حقيقة ما يجري في مصر!
حسام الدجني
ما حصل في الذكرى الثانية لثورة الخامس والعشرين من يناير، من أعمال عنف وتخريب وتدمير وحرق وسلب ونهب للمؤسسات والأملاك العامة والخاصة في بعض المحافظات المصرية، وتحديداً محافظات القنال الثلاثة (بور سعيد والسويس والإسماعيلية) إضافة إلى محافظتي القاهرة والإسكندرية، وهنا يجب أن يقف المواطن المصري حول دلالات تركيز الفوضى في محافظات القنال بالتحديد، وما هي الرسالة السياسية من وراء ذلك...؟ ومن صاحب المصلحة وما هي أدواته...؟
المعارضة المصرية ممثلة بجبهة الإنقاذ تبرأت من كل أعمال العنف، ودعت إلى سلمية المسيرات والاعتصامات، وهذا شيء جميل إلا أنها تتحمل جزءاً من المسئولية، فهي من تعتلي الفضائيات، وتقود المسيرات والاعتصامات، وتحرك الشارع، وتوفر الغطاء السياسي على تلك التحركات السلمية المشروعة، وكان ينبغي عليها محاربة كل ما يسيء لتحركاتها حتى لو وصل الأمر لاقتصار الاحتفالات على حملات إنسانية كما فعل حزب الحرية والعدالة، لأن ما يحدث أثار سخط المواطن المصري، فهو يريد من المعارضة أن تكون معارضة بناءة تطالب بحقوقه وتعبر عن همومه ومشاكله، وتكون على تماس مباشر معه في القرى والأرياف والنجوع.
إن الخاسر الأكبر فيما يحدث هو الوطن، فالممتلكات العامة هي ملك للجميع، وتم بناؤها من دافع الضرائب المصري، وسيعاد ترميمها من نفس المصدر فلمصلحة من هذا السلوك المشين، ولمصلحة من تحريض فضائيات رجال الأعمال على رفع حالة الاستقطاب، والتحريض المبطّن على العنف، وصناعة نخب توتيرية تعمل لمصالح غير معلومة، ولمصلحة أجندات خارجية، وهنا نعود لأسئلة المقال السابقة، ونجيب عن السؤال الأهم وهو تركيز الفوضى في محافظات القنال، وفرض الرئيس محمد مرسي حالة الطوارئ في المحافظات الثلاث سابقة الذكر...
البعض استمع لخطاب الرئيس محمد مرسي يوم 29/12/2012م أمام مجلس الشورى، وأهم ما تحدث به: "سيستمر العمل بمشروع تنمية إقليم قناة السويس كمركز خدمات لوجيستي وصناعي عالمي، وهو أحد أهم المشاريع لنهضة مصر، آخذاً في الاعتبار إعمار سيناء، ومستخدماً للثروات الطبيعية والموارد البشرية. حيث يمر بقناة السويس ما يزيد على 10% من تجارة العالم، و20% من تجارة حاويات العالم سنويا، ورغم ذلك فإن عائد قناة السويس لا يتعدى 0.3% من قيمة التجارة العابرة لها (5.2 مليار في سنة 2011). وهذا المشروع سيحقق لمصر ما يقرب من 20 ضعفاً ما نحصل عليه من عائد قناة السويس، ومليون فرصة عمل، وإنشاء مدينتين سكنيتين في شرق بورسعيد وشمال غرب خليج السويس، ويضيف لمصر صناعة اللوجيستيات ويعيد المكانة الحقيقية للنقل البحري المصري ويجعلنا نستغل الميزة التنافسية لموقع مصر المتميز".
بعد أن انتهى الرئيس محمد مرسي من خطابه، وتحديداً يوم الخامس عشر من يناير/2013م كشف د. طارق وفيق، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية المصرية، ومقرر اللجنة الوزارية لتنمية إقليم قناة السويس عن وجود منافسة شديدة من الجانب الإسرائيلي لمشروع تنمية إقليم قناة السويس، خاصة أنه سيتم إنشاء خط سكة حديد يربط إيلات بأسدود، وسيتيح المشروع الإسرائيلي للسفن أن تعبر من البحر الأحمر إلى خليج العقبة ثم ميناء إيلات.
وأوضح وفيق في تصريح خاص لـ موقع اليوم السابع أنه سيتم إنشاء خط سكة حديد بطول 7 كيلومترات خارج الميناء أيضاً، حتى لا تتأثر السياحة في إيلات كما سيتم إنشاء ميناء لرسو السفن لتفريغ الحاويات والبضائع في الميناء، ثم بعد ذلك إلى ميناء أسدود ثم إلى السفن المتجهة إلى أوروبا.
وأكد وزير الإسكان أهمية الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع تنمية الإقليم، والتي ستنتهي عام 2017، لافتاً إلى أن حجم الاستثمارات المتوقعة تبلغ حوالي 45 مليار دولار، مشيراً إلى أن "إسرائيل" لا تعتمد في هذا المشروع على النقل فقط، بل الرهان على القيمة المضافة من خلال المشروعات اللوجيستية. وأضاف الوزير، أن فرصة مصر في المنافسة مع "إسرائيل" كبيرة، حيث إن موقع قناة السويس أفضل بكثير من المشروع الإسرائيلي، وأن المشروع الإسرائيلي يواجه صعوبات، حيث إن السفينة الواحدة تحتاج إلى 12 قطاراً لتحميل البضائع إلى ميناء أسدود.
وهنا تبدأ أصابع الموساد الخفية التي تعبث بأمن محافظات القنال لتعطيل المشروع القومي في قناة السويس بالظهور، لخلق حالة من التهديد الأمني لخطوط الملاحة، كي يكون مشروعها الذي تدعمه الصين بديلاً لقناة السويس.
هناك دولة أخرى تلعب دوراً بارزاً فيما يجري بمصر وهي الإمارات العربية المتحدة وتحديداً دبي، ففي ندوة بجامعة كولومبيا الأمريكية تحدث المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، عن الثورة المصرية قائلاً: إن مصر تواجه ظروفاً سياسية وتحديات صعبة، وخصوصاً دعم بعض الدول العربية لبعض العناصر المعارضة للنظام السياسي.
وأشار تشومسكي إلى أن هناك عدة أسباب تجعل دولة مثل الإمارات تعادي نظام الرئيس مرسي في مصر، وتدعم المعارضة ومنها: أن مشروع تطوير إقليم قناة السويس، الذي يتبناه مرسي، سيُصبح أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات وخاصة "دبي"، حيث إن اقتصادها خدمي وليس إنتاجي، يقوم علي لوجستيات الموانئ البحرية، وأن موقع قناة السويس هو موقع استراتيجي دولي، أفضل من مدينة دبي المنزوية في مكان داخل الخليج العربي، الذي يمكن غلقه إذا ما نشب صراع مع إيران.
وأضاف المفكر الأمريكي أن حقول النفط في الإمارات تتركز في إمارة "أبو ظبي"، وأن كل إمارة في دولة الإمارات تختص بثرواتها الطبيعية فقط، و"دبي" هي أفقرها من حيث الموارد الطبيعية، لذلك فهي تعتمد اعتماداً كلياً على البنية الأساسية الخدمية التي تقدمها للغير، ومشروع تطوير قناة السويس سيدمر هذه الإمارة اقتصادياً لا محالة خلال 20 سنة من الآن.
وأوضح "تشومسكي" أن الإمارات هي أكثر دولة عربية تعتمد سياسياً ومخابراتياً على الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، وخصوصاً بعد بناء المشاريع الخدمية بعد عودة هونج كونج إلى الصين، والنمو الصاروخي لاقتصاديات النمور الآسيوية، وسيضمحل هذا الاعتماد تدريجياً، حيث إن هذا الاعتماد المخابراتي كان بسبب كمية المبادلات التجارية الضخمة التي كانت تجرى على أرض الإمارات.
وقال تشومسكي، إن "الإمارات أكثر الدول العربية التي تربطها علاقات تجارية واقتصادية حميمة مع إيران، خوفاً من تدمير البنية التحتية للإمارات، فيما إذا نشبت حرب بين أمريكا وإيران، وسحب البساط التجاري من دبي إلى مصر سيعمل على ترك الإمارات دون غطاء جوي أمريكي عمداً؛ لكي يتم تدمير مرافقها وتأتي شركات أمريكية، لإعادة بنائه بالأموال الإماراتية المودعة في أمريكا.
وأكد المفكر الأمريكي أن الإمارات هي الثورة المضادة ضد الجيش السوري الحر والثورة المصرية، حتى لا يتم نجاح التواصل بين "تركيا ومصر"، وهذا سيؤدي إلى فتح الأبواب التجارية الأوروبية للمنتجات السورية والمصرية، وستصبح الحاجة إلى مشاريع إعمار منطقة قناة السويس هي اللطمة للاقتصاد الإماراتي الخدمي.
وأكد تشومسكي -في ختام الندوة- أن النظام المصري إذا ما تمكن من تنفيذ هذا المشروع العملاق في منطقة قناة السويس، فإن مصر ستنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً، وقال يجب أن يتم تطوير أنظمة التعليم والثقافة التعليمية في مصر؛ كي تواكب النهضة المستقبلية.
أما إيران فهي الأخرى تلعب دوراً في تقويض دور مصر في المنطقة، وتلعب أدواتها الإعلامية المنتشرة من طهران إلى دمشق وبيروت حملة منظمة لإسقاط الرئيس مرسي.
ولم تقتصر التحديات الخارجية لمصر على تلك الدول الثلاث، فهناك دول أخرى لا تريد الخير لمصر، وتعمل على أن تبقى في حالة نزاع وصراع دائم، نظراً لمكانة مصر الجيواستراتيجية في المنطقة ودورها الحيوي كدولة مركز.
من هنا نفهم لماذا فرض الرئيس حالة الطوارئ في المحافظات الثلاث، وما هو حجم التحديات لمصر وخيارها الديمقراطي، وعلى المعارضة قراءة المشهد وأن لا تظهر بقصد أو غير قصد بأنها أحد أدوات التهديدات الخارجية لأمن مصر واستقرارها ونهضتها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية