حماس في الفكر الإسرائيلي( 4)
علاء الريماوي
في المقال السابق وصلنا في الحديث عن مرحلة مهمة وهي دور الحركة في انتفاضة الأقصى والكيفية التي تعاطت بها دولة الاحتلال مع حركة حماس حيث يمكن تلخيص توجهاتها في تلك المرحلة بعبارة (هزيمة الصورة ) عبر اغتيال كافة القيادات الوازنة، لكن هذا الحديث باعتراف مراكز بحثية في الكيان ارتد على( إسرائيل) بأن أسس لمرحلة جديدة في الحياة السياسية لحماس والتي بدأت من العام 2006.
في هذه المرحلة كانت تعيش الساحة الفلسطينية حالة من الفوضى خاصة بعد انتقال بعض المجموعات العسكرية في فتح إلى العمل وفق مصالحهم مما تسبب بحالة من تشويه البندقية المقاتلة حيث لعب تيار محمد دحلان وبعض القيادات المتنفذة في السلطة على هذا الوتر من العام 2003.
هذا اللعب انعكس بدوره على حالة الاستقطاب الداخلي في حركة فتح مما أدى إلى خسارة الحركة في الانتخابات أمام مكنة حماس الشابة والتي أظهر فيها إرثا مقاوما، وقيادة معروفة بنزاهتها، والأهم في كل ذلك أنها جاءت كبديل مقنع لحركة لم تنجح في إقناع الشارع بإرثها في السنوات التي أعقبت اتفاق أوسلو.
حديث النجاح والمشاركة في الانتخابات في تقديري لم يكن واضحا عند حماس من حيث حجم الدور في المرحلة القادمة، وهذا ما انعكس على الموقف الإسرائيلي والغربي من شراكة حماس والذي أريد له أن يكون في مستوى يدخل الحركة في اللعبة السياسية التي قد تهذب سلوك العنف بحسب تصوراتهم.
هذا التصور كان مدار جدل رجح كفته بعض القادة في السلطة الذين أرسلو تقديراتهم بأن حماس في الحجم لن تسيطر على مقاليد الأمر ولعبة استطلاعات الرأي كانت تعطي الغلبة دائما لفتح.
بدأت المرحلة الأولى من انتخابات البلدية وكانت حماس في الضفة الغربية تدير هذه المعركة بذات الطريقة السرية التي حكمت سلوك الحركة في مسارها التنظيمي مما جعل النتائج تعطي أملا لحركة فتح بأنها الغالبة برغم خسارتها في معاقلها الرئيسة.
هذه النتائج كانت أكثر حضورا في التحليل لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية والتي توجست من حجم الإنجاز الذي ظل محل شك حتى حدثت المرحلة الثانية والثالثة من الانتخابات البلدية والتي وضعت راسم السياسة في مأزق القناعة من أن حماس قريبة من منافسة جادة مع حركة فتح مما جعل مسار المخطط الصهيوني يأخذ بعد الاستيعاب عبر إفشال تجربة إدارة المؤسسات وإظهار حماس بمظهر العاجز للضغط عليه لقبول مسار السياسة القادم.
هذا الحديث جاء في ظل سياق مهم زهدت فيه حماس عن المنافسة على منصب رئيس السلطة مما أدى إلى نجاح الرئيس عباس والذي أراح بدوره الغرب و(إسرائيل) من حسم الموقف وسهل على الكيان قبول انتخابات تشريعية منضبطة خاصة بعد قيام إسرائيل باعتقال مكنة حماس الانتخابية في الضفة الغربية مما فسح المجال أمام أمل تحقيق الفوز.
كما مضت (إسرائيل) في إضعاف الحركة عبر اعتقال كثير من المرشحين المفترضين على قائمة الحركة ومضت حماس في ترتيب قائمتها بالتنسيق مع قيادة السجون التي بلورت الصيغة النهائية لشكل المنافسة.
منافسة لم تكن متوقعة مطلقا لدى السلطة وإسرائيل مما جعل الأوساط هذه تعتبر نتائج الانتخابات تسونامي لحجمه وأثره المتوقع للمرحلة القادمة.
التخطيط في تلك المرحلة في ( إسرائيل ) دخل مستوى إدارة الأزمة لدى أطراف المعادلة المؤثرة في القضية الفلسطينة من عرب وعجم وكان ملخص المخطط إسقاط حماس عبر حصار شديد على حكومتها التي منعت الأطراف من الشراكة معها.
هذا الحصار أدخل الساحة الفلسطينية في موجة من الاستقطاب الذي استعملت فيه فتح كأداة لإسقاط حماس عبر ما يعرف بأدوات الإفشال التي تعددت والتي لا يمكن ذكرها في هذا المقال.
حماس تنازلت من خلال قبولها بمحددات حكومة الوحدة الوطنية والتي كانت في صيغتها أقرب إلى سيطرة الرئاسة عليها لكن مخطط (إسرائيل) ظل على الأرض من خلال فتح جبهة غزة بمساعدة أطراف عربية منها مصر للانقلاب على الحكومة الفتية المشكلة.
هذا الانقلاب حسم لصالح السيطرة الامنية لحماس على قطاع غزة لكن أدخل المجتمع الفلسطيني حالة من القسمة بين أطيافه ومكوناته والأهم جذر لأكبر قطيعة بين الضفة الغربية وغزة.
هذه المرحلة ولأهميتها نترك لها مقالا مفصلا سيتم تناوله في الحلقة الخامسة إن شاء الله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية