حماس وإيران.. والسير في حقل الأشواك
أحمد الحيلة
بدأت العلاقة بين إيران وحركة حماس تتوتر مع اندلاع الثورة السورية عندما أخذت الحركة موقفاً منحازاً ل"تطلعات وآمال الشعب السوري" ـ حسب بيانها الشهير في نيسان/أبريل 2011 ـ دون مهاجمتها للنظام أو الرئيس بشار الأسد، رافضة بذلك أداء النظام الأمني في التعامل مع المظاهرات السلمية التي خرجت في حينه تطالب بالإصلاح وبكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في حياة الناس وشؤونهم المدنية.
ما زاد توتر العلاقة وتأزمها لاحقاً بين حماس وحلفائها إيران والنظام السوري، أن الحركة تجنبت منح النظام السوري أي شرعية لاستخدامه العنف والقوة المسلحة ضد الحراك السلمي الذي اشتهرت به الثورة السورية في اشهرها الأولى؛ حيث تجنب خالد مشعل الظهور مع الرئيس بشار الأسد في لقاءات ثنائية إعلامية "دعائية" في دمشق، محاولاً وقيادة الحركة السعي للتوسط بين النظام والقوى الثورية خاصة في درعا ومنطقة حوران، إلا أن رفض النظام وإصراره على معالجة الأمر أمنياً وبالقوة المسلحة دفع الحركة إلى الخروج من سورية رغبة منها في عدم التدخل أو الانزلاق في الشأن السوري الداخلي.
ومع ذلك فإن الدبلوماسية الإيرانية والحمساوية على حد سواء ـ رغم البون الشاسع في المواقف من الأزمة السورية ـ حافظتا على شعرة معاوية في العلاقة بينهما عبر بعض اللقاءات المتباعدة والمنخفضة المستوى في بيروت وطهران، إضافة لوجود ممثل الحركة في إيران الدكتور خالد القدومي، رغم توقف كافة أشكال الدعم المادي والسياسي الإيراني لحماس.
وبالنظر إلى واقع الحال فإن العلاقة بين الطرفين ازدادت سوءاً، وارتفعت وتيرة التوتر المكتوم بينهما نتجية السلوك الإيراني الإعلامي، خاصة بعدما نجح الانقلاب في مصر ضد الرئيس مرسي ـ الذي كان يمثل بالنسبة لحماس الأمل في خلاص قطاع غزة من الحصار بكافة أشكاله ـ حيث تسارعت وتيرة الشماتة لإيران وحلفائها بحماس عبر العديد من الوسائل الإعلامية المحسوبة على إيران وحزب الله في لبنان تحديداً، فكان التهكم والاتهام لحماس بالعمالة للأمريكان، وبتخليها عن سلاح المقاومة نتيجة التحالف مع قطر وتركيا.
استمرت حملة التشويه والهجوم الإعلامي، وتصاعدت حدته واتسع نطاقه بانضمام فضائيتي الميادين، والمنار القناة الإعلامية الرسمية لحزب الله، إلى أن وقعت الصدمة أو المفاجأة في غزة؛ حيث العدوان الإسرائيلي الأعنف في تاريخ الصراع والذي استمر نحو 51 يوماً، استطاع فيها الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة بقيادة كتائب القسام، إنزال الهزيمة بإسرائيل بإفشال كافة أهداف العدوان، عبر صمود اسطوري وقدرة للمقاومة وصواريخها على الوصول إلى ما بعد بعد حيفا، ووصولاً لكافة الأماكن العسكرية والحساسة على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبإمكانات ذاتية ومحلية وقدرات قتالية أبهرت الجميع، فأسقط الأمر بيد إعلام "الممانعة" وجوقة الإعلاميين "المقاومين" الموالين لإيران وحزب الله.
ذلك المشهد مثل إحراجاً لإيران وحزب الله، وكشف عنهما غطاء التغني بالمقاومة، والاحتكار "الدعائي" لها؛ فقد ظهر للجميع أن حماس على عهدها، وبأن المقاومة الفلسطينية ما زالت بوصلتها فلسطين ولم تنحرف كما انحرفت بوصلة حزب الله بدخوله إلى سورية للقتال هناك، في وقت تشهد فيه جبهة الجنوب مع الاحتلال الاسرائيلي هدوءاً لافتاً ومنقطع النظير منذ العدوان الأخير على لبنان عام 2006
من هنا بدأت إيران في إعادة النظر بالعلاقة مع حماس مع رغبة الأخيرة في ترميم العلاقة، فكل طرف له حساباته ومصالحه في ذلك..، ولكن السؤال: ماذا تريد إيران حقيقة من استعادة العلاقة مع حركة حماس؟ هل هو العودة عن خطئها في قطع المساعدات واتهامها لحركة حماس بالعمالة للأمريكان أم هي محاولة لإعادة الحركة إلى "بيت الطاعة" استغلالاً لأزماتها المتجسدة في حصار قطاع غزة، والحاجة لإعادة الإعمار، وحاجة حماس لترميم ترسانتها العسكرية التي نفد جزء منها في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة؟
فإذا كانت إيران استخطأت نفسها وأرادت إعادة الدعم لحماس التي أثبتت أنها ما زالت مقاومة وأن بوصلتها فلسطين والقدس رغم الخلاف حول الملف السوري، ***اذا يقوم الإعلام الموالي لإيران والمدعوم منها بحملات متتالية ضد خالد مشعل رئيس الحركة وقيادتها السياسية؟!
وماذا يعني انضمام موقع "تابناك" الشهير والتابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يقع تحت إشراف الجنرال محسن رضائي قائد الحرس الثوري الإيراني الأسبق ومستشار السيد خامنئي الحالي، وفي سابقة من نوعها بشن هجوم على شخص رئيس الحركة خالد مشعل، عندما وصفه الموقع قبل عدة أيام بأنه شخص "يتظاهر بالمقاومة"، بالإضافة إلى قول الموقع بأن "ليس من عادة إيران أن تعتمد على أي جهة أو طرف بعد أن ينكشف معدنه الحقيقي" في إشارة إلى حركة حماس وخالد مشعل على وجه الخصوص؟!
وماذا تريد إيران عندما يعلّق مستشار رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية السيد "حسين شيخ الاسلام" على احتمالية زيارة مشعل لطران بقوله: "في ثقافتنا.. من العيب أن يشترط الضيف أين سيجلس أو أين سيذهب.." مضيفاً في حديثه ولومه لخالد مشعل، "وضعنا إمكانات كبيرة في أيدي أعزائنا ولكنهم للأسف أخذوها وخالفوا أقوالهم ووعودهم ووضعوا أنفسهم في أماكن (محاور) أخرى، وهذا محزن جداً"..، أي أن الرجل يريد من حركة حماس وخالد مشعل أن ينقادوا بسلبية لما تريده إيران في ملفات ليست فلسطينية، وزجها في معارك ليست معاركها.
وهذا يؤكد أن إيران ما زالت مسكونة بردة فعلها على حركة حماس الرافضة التدخل في الشأن السوري، أو الانقياد للرغبة الإيرانية في قطع حماس لعلاقتها مع قطر وتركيا مقابل "الوعد" بعودة الدعم الإيراني؛ أي أن المعادلة الإيرانية الجديدة مبنية على المقايضة، وأن أيام زمان انتهت فإيران اليوم ليس إيران الأمس.
لكن اللافت في الأمر، أن إيران الراغبة بالعلاقة مع حركة حماس (السنية)، لتحسين صورتها الطائفية والمذهبية المنكشفة نتيجة سلوكها السياسي والعسكري في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن مؤخراً، تحاول التركيز في هجومها الإعلامي على شخص خالد مشعل والقيادة السياسية للحركة، مقابل تغزلها إعلامياً بكتائب القسام في قطاع غزة، والادعاء عبر بعض التصريحات الإعلامية بأن إيران معنية بالدعم المادي والعسكري للمقاومة هناك، في محاولة منها لخداع بعض القيادات الحمساوية المحاصرة في غزة، وإيهامها بأن إيران هي الدجاجة التي تبيض ذهباً، أملاً في دفع تلك القيادات للضغط على خالد مشعل والقيادة السياسية للحركة لتقديم بعض التنازلات لطهران، علّ ذلك يخفف من وطأة الحصار على الشعب الفلسطيني وعلى الحركة عبر الدعم الإيراني الموعود.
وقد يتساءل البعض أليست السياسة مصالح، ولماذا حماس لا تقدم بعض التنازلات هنا أو هناك، مقابل الدعم الإيراني السخي، في محاولة منها لتخفيف الضغط على الحركة والشعب الفلسطيني المحاصر، أليست تلك هي الواقعية السياسية؟
وبنظرة سريعة لتلك الفرضية، فإننا نرى أن واقع إيران الاقتصادي، والسياسي لا يسمح لها بأن تكون المخلّص للفلسطينيين في غزة المحاصرة، وذلك لعدة أسباب أهمها:
• أن إيران مأزومة اقتصادياً خاصة بعد أربع سنوات من الاستنزاف المفتوح في سورية، ولا سيما بعد تراجع أسعار النفط بشكل كبير، فالعائدات النفطية تشكل نحو 70% من إجمالي قيمة الصادرات الإيرانية، الأمر الذي أدى لتأثر الدعم المادي المباشر لحزب الله؛ فهناك تأخر في وصول الموازنات المخصصة للحزب، أدى لتأخر صرف رواتب الكوادر التنظيمية، وتقليص التعويضات لأهالي قتلى الحزب في سورية، إضافة إلى تراجع ميزانيات دعم المؤسسات الحزبية، وتقليص الدعم للعديد من الشخصيات المقربة من إيران. هذا على مستوى حزب الله الحليف العضوي لطهران، فكيف سيكون الأمر مع حماس "الناكرة للجميل" حسب لغة إيران وحلفائها؟!
• حماس حتى وإن قدمت تنازلات لإيران، فإنها والقضية الفلسطينية اليوم ليست أولوية على الأجندة السياسية لطهران؛ فإيران لديها جبهات حساسة ومفتوحة وتحتاج لدعم شبه مفتوح كسورية، واليمن التي دخلت على خط المواجهة بين إيران ودول الخليج، هذا ناهيك عن العراق، وأفغانستان وملفات خارجية أخرى.
• إيران ليست بوارد أن تخسر الرئيس المصري السيسي وموقفه الداعم لبقاء بشار الأسد في الحكم، فطهران تدرك أن حماس ما زالت تحت الاستهداف المصري، وأي لعب في أحشاء مصر الداخلية من خلال إمداد كتائب القسام بالسلاح عبر سيناء، سيجر ردة فعل مصرية غاضبة، وهذا ما لا تريده إيران خاصة في ظل التوتر الإعلامي البادي بين مصر والسعودية بعد استلام الملك سلمان للحكم..، فمن مصلحة إيران أن تتسع دائرة الشك بين القاهرة والرياض في محاولة منها لاستمالة مصر وتوظيف العلاقة معها في الملف السوري واليمني لاحقاً بالضغط على السعودية ودول الخليج.
• الأهم من كل ذلك، أن القيادة الإيرانية وعلى رأسها السيد الخامنئي معنيون بالوصول إلى تسوية للملف النووي مع الغرب، رغبة في رفع الحصار عن إيران ليساعدها ذلك سياسياً واقتصادياً في إدارة ملفاتها الإقليمية الشائكة (سورية، اليمن، لبنان، العراق، أفغانستان، البحرين، العلاقة مع دول الخليج، شؤونها الداخلية..)، ومن هنا فإن استئناف المساعدات الإيرانية لحماس مالياً وعسكرياً بشكل حقيقي أمر مشكوك فيه، لأن الدعم الإيراني سيستفز الكيان الإسرائيلي الرافض أصلاً لحل أزمة الملف النووي مع إيران دبلوماسياً، وبالتالي فإن أي دعم إيراني للمقاومة في غزة ستستغله إسرائيل كفزاعة في وجه واشنطن والغرب، وقد يكون سبباً في إعاقة أي تسوية سياسية للملف النووي الإيراني.
أعتقد أن قيادة حماس السياسية تقرأ المشهد جيداً، ولذلك فهي معنية بترميم العلاقة مع إيران، دون التشويش على علاقاتها مع قطر وتركيا، وعلاقتها المأمولة مع السعودية لاحقاً خاصة في ظل التغييرات الداخلية التي يجريها الملك سلمان، والتي قد تنعكس إيجاباً على السياسة الخارجية للمملكة ومنها العلاقة مع حركة حماس، وجماعة الإخوان المسلمين، وهذا قد يكون السبب الحقيقي لزعل إيران وحملتها الإعلامية على خالد مشعل وقيادة حركة حماس السياسية.
أحمد الحيلة
بدأت العلاقة بين إيران وحركة حماس تتوتر مع اندلاع الثورة السورية عندما أخذت الحركة موقفاً منحازاً ل"تطلعات وآمال الشعب السوري" ـ حسب بيانها الشهير في نيسان/أبريل 2011 ـ دون مهاجمتها للنظام أو الرئيس بشار الأسد، رافضة بذلك أداء النظام الأمني في التعامل مع المظاهرات السلمية التي خرجت في حينه تطالب بالإصلاح وبكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في حياة الناس وشؤونهم المدنية.
ما زاد توتر العلاقة وتأزمها لاحقاً بين حماس وحلفائها إيران والنظام السوري، أن الحركة تجنبت منح النظام السوري أي شرعية لاستخدامه العنف والقوة المسلحة ضد الحراك السلمي الذي اشتهرت به الثورة السورية في اشهرها الأولى؛ حيث تجنب خالد مشعل الظهور مع الرئيس بشار الأسد في لقاءات ثنائية إعلامية "دعائية" في دمشق، محاولاً وقيادة الحركة السعي للتوسط بين النظام والقوى الثورية خاصة في درعا ومنطقة حوران، إلا أن رفض النظام وإصراره على معالجة الأمر أمنياً وبالقوة المسلحة دفع الحركة إلى الخروج من سورية رغبة منها في عدم التدخل أو الانزلاق في الشأن السوري الداخلي.
ومع ذلك فإن الدبلوماسية الإيرانية والحمساوية على حد سواء ـ رغم البون الشاسع في المواقف من الأزمة السورية ـ حافظتا على شعرة معاوية في العلاقة بينهما عبر بعض اللقاءات المتباعدة والمنخفضة المستوى في بيروت وطهران، إضافة لوجود ممثل الحركة في إيران الدكتور خالد القدومي، رغم توقف كافة أشكال الدعم المادي والسياسي الإيراني لحماس.
وبالنظر إلى واقع الحال فإن العلاقة بين الطرفين ازدادت سوءاً، وارتفعت وتيرة التوتر المكتوم بينهما نتجية السلوك الإيراني الإعلامي، خاصة بعدما نجح الانقلاب في مصر ضد الرئيس مرسي ـ الذي كان يمثل بالنسبة لحماس الأمل في خلاص قطاع غزة من الحصار بكافة أشكاله ـ حيث تسارعت وتيرة الشماتة لإيران وحلفائها بحماس عبر العديد من الوسائل الإعلامية المحسوبة على إيران وحزب الله في لبنان تحديداً، فكان التهكم والاتهام لحماس بالعمالة للأمريكان، وبتخليها عن سلاح المقاومة نتيجة التحالف مع قطر وتركيا.
استمرت حملة التشويه والهجوم الإعلامي، وتصاعدت حدته واتسع نطاقه بانضمام فضائيتي الميادين، والمنار القناة الإعلامية الرسمية لحزب الله، إلى أن وقعت الصدمة أو المفاجأة في غزة؛ حيث العدوان الإسرائيلي الأعنف في تاريخ الصراع والذي استمر نحو 51 يوماً، استطاع فيها الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة بقيادة كتائب القسام، إنزال الهزيمة بإسرائيل بإفشال كافة أهداف العدوان، عبر صمود اسطوري وقدرة للمقاومة وصواريخها على الوصول إلى ما بعد بعد حيفا، ووصولاً لكافة الأماكن العسكرية والحساسة على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبإمكانات ذاتية ومحلية وقدرات قتالية أبهرت الجميع، فأسقط الأمر بيد إعلام "الممانعة" وجوقة الإعلاميين "المقاومين" الموالين لإيران وحزب الله.
ذلك المشهد مثل إحراجاً لإيران وحزب الله، وكشف عنهما غطاء التغني بالمقاومة، والاحتكار "الدعائي" لها؛ فقد ظهر للجميع أن حماس على عهدها، وبأن المقاومة الفلسطينية ما زالت بوصلتها فلسطين ولم تنحرف كما انحرفت بوصلة حزب الله بدخوله إلى سورية للقتال هناك، في وقت تشهد فيه جبهة الجنوب مع الاحتلال الاسرائيلي هدوءاً لافتاً ومنقطع النظير منذ العدوان الأخير على لبنان عام 2006
من هنا بدأت إيران في إعادة النظر بالعلاقة مع حماس مع رغبة الأخيرة في ترميم العلاقة، فكل طرف له حساباته ومصالحه في ذلك..، ولكن السؤال: ماذا تريد إيران حقيقة من استعادة العلاقة مع حركة حماس؟ هل هو العودة عن خطئها في قطع المساعدات واتهامها لحركة حماس بالعمالة للأمريكان أم هي محاولة لإعادة الحركة إلى "بيت الطاعة" استغلالاً لأزماتها المتجسدة في حصار قطاع غزة، والحاجة لإعادة الإعمار، وحاجة حماس لترميم ترسانتها العسكرية التي نفد جزء منها في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة؟
فإذا كانت إيران استخطأت نفسها وأرادت إعادة الدعم لحماس التي أثبتت أنها ما زالت مقاومة وأن بوصلتها فلسطين والقدس رغم الخلاف حول الملف السوري، ***اذا يقوم الإعلام الموالي لإيران والمدعوم منها بحملات متتالية ضد خالد مشعل رئيس الحركة وقيادتها السياسية؟!
وماذا يعني انضمام موقع "تابناك" الشهير والتابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يقع تحت إشراف الجنرال محسن رضائي قائد الحرس الثوري الإيراني الأسبق ومستشار السيد خامنئي الحالي، وفي سابقة من نوعها بشن هجوم على شخص رئيس الحركة خالد مشعل، عندما وصفه الموقع قبل عدة أيام بأنه شخص "يتظاهر بالمقاومة"، بالإضافة إلى قول الموقع بأن "ليس من عادة إيران أن تعتمد على أي جهة أو طرف بعد أن ينكشف معدنه الحقيقي" في إشارة إلى حركة حماس وخالد مشعل على وجه الخصوص؟!
وماذا تريد إيران عندما يعلّق مستشار رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية السيد "حسين شيخ الاسلام" على احتمالية زيارة مشعل لطران بقوله: "في ثقافتنا.. من العيب أن يشترط الضيف أين سيجلس أو أين سيذهب.." مضيفاً في حديثه ولومه لخالد مشعل، "وضعنا إمكانات كبيرة في أيدي أعزائنا ولكنهم للأسف أخذوها وخالفوا أقوالهم ووعودهم ووضعوا أنفسهم في أماكن (محاور) أخرى، وهذا محزن جداً"..، أي أن الرجل يريد من حركة حماس وخالد مشعل أن ينقادوا بسلبية لما تريده إيران في ملفات ليست فلسطينية، وزجها في معارك ليست معاركها.
وهذا يؤكد أن إيران ما زالت مسكونة بردة فعلها على حركة حماس الرافضة التدخل في الشأن السوري، أو الانقياد للرغبة الإيرانية في قطع حماس لعلاقتها مع قطر وتركيا مقابل "الوعد" بعودة الدعم الإيراني؛ أي أن المعادلة الإيرانية الجديدة مبنية على المقايضة، وأن أيام زمان انتهت فإيران اليوم ليس إيران الأمس.
لكن اللافت في الأمر، أن إيران الراغبة بالعلاقة مع حركة حماس (السنية)، لتحسين صورتها الطائفية والمذهبية المنكشفة نتيجة سلوكها السياسي والعسكري في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن مؤخراً، تحاول التركيز في هجومها الإعلامي على شخص خالد مشعل والقيادة السياسية للحركة، مقابل تغزلها إعلامياً بكتائب القسام في قطاع غزة، والادعاء عبر بعض التصريحات الإعلامية بأن إيران معنية بالدعم المادي والعسكري للمقاومة هناك، في محاولة منها لخداع بعض القيادات الحمساوية المحاصرة في غزة، وإيهامها بأن إيران هي الدجاجة التي تبيض ذهباً، أملاً في دفع تلك القيادات للضغط على خالد مشعل والقيادة السياسية للحركة لتقديم بعض التنازلات لطهران، علّ ذلك يخفف من وطأة الحصار على الشعب الفلسطيني وعلى الحركة عبر الدعم الإيراني الموعود.
وقد يتساءل البعض أليست السياسة مصالح، ولماذا حماس لا تقدم بعض التنازلات هنا أو هناك، مقابل الدعم الإيراني السخي، في محاولة منها لتخفيف الضغط على الحركة والشعب الفلسطيني المحاصر، أليست تلك هي الواقعية السياسية؟
وبنظرة سريعة لتلك الفرضية، فإننا نرى أن واقع إيران الاقتصادي، والسياسي لا يسمح لها بأن تكون المخلّص للفلسطينيين في غزة المحاصرة، وذلك لعدة أسباب أهمها:
• أن إيران مأزومة اقتصادياً خاصة بعد أربع سنوات من الاستنزاف المفتوح في سورية، ولا سيما بعد تراجع أسعار النفط بشكل كبير، فالعائدات النفطية تشكل نحو 70% من إجمالي قيمة الصادرات الإيرانية، الأمر الذي أدى لتأثر الدعم المادي المباشر لحزب الله؛ فهناك تأخر في وصول الموازنات المخصصة للحزب، أدى لتأخر صرف رواتب الكوادر التنظيمية، وتقليص التعويضات لأهالي قتلى الحزب في سورية، إضافة إلى تراجع ميزانيات دعم المؤسسات الحزبية، وتقليص الدعم للعديد من الشخصيات المقربة من إيران. هذا على مستوى حزب الله الحليف العضوي لطهران، فكيف سيكون الأمر مع حماس "الناكرة للجميل" حسب لغة إيران وحلفائها؟!
• حماس حتى وإن قدمت تنازلات لإيران، فإنها والقضية الفلسطينية اليوم ليست أولوية على الأجندة السياسية لطهران؛ فإيران لديها جبهات حساسة ومفتوحة وتحتاج لدعم شبه مفتوح كسورية، واليمن التي دخلت على خط المواجهة بين إيران ودول الخليج، هذا ناهيك عن العراق، وأفغانستان وملفات خارجية أخرى.
• إيران ليست بوارد أن تخسر الرئيس المصري السيسي وموقفه الداعم لبقاء بشار الأسد في الحكم، فطهران تدرك أن حماس ما زالت تحت الاستهداف المصري، وأي لعب في أحشاء مصر الداخلية من خلال إمداد كتائب القسام بالسلاح عبر سيناء، سيجر ردة فعل مصرية غاضبة، وهذا ما لا تريده إيران خاصة في ظل التوتر الإعلامي البادي بين مصر والسعودية بعد استلام الملك سلمان للحكم..، فمن مصلحة إيران أن تتسع دائرة الشك بين القاهرة والرياض في محاولة منها لاستمالة مصر وتوظيف العلاقة معها في الملف السوري واليمني لاحقاً بالضغط على السعودية ودول الخليج.
• الأهم من كل ذلك، أن القيادة الإيرانية وعلى رأسها السيد الخامنئي معنيون بالوصول إلى تسوية للملف النووي مع الغرب، رغبة في رفع الحصار عن إيران ليساعدها ذلك سياسياً واقتصادياً في إدارة ملفاتها الإقليمية الشائكة (سورية، اليمن، لبنان، العراق، أفغانستان، البحرين، العلاقة مع دول الخليج، شؤونها الداخلية..)، ومن هنا فإن استئناف المساعدات الإيرانية لحماس مالياً وعسكرياً بشكل حقيقي أمر مشكوك فيه، لأن الدعم الإيراني سيستفز الكيان الإسرائيلي الرافض أصلاً لحل أزمة الملف النووي مع إيران دبلوماسياً، وبالتالي فإن أي دعم إيراني للمقاومة في غزة ستستغله إسرائيل كفزاعة في وجه واشنطن والغرب، وقد يكون سبباً في إعاقة أي تسوية سياسية للملف النووي الإيراني.
أعتقد أن قيادة حماس السياسية تقرأ المشهد جيداً، ولذلك فهي معنية بترميم العلاقة مع إيران، دون التشويش على علاقاتها مع قطر وتركيا، وعلاقتها المأمولة مع السعودية لاحقاً خاصة في ظل التغييرات الداخلية التي يجريها الملك سلمان، والتي قد تنعكس إيجاباً على السياسة الخارجية للمملكة ومنها العلاقة مع حركة حماس، وجماعة الإخوان المسلمين، وهذا قد يكون السبب الحقيقي لزعل إيران وحملتها الإعلامية على خالد مشعل وقيادة حركة حماس السياسية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية