حركة "حماس" الغائب الحاضر في الانتخابات البلديّة!
صلاح حميدة
قررت حركة " حماس" مقاطعة الانتخابات البلديّة في الضّفّة الغربيّة، والظّاهر أنّها أعطت جمهورها حرّيّة المشاركة أو المقاطعة حسب ما يرونه مناسباً أو يقترب من تحقيق الخدمة العامّة، أو الأقرب قلبيّاً لذلك الجمهور، ولعل حركة "فتح" تنبّهت لهذه النقطة على وجه التحديد، وحرصت على أن يتمّ حسم الانتخابات ب " التّزكية" حتى لا تدع مجالاً لحركة " حماس" لتدعم قوائم للمستقلّين مما قد يؤدّي لمفاجآت، واشتكى قيادي فتحاوي – زياد أبو زياد- من سياسة "الضّغط "على القوائم المنافسة ل"فتح" للانسحاب من أمامها، لأنّ الأصل في الانتخابات أن تترك خصومك يشكّلون قوائمهم وينافسونك في الصّندوق، لا أن تمنعهم من التّرشّح للانتخابات تحت حجّة أنهم مدعومون من " حماس" أو من غيرها، فقد انسحب الكثير من المرشحين للانتخابات في القوائم المنافسة لحركة "فتح" عند صباح اليوم التالي من اتفاقهم على تشكيل القوائم، ولذلك اضطر عدد من الكتل الانتخابيّة في منطقة معيّنة لتكملة الحد الأدنى المطلوب للقائمة بزوجاتهم وأبنائهم وأقاربهم، كما ذكرت مصادر مختلفة، وهذا أدّى لتشكيل قوائم انتخابية دون المستوى المطلوب في الكثير من المناطق.
الناطق بلسان حركة "فتح" قال إنّ حركة "حماس" شاركت في بعض المناطق في الانتخابات لدعم قوائم منافسة لحركة "فتح"، والظّاهر أنّ جمهور " حماس" قام بدعم بعض القوائم الانتخابيّة المنافسة في نابلس ورام الله وغيرهما كتصويت عقابي لحركة "فتح" كما تشير بعض التحليلات والتصريحات الفتحاوية.
من الملاحظ أن جمهور "حماس" عاقب اليسار الفلسطيني أيضاً، فقد اعتبر اليسار أنّ لجوء الجمهور لانتخاب حركة"حماس" في الانتخابات السابقة كان لأنّهم لا يريدون انتخاب " فتح" وأنّ الفرصة مواتية لاقتناص الأصوات التي لا تريد " فتح" وتلك النّاقمة عليها، وأنّ الوقت حان للفوز بنصيب كبير من المقاعد في الانتخابات البلديّة، هنا أخفق اليسار في تقدير الأمور، فالبرنامج السياسي ل " فتح" هو البرنامج السياسي لمنظّمة التّحرير، وبالتالي لا فرق بين اليسار واليمين في منظمة التحرير بالنّسبة للجمهور، كما أنّ جمهور "حماس" رأى أنّ اليسار شجّع ودفع حركة " فتح" لتنظيم انتخابات بلا " حماس" في محاولة " انتهازيّة" لتحقيق مكاسب على حساب إقصاء وتغييب " حماس من المشهد الانتخابي، وبالتالي لا يمكن مكافأة اليسار على موقفه الانتهازي، حسب جمهور " حماس" الانتخابي.
يحسب لحركة "فتح" تعاملها مع موضوع الانتخابات بجدّيّة بالغة، واعتبرت منافستها مع قوائم اليسار والمستقلين معارك مصيريّة، وجنّدت الحركة كل عوامل قوّتها ومؤسّسات و إعلام، ولم تترك الآلة الإعلاميّة الفتحاوية وسيلةً إلا استخدمتها لحشد النّاخبين، ولكن عضو المجلس الاستشاري للحركة – نبيل عمرو- رأى أنّ النّتائج مقلقة جدّاً، معتبراً الواقع الّذي أفرزته الانتخابات لا علاقة له بالفوز، قد يكون هذا الموقف نابع من مناكفة داخليّة، أو بناءً على قراءة لنسبة المشاركة التي تقارب النّصف فقط ونسبة المقاطعة العالية للتّسجيل للانتخابات، ولفوز قوائم " المطرودين" من الحركة على " الطّاردين" كما قال.
في بعض المناطق قام عدد لا يستهان به من النّاخبين بإبطال بطاقاتهم الانتخابيّة – حسب مراقبين من داخل اللجان وممثلين لكتل انتخابيّة – وهذا يدل على أنّ بعض الناس اختار أن يغادر دائرة الضّغوط المختلفة ويشارك عبر إبطال صوته حتّى لا يحسب على المقاطعين، بالاضافة إلى لجوء ما يقارب من نصف القادرين على الانتخاب إلى الاعتكاف في بيوتهم أو أعمالهم وعدم الانتخاب، وهذا يدلل على أنّ قطاعاً واسعاً من الجمهور يرفض المشاركة في الانتخابات بصيغتها الحاليّة، يضاف لهم من رفضوا التّسجيل للانتخابات من الأصل وعددهم أكثر من ضعف عدد المسجّلين في الانتخابات الحاليّة، وهذا يدلل على عمق الأزمة وضعف الثّقة من قبل النّاخبين في أهمّيّة المشاركة في الانتخابات، وهؤلاء ليسوا كلّهم من جمهور " حماس" بل من عائلات وجهات رأت أنّه تمّ تهميشها في تشكيلات القوائم أو " التزكية" التي تمّت، وهذا مؤشّر لاحتقان مكتوم أقترح على من يهمّهم الأمر أن يدرسوه بعناية، فبالرغم من أنّ المقاطعين للتسجيل والانتخاب ومن أبطلوا أصواتهم ليسوا كلهم من حركة " حماس" وجمهورها، إلا أنّهم تبنّوا موقف "حماس" من الانتخابات.
أمين سر المجلس التشريعي النائب محمود الرمحي عن كتلة الاصلاح والتغيير قال: أنّ سلام فياض رفض إعطاء ضمانات لحركة "حماس" للمشاركة بلا ملاحقة، وقال: أنّ منسق كتلته في لجنة الانتخابات المركزية معتقل لدوره هذا، وأنّ حركته رفضت المشاركة في الانتخابات لأنّه ستخوضها تحت الاستهداف، فمن سيجرؤ على العمل تحت الملاحقة، ومن سيعمل للانتخابات وهو معرض للاعتقال؟ وكيف ستشارك "حماس" في انتخابات وممنوع عليها التمويل الذي يعتبر في عرف حكومة فياض "غسيل أموال" ونشاط الحركة التنظيمي محظور؟ كما قال الرّمحي بالاجمال.
تنافست حركة "فتح" والعائلات وبعض الفصائل اليساريّة على جمهورها في انتخابات ليس فيها إلا برنامج سياسي واحد، ومن التّسطيح أن نحمّلها أكثر مما تحتمل، وهي وصفة جاهزة لتجديد الملاسنات الإعلاميّة أحياناً.
أثبتت الانتخابات الأخيرة أنّ حركة " حماس" حاضرة وإن غابت أو غُيِّبت، فقد حضرت في التّصويت وحضرت في المقاطعة والإبطال، كما أظهرت أنّ الانتخابات بوصفتها الحاليّة ليست علاجاً للازمة الفلسطينيّة، فهي من أشعل شرارة الانقسام عامي 2005-2006م، ولكن أرضيّة الإشعال كانت قابعة في الدّاخل الفلسطيني منذ توقيع اتفاق أوسلو، وهو اتفاق جعل من الفلسطينيين أعداء، و يتجدّد هذا العداء ويترسّخ - سياسيّاً وعائلياً واجتماعيّاً - كلّما أشعلنا ماكينة الانتخابات بدون حل المشكلة الجوهريّة بأنّنا تحت الاحتلال، ومن الضروري أن يتفق الجميع على مشروع وطني متّفق عليه لتحريرنا وكسر قيودنا، لا أن يقوم على القبول بالاحتلال وإفرازاته، والانقسام سيبقى مترسّخاً طالما لم نتفق على الخروج الجماعي الآمن من اتفاق أوسلو.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية