حزب الله انتقم وإسرائيل طوت الصفحة
محمد منصور
تبنى حزب الله استهداف موكب عسكري إسرائيلي في منطقة مزارع شبعا اللبنانية التي تحتلها إسرائيل، وجاء في بيان الحزب أنّ هذه العملية من تنفيذ كتيبة تدعى "مجموعة شهداء القنيطرة"، في إشارة إلى أن العملية جاءت ردا على غارة إسرائيلية، قبل نحو أسبوع، استهدفت عددا من قيادات الحزب وضابطا إيرانيا رفيع المستوى في منطقة القنيطرة السورية الحدودية مع اسرائيل.
اعترفت إسرائيل بمقتل اثنين من جنودها، وأبلغت مجلس الأمن الدولي أنها ستتخذ كل الإجراءات التي تمكنها من "الدفاع عن نفسها" بعد الهجوم، وأنّها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هجمات حزب الله.
هذه العملية، في تعليق أولي عليها، هي خطوة كبرى في الاتجاه الصحيح بالنسبة لحزب الله، كي يعيد ضبط وجهة سلاحه، وصياغة العلاقة من جديد مع شركائه الحقيقيين والفاعلين في مقاومة الاحتلال الصهيوني، ويسعى معهم لإنهاء كل الخلافات الممكن إنهاؤها نتيجة موفقه وموفقهم من الثورة السورية، وتصدير التناقض الرئيس مع الاحتلال الصهيوني.
فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الذي تديره حركة حماس، تلقّفت هذه العملية بترحيب كبير دلالته واضحة؛ دعوة لطي صفحة الخلاف والتوحّد في مواجهة العدو الصهيوني.
أحسن حزب الله اقتناص الظرف السياسي الراهن، وأصاب في قصف دورية الاحتلال أكثر من هدف؛ فقد انتقم لقادته الذين اغتيلوا في سورية، ونفّذ وعيده، وأربك صانع القرار الإسرائيلي، كما خلط الأوراق التي كانت مرتّبة للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المزمعة في شهر آذار مارس المقبل.
ويحسب لهذه العملية النوعية، أنّها جاءت على أراضٍ لبنانية محتلة، وهو الأمر الذي من شأنه دفع معظم القوى السياسية اللبنانية إلى عدم معارضتها، كذلك فعلت الحكومة اللبنانية نفسها حين قالت على لسان وزارة الخارجية إن عملية حزب الله، استهدفت قافلة عسكرية إسرائيلية "متواجدة في الأراضي اللبنانية المحتلّة"، مؤكدة تمسك لبنان بالقرار الدولي 1701، "حماية له من الاعتداءات الإسرائيلية".
ومن المصادفات التي خدمت الحزب مقتل جندي من الكتيبة الإسبانية، العاملة ضمن "اليونيفيل"، في القصف الذي استهدف مناطق داخل الأراضي اللبنانية، ما يضغط على إسرائيل أمام المجتمع الدولي بعد أن فقدت القدرة على التمييز بين مسلحين تابعين للحزب، وقوات أممية، وهو ما يوفر أيضا هامشاً للحراك الدبلوماسي اللبناني الساعي لاحتواء التوتر.
بالنسبة لإسرائيل فإن العملية واحتمال الرد الموسّع عليها مسألة باهظة التكاليف؛خاصّة وأن الأحزاب الإسرائيلية على أبواب انتخابات برلمانية مبكرة، وآخر ما يحتاجه المتنافسون الكبار فيها هو المزاودات، ولا يختلف اثنان على أن الوضع الانتخابي لبنيامين نتنياهو أكثر هشاشة من احتمال ردّ موسّع يغيّر قواعد اللعبة على جبهة حزب الله، ثم صواريخ تسقط على المدن والبلدات الإسرائيلية عشيّة الانتخابات.
وذلك فضلاً عن أن خوض حرب تتجاوز الجنوب إلى بيروت من قبل إسرائيل، صار يستوجب حسبة سياسية إقليمية ودولية بالغة التعقيد، في ظل استمرار الحرب في سورية، والوضع الجيوسياسي القديم المتجدد للبنان.
وفي قلب هذا المشهد النضالي، جرح كبير دامٍ، عناوينه صارت أكثر من أن تُعَد، منها "مخيم اليرموك" الفلسطيني الساكن جنوبَ دمشق، صاحب اليد البيضاء على المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال عبر عقود، معقل لشهداء نفّذوا عمليات بطولية ضد الصهاينة. محاصَر حتى الموت من قوات النظام السوري الذي يدعمه حزب الله بالرجال والعتاد العسكري، أليست صدور المحتلّين أولى بهذا الرصاص؟!
على حزب الله أن يتخلّص من فكرةٍ ستصيبه، حال استمرارها، بمقتل إستراتيجي، وهي اعتبار حربه في سوريا جزءا من حربه المصيرية ضد الاحتلال، بينما واقع الحال يكرّس حقيقة لا تخطئها عين؛ وهي أن استمرار الصراع في سوريا بهذا الشكل، وتمسّك الأسد بالسلطة ولو على جثث الشعب بأكلمه، ما هي إلا مصلحة لا تعوّض لإسرائيل، وإذا كانت ضربة اليوم تشكل ردّا تكتيكياً في السياق العام للصراع، فإن استمرار الحرب في سوريا ومآلاتها المرعبة التي تنشأ في كل يوم يمتدّ فيه الصراع أكثر، هي السيناريو الذي ترسم على أساسه دولة الاحتلال رؤاها الإستراتيجية، وبالتالي فإسرائيل مستعدة لتحمّل ضربات الحزب، وابتلاعها بصمت، كي لا تفتح خط مواجهة تؤدي إلى سحب حزب الله قواته من سوريا.
أجمل ما في المشهد أن العملية البطولية ضربت وأوجعت الاحتلال، وأقسى ما فيه أنها جاءت ردا على ضربة إسرائيلية ضد قيادات لحزب الله كانت تقاتل في سورية وليس في فلسطين أو جنوب لبنان.
محمد منصور
تبنى حزب الله استهداف موكب عسكري إسرائيلي في منطقة مزارع شبعا اللبنانية التي تحتلها إسرائيل، وجاء في بيان الحزب أنّ هذه العملية من تنفيذ كتيبة تدعى "مجموعة شهداء القنيطرة"، في إشارة إلى أن العملية جاءت ردا على غارة إسرائيلية، قبل نحو أسبوع، استهدفت عددا من قيادات الحزب وضابطا إيرانيا رفيع المستوى في منطقة القنيطرة السورية الحدودية مع اسرائيل.
اعترفت إسرائيل بمقتل اثنين من جنودها، وأبلغت مجلس الأمن الدولي أنها ستتخذ كل الإجراءات التي تمكنها من "الدفاع عن نفسها" بعد الهجوم، وأنّها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هجمات حزب الله.
هذه العملية، في تعليق أولي عليها، هي خطوة كبرى في الاتجاه الصحيح بالنسبة لحزب الله، كي يعيد ضبط وجهة سلاحه، وصياغة العلاقة من جديد مع شركائه الحقيقيين والفاعلين في مقاومة الاحتلال الصهيوني، ويسعى معهم لإنهاء كل الخلافات الممكن إنهاؤها نتيجة موفقه وموفقهم من الثورة السورية، وتصدير التناقض الرئيس مع الاحتلال الصهيوني.
فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الذي تديره حركة حماس، تلقّفت هذه العملية بترحيب كبير دلالته واضحة؛ دعوة لطي صفحة الخلاف والتوحّد في مواجهة العدو الصهيوني.
أحسن حزب الله اقتناص الظرف السياسي الراهن، وأصاب في قصف دورية الاحتلال أكثر من هدف؛ فقد انتقم لقادته الذين اغتيلوا في سورية، ونفّذ وعيده، وأربك صانع القرار الإسرائيلي، كما خلط الأوراق التي كانت مرتّبة للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المزمعة في شهر آذار مارس المقبل.
ويحسب لهذه العملية النوعية، أنّها جاءت على أراضٍ لبنانية محتلة، وهو الأمر الذي من شأنه دفع معظم القوى السياسية اللبنانية إلى عدم معارضتها، كذلك فعلت الحكومة اللبنانية نفسها حين قالت على لسان وزارة الخارجية إن عملية حزب الله، استهدفت قافلة عسكرية إسرائيلية "متواجدة في الأراضي اللبنانية المحتلّة"، مؤكدة تمسك لبنان بالقرار الدولي 1701، "حماية له من الاعتداءات الإسرائيلية".
ومن المصادفات التي خدمت الحزب مقتل جندي من الكتيبة الإسبانية، العاملة ضمن "اليونيفيل"، في القصف الذي استهدف مناطق داخل الأراضي اللبنانية، ما يضغط على إسرائيل أمام المجتمع الدولي بعد أن فقدت القدرة على التمييز بين مسلحين تابعين للحزب، وقوات أممية، وهو ما يوفر أيضا هامشاً للحراك الدبلوماسي اللبناني الساعي لاحتواء التوتر.
بالنسبة لإسرائيل فإن العملية واحتمال الرد الموسّع عليها مسألة باهظة التكاليف؛خاصّة وأن الأحزاب الإسرائيلية على أبواب انتخابات برلمانية مبكرة، وآخر ما يحتاجه المتنافسون الكبار فيها هو المزاودات، ولا يختلف اثنان على أن الوضع الانتخابي لبنيامين نتنياهو أكثر هشاشة من احتمال ردّ موسّع يغيّر قواعد اللعبة على جبهة حزب الله، ثم صواريخ تسقط على المدن والبلدات الإسرائيلية عشيّة الانتخابات.
وذلك فضلاً عن أن خوض حرب تتجاوز الجنوب إلى بيروت من قبل إسرائيل، صار يستوجب حسبة سياسية إقليمية ودولية بالغة التعقيد، في ظل استمرار الحرب في سورية، والوضع الجيوسياسي القديم المتجدد للبنان.
وفي قلب هذا المشهد النضالي، جرح كبير دامٍ، عناوينه صارت أكثر من أن تُعَد، منها "مخيم اليرموك" الفلسطيني الساكن جنوبَ دمشق، صاحب اليد البيضاء على المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال عبر عقود، معقل لشهداء نفّذوا عمليات بطولية ضد الصهاينة. محاصَر حتى الموت من قوات النظام السوري الذي يدعمه حزب الله بالرجال والعتاد العسكري، أليست صدور المحتلّين أولى بهذا الرصاص؟!
على حزب الله أن يتخلّص من فكرةٍ ستصيبه، حال استمرارها، بمقتل إستراتيجي، وهي اعتبار حربه في سوريا جزءا من حربه المصيرية ضد الاحتلال، بينما واقع الحال يكرّس حقيقة لا تخطئها عين؛ وهي أن استمرار الصراع في سوريا بهذا الشكل، وتمسّك الأسد بالسلطة ولو على جثث الشعب بأكلمه، ما هي إلا مصلحة لا تعوّض لإسرائيل، وإذا كانت ضربة اليوم تشكل ردّا تكتيكياً في السياق العام للصراع، فإن استمرار الحرب في سوريا ومآلاتها المرعبة التي تنشأ في كل يوم يمتدّ فيه الصراع أكثر، هي السيناريو الذي ترسم على أساسه دولة الاحتلال رؤاها الإستراتيجية، وبالتالي فإسرائيل مستعدة لتحمّل ضربات الحزب، وابتلاعها بصمت، كي لا تفتح خط مواجهة تؤدي إلى سحب حزب الله قواته من سوريا.
أجمل ما في المشهد أن العملية البطولية ضربت وأوجعت الاحتلال، وأقسى ما فيه أنها جاءت ردا على ضربة إسرائيلية ضد قيادات لحزب الله كانت تقاتل في سورية وليس في فلسطين أو جنوب لبنان.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية