حرية الإرادة أغلى من حرية الجسد
بقلم / رياض خالد الأشقر مدير الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى والمحررين
من قال بان الفراق صعب لم يكذب ، ولكنه لم يذق الأمر الأصعب من الفراق ، وهو ألا يتمكن الإنسان من أن يلقى نظرة أخيرة "نظرة الوداع " على من يحب قبل أن يوارى الثرى ، وهذا الشعور يخلق إحساساً مختلطاً داخل الإنسان ما بين الغضب والحزن والعجز واليأس ، هذا الخليط من المشاعر المتناقضة من الصعب أن يجتمع في إنسان واحد إلا إن كان هذا الشخص هو أسير فاقد لحريته لا يملك من أمره شيئاً .
لا يكاد يمر يوم أو يومين حتى نسمع عن وفاه والدة أو والد أسير حسرة وكمداً على ابنها الذي أكاد اجزم أنها لفظت أنفاسها الأخيرة وهى تتمنى أن تكحل عينيها برؤيته ولو للحظة واحدة ، وقد تكون مر عليها سنوات لم تراه كوالده الأسير عباس السيد المحكوم بالسجن المؤبد 47 مرة ، التي توفيت وهى محرومة من زيارته لست سنوات كاملة ، وكانت زارته أخر مرة لمدة نصف ساعة فقط ، وتم نقلها إلى السجن بسيارة إسعاف ، وكان هذا الأسير المثقل بالهموم ينقصه هذا الخبر الحزين ليضاف إلى القائمة الطويلة من الأحزان التي تملئ أيامه القاسية جراء أوضاع المعيشة القاهرة في سجون الاحتلال والممارسات التعسفية التي لا تتوقف ولو للحظة واحدة .
لك أن تتخيل كيف يشعر هذا الأسير خلف القضبان عندما يصل إليه نبأ فقدان أبيه أو أمه ، ومع أن الشعور بالحزن هو الذي يسود تلك المواقف إلا أن هذا الأسير البطل لا يظهر عليه سوى التماسك والصلابة وقوة الإرادة وكأنه يقول للسجان لن تفرح بانكسارنا حتى في هذه اللحظات الأليمة ، ولن نعطيك فرصة للشماتة بلحظة ضعف حتى لو كانت نتيجة فقدان أغلى الغوالي ، ولا يقصر رفقاء القيد في مثل هذه الحالات فيلتفون حول الأسير ويقيمون له خيمة عزاء ، ويشغلونه عن التفكير في الأمر ليهونوا عليه هذا المصاب الجلل ، وحزن الأسير في مثل هذه المواقف مزدوج ، فهو يحزن لعدم تمكنه من وداع الأحبة قبل الرحيل الأخير ، والوجه الأخر هو شعوره بالمسئولية عن عدم تلبيه الرغبة الأخيرة فى النزع الأخير وهو رؤية الابن الأسير قبل الموت .
ما أعظم هؤلاء الأسرى وما أحوجنا نحن الطلقاء بأجسادنا الأسرى بعزائمنا أن نحمل تلك الإرادة القوية التي يتمتعون بها ، والتي تكاد أن تهد الجبال كما ردت ذلك السجان المدجج بالسلاح على أعقابه خائباً خاسراً لم ينل خيرا .
قصص أهالي الأسرى الذين صبروا وتحملوا عناء اسر أبنائهم يجب أن تسجل بمداد من ذهب ، وإلا كيف سينسى لنا التاريخ إن نسينا الحاجة "عطاف القواسمى" التي انتقلت إلى جوار ربها تشكو له ظلم الذين يدعون كذباً تمسكهم بحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات ، وتركت خلفها ثلاثة أبناء أسرى هم "طارق وعماد وإياد" كانت أخر كلماتها قبل أن تغيب عن الوعي وتفارق دار الظلم إلى دار العدل " أتمنى أن أشوف أولادي قبل أن أموت " ، ولا يجب أن ننسى الحاج "محمد عساكر" والد الأسير "خالد" احد الأسرى القدامى ،الذي كان يواجه السجانين أثناء الزيارة بكل عنفوان وشموخ بعصاه الذي يتوكأ عليها ،وقد بلغ من العمر عتيا ، وكذلك الحاج "مصطفى اللوح" والد الأسير "حسين" الذي فارق الحياة وهو لم يره والده منذ 3 سنوات ، كحال كافة أهالي أسرى قطاع غزة المحرومين من الزيارة بشكل جماعي ، ولا يجب أن ننسى صلابة وإيمان قائد شهداء الأقصى "ناصر عويص" الذي أوصى محاميه أن يبلغ تعازيه إلى كافة أفراد العائلة بعد أن ابلغه بوفاة والده الحاج" محمود" فاخذ زمام المبادرة من المحامى الذي كان يتلعثم ويتردد في إيصال الخبر إلى الأسير الصابر .
لكم الله يا أسرانا وانتم تحتسون كأس الفراق المر ولكنكم تعضون على الجراح ، وكأنكم تقولون لنا بان الحرية ليست حرية الجسد كما يعتقد البعض إنما هي حرية الكرامة وحرية الإرادة ، فهناك مئات الملايين من البشر أحرار الجسد ولكنهم معدومي الكرامة مأسوري الإرادة .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية