابات شاركت فيها جميع القوى، ولم يقاطعها أيّ تيار.
ويُفترض أن يكون مفهوماً بأن التقاليد الديمقراطية التي ارتضى مجموع القوى السياسية أن يحتكم لها لا تستوعب التنكّر لإفرازاتها إن لم تعجب الفريق الخاسر، مثلما أن تلك التقاليد تقضي بأن يُتاح للفريق الناجح أن يأخذ فرصته في الحكم وفي عرض تجربته دون عراقيل أو مشاغبات ميدانية مستمرّة، تنادي بالانقلاب على نتائج عملية انتخابية شارك الجميع في صنعها!
إن كلمة الحشد لا تكفي وحدها لتقرّر معالم المستقبل السياسي أو لفرض قواعد جديدة للعبة في ظلّ حكم يقرّ بمبادئ التعددية وتداول السلطة، فكيف إذا كان الحشد له حشد مقابل يستنكر العدوان على قراره الانتخابي واختياره السياسي؟! ففي حال فرض الفريق الخاسر في الانتخابات كلمة حشده من خلال الشارع، فإن عليه تحمّل تبعات ردّة فعل الفريق الآخر الذي يلمس محاولة إنكار خياره رغم أنه يمثّل الأغلبية، ثم إنه سيمتلك الحقّ بأن يعيد كرّة الرفض والانقلاب على نتائج الصناديق في حال مالت لصالح منافسيه في أية عملية انتخابية أخرى.
إن الشارع يكون حلّاً للأزمات السياسية مع نظم مستبدة تحتكر الحكم والسلطة، وتمارس القمع والترهيب بحقّ مخالفيها، أو تزوّر إرادة الناس الحرّة، أما الأنظمة المنتخبة، والمحافظة على قواعد القانون والدستور، فلا يغيّرها إلا انتخابات جديدة، بعد أن تأخذ فرصتها الطبيعية في الحكم. ومن العجيب أن تنصرف مطالب المعارضة المصرية عن الانتخابات البرلمانية نحو الإصرار على إسقاط الرئيس ونزع الشرعية عنه، دونما اعتبار لكلمة وخيار الملايين التي انتخبته وما زالت تنادي ببقائه حتى يكمل مدّته الدستورية، مع أن الأولى بها أن تركّز جهودها لحصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وهو ما سيعطيها شرعية لفرض أي تغيير سياسي!
من جهة أخرى، فالحشود التي يمكن التعويل عليها لإحداث التغيير هي تلك التي تتحدّى القهر والقمع، وتناهض الحاكم رغم سلاطة سيفه وشدة بطشه، لأنها في تلك الحالة تكون ذات قضية عادلة، ومطالب لم تفلح الخيارات الانتخابية في ترجمتها، وهنا يمكن الادعاء أنها تمثّل الأغلبية الصامتة المقهورة. أما الجماهير التي خرجت في مصر فهي لا تخشى المساءلة أو المحاسبة كونها غير موجودة، بل هناك من يحمل السلاح على مرأى ومسمع من عناصر الشرطة وأمام مقراتها. فضلاً عن أن الرئيس المصري محمد مرسي لم يفتك بمخالفيه ولا انقلب على التقاليد الديمقراطية أو فرض نظام حكم حديدي، بل إن حزبه ما زال يتعرّض للاضطهاد والأذى من خصومه حتى وهو في الحكم. ولذلك فإن جمهوره المنادي ببقائه والغاضب من محاولات الانقلاب على خياره يؤيده بقناعة مطلقة وليس بدافع الانتفاع أو المصلحة، كما هو حال الطبقة التقليدية التي تلتصق بأي نظام وتنتفع من وجوده!
وقد أحسن الإسلاميون في مصر حين اعتصموا في الميادين، وجسّدوا فكرة "ميدان بميدان".. وهم الذين شاهدوا كثيراً وعلى مرّ السنوات السابقة تجارب انقلاب على الإسلاميين وإفشال لهم بعد وصولهم للحكم، ولو تركوا الميدان هذه المرّة وجلسوا في بيوتهم يراقبون المشهد لتغوّل خصومهم عليهم، ولكانت الصورة الإعلامية للمشهد الأحادي مضرّة بمعنوياتهم!
وما دام مفروغاً منه أن مرسي لم يحصل على أغلبية ساحقة في الانتخابات، فمن الطبيعي أن تكون هناك جماهير كبيرة تنادي برحيله إذا ما أتاح لها النظام أن تحتجّ براحتها ودون قمع أو مضايقة، لكنّ أحداً لا يملك القول إن المحتجين يمثلون غالبية الجمهور المصري (الكبير أصلا(، فكلمة الأغلبية تقرّرها الصناديق فقط حين يحين موعد التغيير، أما من يطالب بنسف قواعد اللعبة الديمقراطية كلّها فعليه أن يتحمّل النتائج اللاحقة مهما كانت مريرة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية