حماس والثورات العربية.. المرحلة الظالمة
رأفت مرة
خلال مسيرتها التي امتدّت إلى الآن سبعة وعشرين عاماً، تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى الكثير من المواجهات السياسية والعسكرية، وشهدت مسيرتها محطّات عدّة في علاقتها ورؤيتها ومواقفها، مثل المواجهات الدائمة مع الاحتلال الصهيوني، والموقف من عملية التسوية ومسار المفاوضات برمّته، ومحطّة مؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو، ودخول السلطة، والمصالحة، والحصار، ومؤتمر شرم الشيخ، وعمليات الإبعاد والاعتقال، والعلاقات العربية والدولية والانتخابات البلدية والتشريعية.
غير أن أصعب وأعقد ما واجهته حماس كانت الثورات العربية، التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010، وامتدّت إلى مصر بداية 2011، ثم إلى سوريا وليبيا واليمن والبحرين والعراق.
هذه الثورات كانت كبيرة بحجمها، ضخمة بنتائجها، خطرة بالتدخلات التي حصلت فيها، عنيفة في أكثر مراحلها، مروّعة في بعض ساحاتها.
والأهم من ذلك، أن هذه الثورات أدت لإسقاط أنظمة، وهددت أنظمة أخرى بالسقوط، وأعادت رسم خرائط، وأثرت في بنية المجتمعات، وهددت أركان الدول، وشكّلت تحالفات، وأدخلت الرعب إلى قلوب أنظمة سياسية هشّة استشعرت الخطر مما يجري في المنطقة.
والأخطر من ذلك، أن هذه المتغيرات شجّعت الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ودول أوروبية مع بعض دول المنطقة على الدخول على خط هذه الثورات، تخريباً وتدميراً واستثماراً، بهدف إجهاض الثورات وحماية ما تبقّى من أنظمة، والثأر من التاريخ السياسي لبعض الأنظمة، ومنع انتقال السلطة من العسكر والأنظمة المرتبطة إلى الشعوب الثائرة.
ولأن معظم التحرّكات الشعبية كانت بدفع إسلامي، فقد تحوّل الأمر إلى صراع مع كل الحركات الإسلامية المنظّمة أو أصحاب "المشروع الإسلامي" الواضح.
وصارت سيطرة الاتجاه الإسلامي على مصر وليبيا وتونس، واحتمال امتداده إلى دول أخرى، عامل قلق أو رعب يهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني وبعض الحكام.
فتولّد عن ذلك معسكر جديد من جهات محلية وإقليمية ودولية يقوم على مواجهة المشروع الإسلامي بشتى عناوينه، وإن لم يكن لهذا المشروع آلية تنسيق أو خطط مشتركة أو استراتيجية واحدة، لكن يجمعه احتمال التوحد والتعاون في المستقبل، ومبرّره خوف الأنظمة.
رعب الأنظمة الساقطة والمهددة بالسقوط من الإسلاميين، دفعها لشنّ هجوم سياسي أمني إعلامي واسع، طال في بعض جوانبه حركة حماس للأسباب الآتية:
1- مرجعية حماس الحركية أو التنظيمية.
2- موقع حماس الشعبي المؤثر.
3- مكانة حماس في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
4- استهداف حماس مدخل جيد لعلاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية.
5- الموقع الجغرافي لقطاع غزة.
كُثر تحدثوا عن استفادة حماس الضخمة من الثورات العربية، لكن هؤلاء يعجزون عن تقديم الدلائل الموضوعية على ما كسبته حماس فعلاً من الثورات العربية.
هذه الاستفادة في نظر هؤلاء، ارتبطت فقط بما يسمى "الإسلام السياسي" وإمكانية صعوده. لكن الوقائع الميدانية على الأرض لم تكن كذلك، ويكفي رصد ممارسات الأجهزة الأمنية العربية وحركة معبر رفح
كل ما تعرّضت له حماس من اتهام بالتدخل هنا وهناك، كان عبارة عن ردود فعل، ومحاولة لتشويه صورة السلطة الجديدة ورغبة في التقرب من الغرب.
نتائج الثورات العربية على حماس كانت سلبية في بعض محطاتها، خاصة لجهة العلاقة مع سوريا وإيران وحزب الله، ولجهة تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وما أصاب مجتمعات اللاجئين في هذه الأقطار، وما لحق بالحركة من هجمات إعلامية منسّقة، ومن تراجع العلاقة مع أنظمة أخرى.
من جهتها، ربطت حماس التغيرات العربية بالأسباب الداخلية وإعادتها لجذورها المتعلقة بقضايا محلية خاصة، وحذّرت من التدخلات الأجنبية، وسعت لمنع حدوث انهيارات، وحاولت تطويق الأزمات وإيجاد حلول محلية، وحرصت على الحل المحلي أو العربي بعيداً عن التدويل، وحذّرت من اتساع العنف والظلم والتدمير، ورفضت الوقوف مع طرف ضد آخر، وعملت على حماية المجتمعات الفلسطينية ومنع جرّها إلى العنف الداخلي.
وكذّبت حماس الاتهامات التي وُجهت لها بالتدخل في مصر وسوريا، وقالت الحركة إنها لا تتدخل في الشأن المحلي لأي دولة، وعلاقاتها متوازنة مع الجميع، ومعركتها فقط مع الاحتلال.
لكن اشتعال الأحداث، وتطور الأزمات وحجم مخاوف الأنظمة لم يترك مجالاً للاستماع لصوت المنطق، فأصبح الموقف السياسي لهؤلاء نابعاً من حربهم من أجل البقاء.. البقاء فقط.
الثورات العربية لم تبدل رؤية حماس التي تقوم على المقاومة، ووحدة الموقف الفلسطيني، ودور الأمة في مواجهة الاحتلال، والصمود، ورفض التسوية والدفاع عن المقدسات.
محاولات كثيرة بذلت لأخذ حماس إلى اتجاهات معينة، وكل طرف يسعى لتوظيف حماس في مشروعه، والغضب على حماس كان يأتي من الجميع، من كل من تقول له حماس "لا".
سنوات صعبة مرّت على الحركة، خسرت أصدقاء وحلفاء، واتهمت بشتى الاتهامات، لكن ما أصاب من خسائر يبقى أقل بكثير مما أصاب هذه الأطراف التي شاركت في الفتنة والاقتتال الداخلي ولعبة الدم والقتل وتدمير المجتمع.
قد يكون من الصعب جداً على حماس أن تعيد علاقاتها إلى ما كانت عليه، أقله في المدى المنظور، لكن حماس نجحت في أنها بقيت في مواجهة الاحتلال ومقاومته، وحافظت على خطّها.. والتاريخ لن يجد شيئاً يوثّقه عن تورط حماس في الثورات العربية، بعدما تسكت آلة القتل والتحريض الإعلامي المنظمة.
رأفت مرة
خلال مسيرتها التي امتدّت إلى الآن سبعة وعشرين عاماً، تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى الكثير من المواجهات السياسية والعسكرية، وشهدت مسيرتها محطّات عدّة في علاقتها ورؤيتها ومواقفها، مثل المواجهات الدائمة مع الاحتلال الصهيوني، والموقف من عملية التسوية ومسار المفاوضات برمّته، ومحطّة مؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو، ودخول السلطة، والمصالحة، والحصار، ومؤتمر شرم الشيخ، وعمليات الإبعاد والاعتقال، والعلاقات العربية والدولية والانتخابات البلدية والتشريعية.
غير أن أصعب وأعقد ما واجهته حماس كانت الثورات العربية، التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010، وامتدّت إلى مصر بداية 2011، ثم إلى سوريا وليبيا واليمن والبحرين والعراق.
هذه الثورات كانت كبيرة بحجمها، ضخمة بنتائجها، خطرة بالتدخلات التي حصلت فيها، عنيفة في أكثر مراحلها، مروّعة في بعض ساحاتها.
والأهم من ذلك، أن هذه الثورات أدت لإسقاط أنظمة، وهددت أنظمة أخرى بالسقوط، وأعادت رسم خرائط، وأثرت في بنية المجتمعات، وهددت أركان الدول، وشكّلت تحالفات، وأدخلت الرعب إلى قلوب أنظمة سياسية هشّة استشعرت الخطر مما يجري في المنطقة.
والأخطر من ذلك، أن هذه المتغيرات شجّعت الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ودول أوروبية مع بعض دول المنطقة على الدخول على خط هذه الثورات، تخريباً وتدميراً واستثماراً، بهدف إجهاض الثورات وحماية ما تبقّى من أنظمة، والثأر من التاريخ السياسي لبعض الأنظمة، ومنع انتقال السلطة من العسكر والأنظمة المرتبطة إلى الشعوب الثائرة.
ولأن معظم التحرّكات الشعبية كانت بدفع إسلامي، فقد تحوّل الأمر إلى صراع مع كل الحركات الإسلامية المنظّمة أو أصحاب "المشروع الإسلامي" الواضح.
وصارت سيطرة الاتجاه الإسلامي على مصر وليبيا وتونس، واحتمال امتداده إلى دول أخرى، عامل قلق أو رعب يهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني وبعض الحكام.
فتولّد عن ذلك معسكر جديد من جهات محلية وإقليمية ودولية يقوم على مواجهة المشروع الإسلامي بشتى عناوينه، وإن لم يكن لهذا المشروع آلية تنسيق أو خطط مشتركة أو استراتيجية واحدة، لكن يجمعه احتمال التوحد والتعاون في المستقبل، ومبرّره خوف الأنظمة.
رعب الأنظمة الساقطة والمهددة بالسقوط من الإسلاميين، دفعها لشنّ هجوم سياسي أمني إعلامي واسع، طال في بعض جوانبه حركة حماس للأسباب الآتية:
1- مرجعية حماس الحركية أو التنظيمية.
2- موقع حماس الشعبي المؤثر.
3- مكانة حماس في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
4- استهداف حماس مدخل جيد لعلاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية.
5- الموقع الجغرافي لقطاع غزة.
كُثر تحدثوا عن استفادة حماس الضخمة من الثورات العربية، لكن هؤلاء يعجزون عن تقديم الدلائل الموضوعية على ما كسبته حماس فعلاً من الثورات العربية.
هذه الاستفادة في نظر هؤلاء، ارتبطت فقط بما يسمى "الإسلام السياسي" وإمكانية صعوده. لكن الوقائع الميدانية على الأرض لم تكن كذلك، ويكفي رصد ممارسات الأجهزة الأمنية العربية وحركة معبر رفح
كل ما تعرّضت له حماس من اتهام بالتدخل هنا وهناك، كان عبارة عن ردود فعل، ومحاولة لتشويه صورة السلطة الجديدة ورغبة في التقرب من الغرب.
نتائج الثورات العربية على حماس كانت سلبية في بعض محطاتها، خاصة لجهة العلاقة مع سوريا وإيران وحزب الله، ولجهة تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وما أصاب مجتمعات اللاجئين في هذه الأقطار، وما لحق بالحركة من هجمات إعلامية منسّقة، ومن تراجع العلاقة مع أنظمة أخرى.
من جهتها، ربطت حماس التغيرات العربية بالأسباب الداخلية وإعادتها لجذورها المتعلقة بقضايا محلية خاصة، وحذّرت من التدخلات الأجنبية، وسعت لمنع حدوث انهيارات، وحاولت تطويق الأزمات وإيجاد حلول محلية، وحرصت على الحل المحلي أو العربي بعيداً عن التدويل، وحذّرت من اتساع العنف والظلم والتدمير، ورفضت الوقوف مع طرف ضد آخر، وعملت على حماية المجتمعات الفلسطينية ومنع جرّها إلى العنف الداخلي.
وكذّبت حماس الاتهامات التي وُجهت لها بالتدخل في مصر وسوريا، وقالت الحركة إنها لا تتدخل في الشأن المحلي لأي دولة، وعلاقاتها متوازنة مع الجميع، ومعركتها فقط مع الاحتلال.
لكن اشتعال الأحداث، وتطور الأزمات وحجم مخاوف الأنظمة لم يترك مجالاً للاستماع لصوت المنطق، فأصبح الموقف السياسي لهؤلاء نابعاً من حربهم من أجل البقاء.. البقاء فقط.
الثورات العربية لم تبدل رؤية حماس التي تقوم على المقاومة، ووحدة الموقف الفلسطيني، ودور الأمة في مواجهة الاحتلال، والصمود، ورفض التسوية والدفاع عن المقدسات.
محاولات كثيرة بذلت لأخذ حماس إلى اتجاهات معينة، وكل طرف يسعى لتوظيف حماس في مشروعه، والغضب على حماس كان يأتي من الجميع، من كل من تقول له حماس "لا".
سنوات صعبة مرّت على الحركة، خسرت أصدقاء وحلفاء، واتهمت بشتى الاتهامات، لكن ما أصاب من خسائر يبقى أقل بكثير مما أصاب هذه الأطراف التي شاركت في الفتنة والاقتتال الداخلي ولعبة الدم والقتل وتدمير المجتمع.
قد يكون من الصعب جداً على حماس أن تعيد علاقاتها إلى ما كانت عليه، أقله في المدى المنظور، لكن حماس نجحت في أنها بقيت في مواجهة الاحتلال ومقاومته، وحافظت على خطّها.. والتاريخ لن يجد شيئاً يوثّقه عن تورط حماس في الثورات العربية، بعدما تسكت آلة القتل والتحريض الإعلامي المنظمة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية