حملة مكافحة التخابر ... وجهة نظر
دكتور/ هشام سليم المغاري
أثبتت حملة مكافحة التخابر حرص وزارة الداخلية بغزة على مواجهة أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية)، وتنقية الصف الفلسطيني من شوائب العملاء. ومما لا شك فيه أن القائمين على الحملة، من أفراد ومؤسسات، بذلوا جهوداً كبيرة، فقد عقدوا مئات المحاضرات واللقاءات الإذاعية والتليفزيونية، وأوصلوا صوتهم إلى عدد كبير من أبناء شعبنا، الذين باتوا يعرفون أساليب الاحتلال في الإسقاط وطرق الوقاية منه، كما أظهرت أجهزة الأمن الفلسطينية دقّة فائقة في احتضان من أعلنوا توبتهم، لكنّ ذلك لا يمنعنا من قراءة متأنية للحملة، لعلنا نقف على بعض ما يفيد أجهزة الأمن الفلسطينية عند تنفيذ أنشطة أمنية مشابهة.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاق مثل هذا النوع من الحملات أن هناك حدث جلل أو مشكلة متجذّرة، أو ظاهرة آخذة بالنمو، وبحاجة إلى تضافر الجهود لمواجهتها. ومما لا شك فيه أن مشكلة التخابر تؤرق كل فلسطيني ووطني، لكنها ليست ظاهرة في المجتمع الفلسطيني بالمفهوم العلمي الاجتماعي، وإطلاق الحملة بهذه الكثافة قد يوحي للبعض ـــ في الداخل أو الخارج ـــ أن هناك شريحة كبيرة من العملاء الفلسطينيين، تنخر في الجسد الفلسطيني وتوشك على إنهاكه، في حين أن هذا ليس دقيقاً، خصوصاً بعد أن أثبتت المقاومة قدرتها على إخفاء شاليط مدة زادت على خمسة أعوام، وما أثبتته الحربان في شتاء (2008/2009) و(نوفمبر/2012)، اللتان أكدتا أن يد الاحتلال كانت مكبّلة، ومعلوماته كانت قاصرة، بعد أن لم يتمكن من توجيه ضربة قاضية للمقاومة الفلسطينية، رغم حرصه الشديد على الخروج منتصراً.
ويبدو أن القائمين على الحملة كلّفوا أحد قادة الأمن الفلسطيني لمتابعة مجريات الحملة مع الإعلام، وهذا مخالف للأعراف التي دأبت عليها الأجهزة الأمنية، فلا يخفى أن أجهزة الأمن تجمع كل أقوال ضباط الأمن المعادين وكتاباتهم، وتتابع لقاءاتهم وندواتهم؛ الأمر الذي يساهم في التعرّف على أفكارهم، وما يحاولون إخفاءه، بعد تحليل مضمون كلامهم، وقراءة لغة أجسادهم. وكان الأولى أن توكل مهمة مواجهة الإعلام لناطق إعلامي غير مطّلع على تفاصيل عمل الأجهزة الأمنية.
لقد أعلنت وزارة الداخلية أنها ستنظّم حملة اعتقالات ضد العملاء الذين لم يسلّموا أنفسهم، فور انتهاء المدة الممنوحة لهم (11 أبريل 2013)، كما أن بعض الإذاعات المحلية أكّدت على ذلك من خلال إعلانات سبقت انتهاء الحملة، وقد تسبّب ذلك في حدوث التباس لدى الجمهور، حول الأشخاص الذين تم استدعاؤهم أو اعتقالهم في وقت متزامن مع انتهاء الحملة، رغم أن اعتقالهم لم يكن مرتبطاً بها؛ ما يوجب على وزارة الداخلية طمأنة الجماهير وتوضيح ذلك، لضمان حقوق المواطنين الذين لا ينتمون إلى تلك الفئة، والحرص في مرات قادمة على تجاوز هذه المشكلة، وعدم ربط اعتقال أية فئة مخلّة بالقانون بتاريخ معين.
كما أن الحملة أسفرت عن هروب بعض العملاء إلى أحضان الاحتلال، وفي ذلك خسارة وطنية كبيرة، رغم ما يستحقه الهاربون من عقاب، لأن الهارب لن يجد أمامه إلا زيادة الولاء للاحتلال، وستحرص أجهزة الأمن (الإسرائيلية) على تعميق حقده على شعبه، واستغلاله بأساليب جديدة وخسيسة، سرية وعلنية. وهذا يتطلب أن تزيد وزارة الداخلية من نشاطها الاستخباري، ومتابعة الحدود والنقاط التي يمكن أن يهرب بعض الظالمين لأنفسهم من العملاء من خلالها، كما أن عليها أن تستخدم أساليب هادئة في ملاحقتهم، دون الحاجة للإعلان وزيادة الضجيج، وأن تتوافق مع القضاء الفلسطيني لعدم تقييد الفترات الممنوحة للتوبة والإفصاح عن جريمة التخابر، ليتشجّع من تورط على تسليم نفسه في أي وقت بدلاً من الهرب والارتماء في أحضان العدو، عندما تضيق عليه دائرة الملاحقة الأمنية.
ومن البديهي أن الحملات التي يكون الجمهور أحد مركباتها، تنتهي بتقارير ختامية موجزة تضع المتابعين في صورة نتائجها، وهذا ما كان يتوقعه الجمهور الفلسطيني، غير أن ذلك لم يحدث، ولم يتعرّف أحدٌ على أعداد العملاء الذين سلّموا أنفسهم، أو طُرق التواصل معهم، أو أولئك الذين هربوا وارتموا في أحضان الأعداء، وبالتأكيد أن أجهزة الأمن معذورة في ذلك، لدواع أمنية تمنعها من الكشف عن تلك الحقائق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإعادة دمج التائبين في المجتمع، وتحويلهم من خائنين باعوا دينهم ووطنهم، إلى أبطال ينتظرون الفرصة ليثبتوا انتماءهم للوطن والحرص على التضحية من أجله، لكن الجمهور سيبقى حائراً ومتسائلاً عن حقيقة نتائج الحملة وقيمتها، وقد يرضيه أن يخرج القائمون على الحملة بتقرير يبيّن حجم الأنشطة التي بذلوها، مثل: عدد المحاضرات والندوات، والبرامج التليفزيونية والإذاعية، وعدد الذين استفادوا منها، وموقف الجمهور الفلسطيني، وردود أفعال القادة السياسيين والأمنيين (الإسرائيليين)، وغير ذلك، مع الاعتذار للجمهور عن عدم إمكانية الإفصاح عن معلومات ذات دلالة أمنية.
من المؤكد أن أجهزة الأمن الفلسطينية قد أدركت أن الإعلان عن الحملة نقل ضبّاط الأمن (الإسرائيليين) من إدارة عمليات التخابر والتواصل مع عملائهم من الطرق الروتينية إلى إدارة الأزمة، ما رفع من مستوى الحذر لدى الأمن (الإسرائيلي)، وزاد من كثافة التواصل مع العملاء، في حملة مضادة تهدف إلى تثبيت العملاء وطمأنتهم؛ الأمر الذي قد ينتج عنه حالة من الوهم والضياع تتلبّس العميل فتشعره بزيادة الحاجة لضابط المخابرات، الذي يستغلّ هذه الحالة فيزيد من توريط العميل دون أي وازع إنساني. ومن جهة أخرى، فقد خلقت هذه الحالة بيئة خصبة يمكن لأجهزة الأمن الفلسطينية أن تستثمرها في الملاحقة والمتابعة، وكشف مزيد من العملاء، نظراً لزيادة التواصل بين العملاء وضباط المخابرات، فمن كَثُرَ حديثه كَثُرَ سَقَطُه، ومن زادت حركته زادت فرصة وقوعه، وقد أثبتت التجارب المحلّية والدولية أن أجهزة الأمن تكون أقدر على جمع المعلومات وتوثيقها في زمن الحروب والأزمات.
على أجهزة الأمن الفلسطينية أن تدرك أن أجهزة أمن العدو، بعد الحملة، مضطرة لإعادة النظر في أساليبها الاستخبارية، من حيث تجنيد العملاء، والتواصل معهم، وتشغيلهم، وتمويلهم؛ الأمر الذي يلقي على عاتقها أعباءً إضافية للتعرّف على تلك المستجدات ووضع الخطط المناسبة للتعامل معها، ما يعني أن هناك خسارة غير مباشرة قد تصيب أداء أجهزة الأمن الفلسطينية، وقد تكون أنسب الطرق لتجاوز تلك المشكلة هو إعادة تشغيل بعض من أعلنوا توبتهم لكشف مزيد من أنشطة المخابرات (الإسرائيلية) وأساليبها.
دكتور/ هشام سليم المغاري
أثبتت حملة مكافحة التخابر حرص وزارة الداخلية بغزة على مواجهة أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية)، وتنقية الصف الفلسطيني من شوائب العملاء. ومما لا شك فيه أن القائمين على الحملة، من أفراد ومؤسسات، بذلوا جهوداً كبيرة، فقد عقدوا مئات المحاضرات واللقاءات الإذاعية والتليفزيونية، وأوصلوا صوتهم إلى عدد كبير من أبناء شعبنا، الذين باتوا يعرفون أساليب الاحتلال في الإسقاط وطرق الوقاية منه، كما أظهرت أجهزة الأمن الفلسطينية دقّة فائقة في احتضان من أعلنوا توبتهم، لكنّ ذلك لا يمنعنا من قراءة متأنية للحملة، لعلنا نقف على بعض ما يفيد أجهزة الأمن الفلسطينية عند تنفيذ أنشطة أمنية مشابهة.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاق مثل هذا النوع من الحملات أن هناك حدث جلل أو مشكلة متجذّرة، أو ظاهرة آخذة بالنمو، وبحاجة إلى تضافر الجهود لمواجهتها. ومما لا شك فيه أن مشكلة التخابر تؤرق كل فلسطيني ووطني، لكنها ليست ظاهرة في المجتمع الفلسطيني بالمفهوم العلمي الاجتماعي، وإطلاق الحملة بهذه الكثافة قد يوحي للبعض ـــ في الداخل أو الخارج ـــ أن هناك شريحة كبيرة من العملاء الفلسطينيين، تنخر في الجسد الفلسطيني وتوشك على إنهاكه، في حين أن هذا ليس دقيقاً، خصوصاً بعد أن أثبتت المقاومة قدرتها على إخفاء شاليط مدة زادت على خمسة أعوام، وما أثبتته الحربان في شتاء (2008/2009) و(نوفمبر/2012)، اللتان أكدتا أن يد الاحتلال كانت مكبّلة، ومعلوماته كانت قاصرة، بعد أن لم يتمكن من توجيه ضربة قاضية للمقاومة الفلسطينية، رغم حرصه الشديد على الخروج منتصراً.
ويبدو أن القائمين على الحملة كلّفوا أحد قادة الأمن الفلسطيني لمتابعة مجريات الحملة مع الإعلام، وهذا مخالف للأعراف التي دأبت عليها الأجهزة الأمنية، فلا يخفى أن أجهزة الأمن تجمع كل أقوال ضباط الأمن المعادين وكتاباتهم، وتتابع لقاءاتهم وندواتهم؛ الأمر الذي يساهم في التعرّف على أفكارهم، وما يحاولون إخفاءه، بعد تحليل مضمون كلامهم، وقراءة لغة أجسادهم. وكان الأولى أن توكل مهمة مواجهة الإعلام لناطق إعلامي غير مطّلع على تفاصيل عمل الأجهزة الأمنية.
لقد أعلنت وزارة الداخلية أنها ستنظّم حملة اعتقالات ضد العملاء الذين لم يسلّموا أنفسهم، فور انتهاء المدة الممنوحة لهم (11 أبريل 2013)، كما أن بعض الإذاعات المحلية أكّدت على ذلك من خلال إعلانات سبقت انتهاء الحملة، وقد تسبّب ذلك في حدوث التباس لدى الجمهور، حول الأشخاص الذين تم استدعاؤهم أو اعتقالهم في وقت متزامن مع انتهاء الحملة، رغم أن اعتقالهم لم يكن مرتبطاً بها؛ ما يوجب على وزارة الداخلية طمأنة الجماهير وتوضيح ذلك، لضمان حقوق المواطنين الذين لا ينتمون إلى تلك الفئة، والحرص في مرات قادمة على تجاوز هذه المشكلة، وعدم ربط اعتقال أية فئة مخلّة بالقانون بتاريخ معين.
كما أن الحملة أسفرت عن هروب بعض العملاء إلى أحضان الاحتلال، وفي ذلك خسارة وطنية كبيرة، رغم ما يستحقه الهاربون من عقاب، لأن الهارب لن يجد أمامه إلا زيادة الولاء للاحتلال، وستحرص أجهزة الأمن (الإسرائيلية) على تعميق حقده على شعبه، واستغلاله بأساليب جديدة وخسيسة، سرية وعلنية. وهذا يتطلب أن تزيد وزارة الداخلية من نشاطها الاستخباري، ومتابعة الحدود والنقاط التي يمكن أن يهرب بعض الظالمين لأنفسهم من العملاء من خلالها، كما أن عليها أن تستخدم أساليب هادئة في ملاحقتهم، دون الحاجة للإعلان وزيادة الضجيج، وأن تتوافق مع القضاء الفلسطيني لعدم تقييد الفترات الممنوحة للتوبة والإفصاح عن جريمة التخابر، ليتشجّع من تورط على تسليم نفسه في أي وقت بدلاً من الهرب والارتماء في أحضان العدو، عندما تضيق عليه دائرة الملاحقة الأمنية.
ومن البديهي أن الحملات التي يكون الجمهور أحد مركباتها، تنتهي بتقارير ختامية موجزة تضع المتابعين في صورة نتائجها، وهذا ما كان يتوقعه الجمهور الفلسطيني، غير أن ذلك لم يحدث، ولم يتعرّف أحدٌ على أعداد العملاء الذين سلّموا أنفسهم، أو طُرق التواصل معهم، أو أولئك الذين هربوا وارتموا في أحضان الأعداء، وبالتأكيد أن أجهزة الأمن معذورة في ذلك، لدواع أمنية تمنعها من الكشف عن تلك الحقائق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإعادة دمج التائبين في المجتمع، وتحويلهم من خائنين باعوا دينهم ووطنهم، إلى أبطال ينتظرون الفرصة ليثبتوا انتماءهم للوطن والحرص على التضحية من أجله، لكن الجمهور سيبقى حائراً ومتسائلاً عن حقيقة نتائج الحملة وقيمتها، وقد يرضيه أن يخرج القائمون على الحملة بتقرير يبيّن حجم الأنشطة التي بذلوها، مثل: عدد المحاضرات والندوات، والبرامج التليفزيونية والإذاعية، وعدد الذين استفادوا منها، وموقف الجمهور الفلسطيني، وردود أفعال القادة السياسيين والأمنيين (الإسرائيليين)، وغير ذلك، مع الاعتذار للجمهور عن عدم إمكانية الإفصاح عن معلومات ذات دلالة أمنية.
من المؤكد أن أجهزة الأمن الفلسطينية قد أدركت أن الإعلان عن الحملة نقل ضبّاط الأمن (الإسرائيليين) من إدارة عمليات التخابر والتواصل مع عملائهم من الطرق الروتينية إلى إدارة الأزمة، ما رفع من مستوى الحذر لدى الأمن (الإسرائيلي)، وزاد من كثافة التواصل مع العملاء، في حملة مضادة تهدف إلى تثبيت العملاء وطمأنتهم؛ الأمر الذي قد ينتج عنه حالة من الوهم والضياع تتلبّس العميل فتشعره بزيادة الحاجة لضابط المخابرات، الذي يستغلّ هذه الحالة فيزيد من توريط العميل دون أي وازع إنساني. ومن جهة أخرى، فقد خلقت هذه الحالة بيئة خصبة يمكن لأجهزة الأمن الفلسطينية أن تستثمرها في الملاحقة والمتابعة، وكشف مزيد من العملاء، نظراً لزيادة التواصل بين العملاء وضباط المخابرات، فمن كَثُرَ حديثه كَثُرَ سَقَطُه، ومن زادت حركته زادت فرصة وقوعه، وقد أثبتت التجارب المحلّية والدولية أن أجهزة الأمن تكون أقدر على جمع المعلومات وتوثيقها في زمن الحروب والأزمات.
على أجهزة الأمن الفلسطينية أن تدرك أن أجهزة أمن العدو، بعد الحملة، مضطرة لإعادة النظر في أساليبها الاستخبارية، من حيث تجنيد العملاء، والتواصل معهم، وتشغيلهم، وتمويلهم؛ الأمر الذي يلقي على عاتقها أعباءً إضافية للتعرّف على تلك المستجدات ووضع الخطط المناسبة للتعامل معها، ما يعني أن هناك خسارة غير مباشرة قد تصيب أداء أجهزة الأمن الفلسطينية، وقد تكون أنسب الطرق لتجاوز تلك المشكلة هو إعادة تشغيل بعض من أعلنوا توبتهم لكشف مزيد من أنشطة المخابرات (الإسرائيلية) وأساليبها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية