حماس...الطريق الصّعب
صلاح حميدة
تأتي ذكرى انطلاقة حركة "حماس" وقد دخلت مرحلة الشباب، وبلغت من عمرها ستةً وعشرين ربيعا، وربما تكون هذه السنة هي الوحيدة التي قررت فيها الحركة إلغاء مهرجانها المركزي في قطاع غزة؛ لأسباب تتعلق بتضييق الحصار على قطاع غزة، الذي يعتبر القاعدة المتقدمة للحركة في معركة المقاومة والتحرير التي يخوضها الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة.
المتتبع لمسيرة الحركة منذ إنشائها وحتى الآن يدرك كم الصعاب والمِحن والمشاق والتضحيات التي اعترضت طريقها، وهذا عائد لكون الحركة اختارت الطريق الصعب، فهي ابنة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي " وضعت كافة إمكانياتها في معركة تحرير فلسطين" خلال أربعينات القرن الماضي، وقاتل أبناؤها بصمت في معسكرات " الشيوخ" في الستينات منه، ومؤسسو تلك الحركة هم إخوان فلسطين الذين خرجوا رافضين لمقترح الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، ودفعوا ثمن هذا الرفض تضحيات كثيرة من ضمنها التغييب القسري عن الساحة، وبتشويههم والإساءة لهم لعقود، فهي اختارت الوقوف في وجه مشروع الاستعمار الدولي في فلسطين من أول يوم، ولا زالت كذلك من خلال رفضها لشروطه الأربعة، وعبر ممارستها على الأرض.
جاءت الفرصة، ونضجت الظروف لانطلاقة حركة "حماس" الإخوانية في زمن التراجع والهزيمة، زمن ظنّ أعداء الشعب الفلسطيني أنّ الوقت قد حان لتصفية القضية الفلسطينية وترسيخ المشروع الصهيوني للأبد، ولكن رحم فلسطين كان على موعد مع ولادة توأمين، الانتفاضة الشعبية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فقد قرر إخوان فلسطين أنّ الوقت قد حان للعودة لما بدأته حركتهم الأم، وأنّهم – حينها - في وضع جعل تنظيمهم عصيّاً على الاستئصال والإبادة والتشويه، وكانت الانطلاقة.
اقتحمت حركة "حماس" الطريق الصعب، وبدأت بالعمل على الأرض، وواجهت الكثير من المتاعب، وكان الامتحان الأول والأخطر للحركة بعملية الإبعاد إلى مرج الزهور، ولكنّها انقلبت لإنجاز كبير لها، حوَّلها من حركة فلسطينية محلية إلى حركة عالمية، ثم تتابعت عليها المِحن، فحاول الاحتلال اغتيال خالد مشعل، وانقلب الساحر على الساحر، وتتالت الاغتيالات ومحاولات الاستئصال و الاحتواء حتى قال الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر" لخالد مشعل في لقاء جمع بينهما :- " المشكلة أنّكم ليس لكم ثمن" وكانت الحركة على موعد مع حصار و حروب بالغة الشدة والتعقيد، ولكن كانت عملية تبادل الأسرى والصمود وقصف تل الربيع والقدس المحتلتين، وتقول الحركة الآن: إنّ قائمة أهدافها تشمل كل فلسطين، وبهذا بنت الحركة مشروعاً مقاوماً على أرض فلسطين، استطاع العمل والصمود وتحقيق الإنجاز حتى الآن، بالرغم من كل محاولات استئصاله، وهذه سابقة لم تحدث من قبل.
ماضٍ صعب وواقع أصعب تعيشه الحركة بعناصرها ومؤيديها، وبالرغم من الواقع الصعب الذي يعيشه قطاع غزة تحديداً، إلا أنّ هناك التفافاً جماهيرياً حولها، وهو عائد لمواقفها السياسية ولتضحياتها الكبيرة دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني، فكل لاجىء فلسطيني يدرك مخاطر الاعتراف بشروط الرباعية، ويشاهد بأم عينه كيف دفعت الحركة رؤوس كبار قادتها وأبنائهم ثمناً للتمسك بحقوقه، وتعتبر الحركة – تبعاً للتربية التي يتلقاها عناصرها- أنّ هذا الثمن مقبول، وأنّ هذا لا يعتبر مأزقاً لها، بل هو من ضرورات التمحيص والابتلاء والصبر على الحق.
لا يخفى على أحد أنّ الحركة تعاني من تبعات الانقلاب في مصر ومحاولات احتواء " الربيع العربي" ويعود ذلك أساساً لكون الحركة ولدت بالتزامن مع انتفاضة شعبية عام 1987م، تعتمد على دعم الشعوب. وفي مرحلة لاحقة قدمت لها بعض الدول دعماً، ولكن مواقف الحركة الرافضة للاحتواء والتجييش والدخول في أحلاف وتوظيفها في خدمة داعميها أثر تكتيكياً عليها، ولكنه سيخدمها إستراتيجياً، فالإنحياز للأخلاقيات والمبادىء هو الاستثمار الحقيقي للحركات الشعبية، بالاضافة إلى أنّه أسقط كل الادعاءات التي كانت تدعي أنّ الحركة تخدم أجندات هذه الدولة أو تلك، وظهر جلياً أنّ بوصلة الحركة تتجه إلى فلسطين فقط.
طبيعة الحركة وجذورها الشعبية والأخلاقية والقبول الشعبي لمواقفها وإنجازاتها على الأرض، من تفكيك للمستوطنات وهرب المستوطنين، ورعب جنود الاحتلال من إمكانية الأسر، وبدء الاحتلال بالاستعداد لغزو المقاومة للمدن والمغتصبات المحيطة بالقطاع، والحديث عن أنفاق "المجهول" وصواريخ قد تضرب "جوش دان" أوصلت أعداءها لحالة يقينية تٌقِرُّ " بعجزهم عن إفنائها، ولكن يبقى أملهم قائماً بحصارها وتحجيمها وتقليص وتقزيم إنجازاتها على الأرض وإيقاعها في أزمات متلاحقة لتقليص وتحجيم المقبولية الشعبية لبرنامجها لأنّه باهظ التكلفة" كما قال قبل فترة أحد قياداتها. علاقات الحركة مع المحيط الرسمي العربي فاترة عموماً، بسبب خياراتها السياسية، وأكلاف مقاومتها، ومنطلقاتها الشعبية، وتناقض تلك المنطلقات مع طبيعة الأنظمة العربية وخياراتها السياسية، ولكن بعضها إما منح بعض قياداتها ملاذاً أو قدم لها دعماً، وهذا عائد لعدة أهداف، منها رغبة في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، أو محاولةً لاحتوائها ودفعها لتكون جزءاً من النّظام الرسمي العربي، أو لاستخدامها كورقة في الصراعات الإقليمية واللعبة الدولية، وكشفت تجارب الحركة المختلفة أنّها كانت – ولا زالت- عصيَّةً على الاحتواء والتوظيف، وهذا ما أغضب بعض الأنظمة العربية والإسلامية منها في مناسبات مختلفة.
حركة "حماس" حركة مقاومة فلسطينية، وتبعاً للأدوار والإنجازات التي حققتها بصمودها ومقاومتها يظنّ بعض النّاس أنّها قوة عظمى، ويطلبون منها أن تدلي بدلوها في كل ما يدور في العالم العربي، ولكن الواقع يقول إنّ تأثيرالحركة الأخلاقي والسياسي يفوق تأثيرها المادّي، وما يحكم توازنات ومصالح برنامج الحركة التحرري لا يحكم تصرفات الأفراد، وهذا يفرض عليها أن تأخذ جانب الحيادية في الصراعات العربية والإسلامية البينية والدّاخليّة، كما أنّ الحركة شاهدت وتشاهد على أرض الواقع ما الذي حل بحركات مقاومة أقحمت نفسها في صراعات بينية أو داخلية عربية وإسلامية، وما جره ذلك عليها وعلى غيرها. ولذلك قد تبدو الحرب الإعلامية الشرسة ضدها من بعض الأنظمة العربية، والاتهامات بالتدخل في شؤون بعض الدول – بلا دليل- نابعةً من محاولات تبرير حصار قطاع غزة أمام شعبها، ورغبةً في تبرير انتهاج سياسات تعادي المقاومة وتُضَيِّق عليها خدمةً للاحتلال، أو حَنَقاً وغضباً لأنّها لم تقف مع نظام يقتل شعبه ظنَّ في يوم من الأيام أنّ دعمه لها سيجعلها ورقة في يده، وكان رد خالد مشعل بليغاً في هذه النقطة:- " وقفوا معنا في الحق، ولن نقف معهم في الباطل".
على صعيد "المصالحة" فالكل الفلسطيني يدرك استحالتها للتناقض البرامجي بين الطرفين، وأنّ كل تحريك لملفها عائد لمآزق المشروع التفاوضي، ولهذا قد يبدو الوضع الفلسطيني الداخلي مفككاً ومهلهلاً، ولكنه من جانب آخر كان سيكون أسوأ لو لم تكن "حماس" حاضرة بمواقفها وصمودها، فمن الواضح أنّ اللجوء لتحريك ملف المصالحة تكتيكياً عندما تتأزم المفاوضات، واللجوء إليها عند الذهاب لنيل الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة، ليس إلا اعترافاً ضمنياً بالاتكاء على قوة موقف "حماس" الرافض للتسوية والمفاوضات من الأصل، وبإنجازاتها العسكرية بعد معركة "حجارة السّجيل" ولهذا فالحركة تمثل عنصر قوة لأكثر الفلسطينيين اختلافاً معها، ولا أدل على ذلك من تصريحات الزهار التي ذكر فيها أنّ "ياسر عرفات طلب من الحركة تنفيذ عمليات ضد الاحتلال لتحسين شروط التفاوض".
أدبيات ومواقف الحركة تؤكد أنّها نذرت نفسها كي تكون الدرع الحامي لحقوق الشعب الفلسطيني في مرحلة تعتبر من أكثر المراحل تهديداً لتلك الحقوق، وهذا هو أهم دور لها خلال هذه المرحلة وفي المدى المنظور، وهذا ما سيجعلها عرضةً للاستهداف ولدفع أثمان كبيرة في الأيام القادمة.
صلاح حميدة
تأتي ذكرى انطلاقة حركة "حماس" وقد دخلت مرحلة الشباب، وبلغت من عمرها ستةً وعشرين ربيعا، وربما تكون هذه السنة هي الوحيدة التي قررت فيها الحركة إلغاء مهرجانها المركزي في قطاع غزة؛ لأسباب تتعلق بتضييق الحصار على قطاع غزة، الذي يعتبر القاعدة المتقدمة للحركة في معركة المقاومة والتحرير التي يخوضها الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة.
المتتبع لمسيرة الحركة منذ إنشائها وحتى الآن يدرك كم الصعاب والمِحن والمشاق والتضحيات التي اعترضت طريقها، وهذا عائد لكون الحركة اختارت الطريق الصعب، فهي ابنة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي " وضعت كافة إمكانياتها في معركة تحرير فلسطين" خلال أربعينات القرن الماضي، وقاتل أبناؤها بصمت في معسكرات " الشيوخ" في الستينات منه، ومؤسسو تلك الحركة هم إخوان فلسطين الذين خرجوا رافضين لمقترح الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، ودفعوا ثمن هذا الرفض تضحيات كثيرة من ضمنها التغييب القسري عن الساحة، وبتشويههم والإساءة لهم لعقود، فهي اختارت الوقوف في وجه مشروع الاستعمار الدولي في فلسطين من أول يوم، ولا زالت كذلك من خلال رفضها لشروطه الأربعة، وعبر ممارستها على الأرض.
جاءت الفرصة، ونضجت الظروف لانطلاقة حركة "حماس" الإخوانية في زمن التراجع والهزيمة، زمن ظنّ أعداء الشعب الفلسطيني أنّ الوقت قد حان لتصفية القضية الفلسطينية وترسيخ المشروع الصهيوني للأبد، ولكن رحم فلسطين كان على موعد مع ولادة توأمين، الانتفاضة الشعبية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فقد قرر إخوان فلسطين أنّ الوقت قد حان للعودة لما بدأته حركتهم الأم، وأنّهم – حينها - في وضع جعل تنظيمهم عصيّاً على الاستئصال والإبادة والتشويه، وكانت الانطلاقة.
اقتحمت حركة "حماس" الطريق الصعب، وبدأت بالعمل على الأرض، وواجهت الكثير من المتاعب، وكان الامتحان الأول والأخطر للحركة بعملية الإبعاد إلى مرج الزهور، ولكنّها انقلبت لإنجاز كبير لها، حوَّلها من حركة فلسطينية محلية إلى حركة عالمية، ثم تتابعت عليها المِحن، فحاول الاحتلال اغتيال خالد مشعل، وانقلب الساحر على الساحر، وتتالت الاغتيالات ومحاولات الاستئصال و الاحتواء حتى قال الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر" لخالد مشعل في لقاء جمع بينهما :- " المشكلة أنّكم ليس لكم ثمن" وكانت الحركة على موعد مع حصار و حروب بالغة الشدة والتعقيد، ولكن كانت عملية تبادل الأسرى والصمود وقصف تل الربيع والقدس المحتلتين، وتقول الحركة الآن: إنّ قائمة أهدافها تشمل كل فلسطين، وبهذا بنت الحركة مشروعاً مقاوماً على أرض فلسطين، استطاع العمل والصمود وتحقيق الإنجاز حتى الآن، بالرغم من كل محاولات استئصاله، وهذه سابقة لم تحدث من قبل.
ماضٍ صعب وواقع أصعب تعيشه الحركة بعناصرها ومؤيديها، وبالرغم من الواقع الصعب الذي يعيشه قطاع غزة تحديداً، إلا أنّ هناك التفافاً جماهيرياً حولها، وهو عائد لمواقفها السياسية ولتضحياتها الكبيرة دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني، فكل لاجىء فلسطيني يدرك مخاطر الاعتراف بشروط الرباعية، ويشاهد بأم عينه كيف دفعت الحركة رؤوس كبار قادتها وأبنائهم ثمناً للتمسك بحقوقه، وتعتبر الحركة – تبعاً للتربية التي يتلقاها عناصرها- أنّ هذا الثمن مقبول، وأنّ هذا لا يعتبر مأزقاً لها، بل هو من ضرورات التمحيص والابتلاء والصبر على الحق.
لا يخفى على أحد أنّ الحركة تعاني من تبعات الانقلاب في مصر ومحاولات احتواء " الربيع العربي" ويعود ذلك أساساً لكون الحركة ولدت بالتزامن مع انتفاضة شعبية عام 1987م، تعتمد على دعم الشعوب. وفي مرحلة لاحقة قدمت لها بعض الدول دعماً، ولكن مواقف الحركة الرافضة للاحتواء والتجييش والدخول في أحلاف وتوظيفها في خدمة داعميها أثر تكتيكياً عليها، ولكنه سيخدمها إستراتيجياً، فالإنحياز للأخلاقيات والمبادىء هو الاستثمار الحقيقي للحركات الشعبية، بالاضافة إلى أنّه أسقط كل الادعاءات التي كانت تدعي أنّ الحركة تخدم أجندات هذه الدولة أو تلك، وظهر جلياً أنّ بوصلة الحركة تتجه إلى فلسطين فقط.
طبيعة الحركة وجذورها الشعبية والأخلاقية والقبول الشعبي لمواقفها وإنجازاتها على الأرض، من تفكيك للمستوطنات وهرب المستوطنين، ورعب جنود الاحتلال من إمكانية الأسر، وبدء الاحتلال بالاستعداد لغزو المقاومة للمدن والمغتصبات المحيطة بالقطاع، والحديث عن أنفاق "المجهول" وصواريخ قد تضرب "جوش دان" أوصلت أعداءها لحالة يقينية تٌقِرُّ " بعجزهم عن إفنائها، ولكن يبقى أملهم قائماً بحصارها وتحجيمها وتقليص وتقزيم إنجازاتها على الأرض وإيقاعها في أزمات متلاحقة لتقليص وتحجيم المقبولية الشعبية لبرنامجها لأنّه باهظ التكلفة" كما قال قبل فترة أحد قياداتها. علاقات الحركة مع المحيط الرسمي العربي فاترة عموماً، بسبب خياراتها السياسية، وأكلاف مقاومتها، ومنطلقاتها الشعبية، وتناقض تلك المنطلقات مع طبيعة الأنظمة العربية وخياراتها السياسية، ولكن بعضها إما منح بعض قياداتها ملاذاً أو قدم لها دعماً، وهذا عائد لعدة أهداف، منها رغبة في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، أو محاولةً لاحتوائها ودفعها لتكون جزءاً من النّظام الرسمي العربي، أو لاستخدامها كورقة في الصراعات الإقليمية واللعبة الدولية، وكشفت تجارب الحركة المختلفة أنّها كانت – ولا زالت- عصيَّةً على الاحتواء والتوظيف، وهذا ما أغضب بعض الأنظمة العربية والإسلامية منها في مناسبات مختلفة.
حركة "حماس" حركة مقاومة فلسطينية، وتبعاً للأدوار والإنجازات التي حققتها بصمودها ومقاومتها يظنّ بعض النّاس أنّها قوة عظمى، ويطلبون منها أن تدلي بدلوها في كل ما يدور في العالم العربي، ولكن الواقع يقول إنّ تأثيرالحركة الأخلاقي والسياسي يفوق تأثيرها المادّي، وما يحكم توازنات ومصالح برنامج الحركة التحرري لا يحكم تصرفات الأفراد، وهذا يفرض عليها أن تأخذ جانب الحيادية في الصراعات العربية والإسلامية البينية والدّاخليّة، كما أنّ الحركة شاهدت وتشاهد على أرض الواقع ما الذي حل بحركات مقاومة أقحمت نفسها في صراعات بينية أو داخلية عربية وإسلامية، وما جره ذلك عليها وعلى غيرها. ولذلك قد تبدو الحرب الإعلامية الشرسة ضدها من بعض الأنظمة العربية، والاتهامات بالتدخل في شؤون بعض الدول – بلا دليل- نابعةً من محاولات تبرير حصار قطاع غزة أمام شعبها، ورغبةً في تبرير انتهاج سياسات تعادي المقاومة وتُضَيِّق عليها خدمةً للاحتلال، أو حَنَقاً وغضباً لأنّها لم تقف مع نظام يقتل شعبه ظنَّ في يوم من الأيام أنّ دعمه لها سيجعلها ورقة في يده، وكان رد خالد مشعل بليغاً في هذه النقطة:- " وقفوا معنا في الحق، ولن نقف معهم في الباطل".
على صعيد "المصالحة" فالكل الفلسطيني يدرك استحالتها للتناقض البرامجي بين الطرفين، وأنّ كل تحريك لملفها عائد لمآزق المشروع التفاوضي، ولهذا قد يبدو الوضع الفلسطيني الداخلي مفككاً ومهلهلاً، ولكنه من جانب آخر كان سيكون أسوأ لو لم تكن "حماس" حاضرة بمواقفها وصمودها، فمن الواضح أنّ اللجوء لتحريك ملف المصالحة تكتيكياً عندما تتأزم المفاوضات، واللجوء إليها عند الذهاب لنيل الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة، ليس إلا اعترافاً ضمنياً بالاتكاء على قوة موقف "حماس" الرافض للتسوية والمفاوضات من الأصل، وبإنجازاتها العسكرية بعد معركة "حجارة السّجيل" ولهذا فالحركة تمثل عنصر قوة لأكثر الفلسطينيين اختلافاً معها، ولا أدل على ذلك من تصريحات الزهار التي ذكر فيها أنّ "ياسر عرفات طلب من الحركة تنفيذ عمليات ضد الاحتلال لتحسين شروط التفاوض".
أدبيات ومواقف الحركة تؤكد أنّها نذرت نفسها كي تكون الدرع الحامي لحقوق الشعب الفلسطيني في مرحلة تعتبر من أكثر المراحل تهديداً لتلك الحقوق، وهذا هو أهم دور لها خلال هذه المرحلة وفي المدى المنظور، وهذا ما سيجعلها عرضةً للاستهداف ولدفع أثمان كبيرة في الأيام القادمة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية