خالد مشعل.. طريق فلسطين تمرّ من فلسطين
أحمد الحاج
يصفه خصومه بـ "المتشدد"، لكن أنصاره ومؤيدي المقاومة يصفونه بـ "الصلب". تختصر ملصقات صوره على جدران مخيم شاتيلا، جنوب بيروت، نظرة شعبه إليه، وقد كُتب عند أسفلها "الثابت على الثوابت".
خالد عبد الرحيم مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). مظهره، بهندامه الجيد، ولحيته المهذّبة، يوحي بكثير من شخصيته المرنة، لكن نظرة على مواقفه من المقاومة والقدس والعودة تؤكد على صلابة الرجل الذي طالما ردّد في لقاءاته الصحفية بيت شعر للمتنبي: ووضع الندى في موضع السيف بالعلى/ مضر كوضع السيف في موضع الندى. فهو المرن والثابت في الوقت نفسه.
النشأة والجذور
ليس بالإمكان الإحاطة بشخصية مشعل دون العودة إلى جذوره ونشأته التي تركت بصماتها وأثرها في حياته ومواقفه. فولادته كانت في بلدة سلواد قضاء رام الله، وسط عشيرة حامد التي ينتمي إليها مقاومون كثر، من بينهم القائد القسامي إبراهيم حامد. في سلواد اشتغل وعمل في الأرض، وتفوق في مدارسها. تربى على حكايات أبيه عبد الرحيم عن جهاده في حيفا مع مائتي مقاتل أثناء ثورة عام 1936، ثم انضمامه إلى حركة الإخوان المسلمين عام 1946 ليُكمل من خلالها مشوار نضاله. وبعد ذلك قتاله عام 1948 تحت لواء جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني.
تهجرت عائلته إلى الكويت إثر نكسة عام 1967، لينتسب مبكراً إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1971. يقول الكاتب الاسترالي بول ماغّوو في كتابه "اقتل خالد" إنه كان دوماً يطلب الشهادة، ويصر على والدته أن تقول آمين. دخل جامعة الكويت، قسم الفيزياء، وتفوق. مناظرات دائمة في الجامعة، كان الأبرز فيها، فأثار إعجاب أستاذه أسعد عبد الرحمن، المسؤول المعروف في حركة فتح، فيقول "هناك الكثير من الطلاب الممتازين والجيدين. كان الطالب النابغة الوحيد الذي رأيته في خلال تسعة عشر عاماً من التدريس".
في أوائل عام 1983 يجتمع إسلاميون فلسطينيون، من معظم مناطق اللجوء وفلسطين المحتلة، فيُتّخذ قرار تاريخي بتأسيس مشروع إسلامي فلسطيني، ويجري التحضير بشكل مفصل لتهيئة متطلبات نجاحه.
في عام 1995 يُعتقل رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في الولايات المتحدة، مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين في السجن، سلطة أوسلو تعتقل المئات من قياديي الحركة وناشطيها، بينما السفير الأمريكي في تل أبيب مارتن أنديك يقول لزملائه "ربما يكون أمرهم (حماس) قد انتهى". يتسلم مشعل رئاسة المكتب السياسي، تنشط المقاومة ضد الاحتلال، والعمليات الاستشهادية على رأسها. يُغتال يحيى عياش، تستمر العمليات الاستشهادية.
محاولة الاغتيال تحرّر الشيخ ياسين
في مبنى "الموساد" في تل أبيب كانت القيادات الأمنية الإسرائيلية تجتمع لتقرر طريقة قتل الرجل "الذي لا توجد كلمة "إسرائيل" في قاموسه الأيديولوجي"، كما وصف "الموساد" مشعل. تجازف دولة الاحتلال بقيادة نتنياهو بمحاولة قتل مشعل في الأردن، رغم معاهدة وادي عربة، ورغم التعاون الاستخباراتي الثمين بين الأردن و"إسرائيل"، فالمستهدف خطير لدرجة يستحق قتله المجازفة والمخاطرة.
تفشل المحاولة، ويخرج الشيخ ياسين من السجن، ليرقد إلى جانب غرفة مشعل في المستشفى، لم يصدّق الأخير أنه كان سبباً في إطلاق سراح أحبّ الناس إلى قلبه، ينهض من فراشه، بهدف الوصول إلى غرفة الشيخ، يحاول الطاقم الطبي منعه، لكنه يقاوم، ويصل. "كان شعوراً غامراً بالفخر والامتنان لله بأن محاولة اغتيالي كانت السبب في إطلاق سراحه. كان نجاح حماس وفشل إسرائيل إثباتاً على إيماننا الإسلامي بقوة الله التي لا حدود لها"، قال مشعل.
تحاول "حماس" أن لا تصطدم بالسلطة الفلسطينية، وكعادة مشعل، التي سيُعرف بها أكثر فأكثر، يختار العبارات التي توصل الرسالة، دون أن تشكل جرحاً في كبرياء المرسَل إليه يصعب إصلاحه لاحقاً، هذا إذا كان المتلقي فلسطينياً أو عربياً، أما بالنسبة للاحتلال فالرسالة واضحة: "العمليات ضد الاحتلال مجيدة وشرعية"، وبقي كذلك حتى بعد إبعاده عن الأردن عام 1999.
يقود مشعل الانتفاضة التي ستنطلق بعد ذلك بعام، برفدها ببعدها الخارجي الضروري للاستمرار. يستشهد الشيخ أحمد ياسين ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ويهدد وزراء إسرائيليون على رأسهم جدعون عيزرا: "مصير خالد مشعل هو مصير الرنتيسي"، وتبعات أي عملية في دمشق ستكون أقل بكثير من تبعاتها في عمّان. لا يأبه مشعل، يثبت على موقفه: "إن زوال إسرائيل ليس مجرد رغبة فلسطينية، أو عربية، أو إسلامية، بل هو حقيقة تاريخية وطبيعية، إذ لا بد أن ينتهي الظلم والكيان الذي قام على أساسه. إن الكيان الصهيوني نشأ على أرض لا يمتلكها، وعلى حساب شعب يعيش فوق هذه الأرض. نحن نراهن على أن الوقت سيعمل لصالحنا لكن في ظل المقاومة والتضحيات".
يخرج الاحتلال من غزة، بفعل عمليات المقاومة، وتضحيات قادتها، وإدارة سياسية، ودعم معنوي ومادي في الداخل والخارج. تقرر حماس دخول الانتخابات، يتكلم مشعل عبر الهاتف إلى الحشود في الأراضي المحتلة، يصرّ على المقاومة كطريق وحيد للتحرير. تفوز حماس، تُحاصر. تؤكد على أن السلطة ليست بديلاً من المقاومة، فتأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد أشهر من فوزها في الانتخابات. يدير مشعل المفاوضات غير المباشرة، ولا يخضع وحركته للابتزاز والتهديد؛ الإسرائيلي والعربي أحياناً، فيرضخ الاحتلال، ويُطلق سراح حوالى 1200 أسير فلسطيني من ذوي الأحكام العالية.
يقود المقاومة نحو الانتصار
تخوض (حماس) حربين؛ الأولى في 2008-2009، والثانية إثر اغتيال القائد القسامي أحمد الجعبري في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. يصدر القرار التاريخي بقصف تل أبيب والقدس، أجمع المراقبون على أن مثل هكذا قرار خطير، نظراً لتبعاته، لا يمكن أن يصدر إلا عن المكتب السياسي ورئيسه. وهذه هي المرة الأولى التي تقصف فيها حركة مقاومة تل أبيب.
تندلع ثورات ما عُرف بالربيع العربي، وتصل إلى ما كان يُعرف بـ"محور الممانعة"، تدعو (حماس) إلى حوار وحلّ سياسي داخلي، يحفظ حقوق الشعب دون أن يؤدي إلى فوضى ويهدّد وحدة الأمة. يُهاجَم رئيس المكتب السياسي للحركة، ترفض الأخيرة الردّ المباشر، وتحذّر من المخاطر المترتبة على الحلول الأمنية، ويشدد مشعل على أنه "لا يجوز أبداً إثارة النعرات بين مسلم ومسيحي.. كما لا يجوز إثارة النعرات بين سنّي وشيعي (...) هذا ضار بوحـدة الأمّة".
استمر الهجوم الإعلامي على مشعل وحماس، ولو ردّت الحركة بنفس الحدة لكانت وحدة الأمة في مهبّ الريح، لكن وعيها بالمخاطر كان أكبر من الحملات عليها، كما ظهر. فعندما كان الفلسطينيون يُطاردون ويُقتلون في العراق، كان مشعل شخصياً يحاول تحقيق هدفين؛ حماية الفلسطينيين ومنع الفتنة، وأجرى اتصالات ومشاورات عالية المستوى من أجل ذلك. وفي لبنان كان له دور واضح، يعلمه الجميع، في حماية العلاقات اللبنانية الفلسطينية، خاصة خلال أحداث صيدا، والاشتباكات بين الشيخ الأسير والجيش اللبناني.
استمر الهجوم الإعلامي على مشعل، ولو قرأوا قليلاً من مقابلاته خلال وجوده في العاصمة دمشق لفهموا مواقفه وتوقفوا عن الضغوط التي لا تصل إلى شيء. في مقابلته الشهيرة مع غسان شربل يقول بصراحة "علاقتنا الجيدة مع سورية وإيران لا تعني أننا جزء من برنامجهما، لكن هذه العلاقة جزء من تعزيز العمق العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية". ولو قرأوا لغة جسده أثناء لقائه أعلى المسؤولين لعرفوا ثقته بحركته، فهو يمدّ ذراعيه، ولا يجلس على طرف المقعد، كما يفعل البعض.
مشعل، كما (حماس)، يرى أن طريق فلسطين يمر فقط عبر فلسطين، لا عبر مكان آخر. أشاعوا أن مشعل سينتهي دوره في حركة (حماس)، فإذا بالحركة تختاره بالإجماع رئيساً لمكتبها السياسي، فمواقفه هي مواقف الحركة نفسها، "إن صاحب الكلمة الأخيرة هو المؤسسة والقرار"، كما كان يردّد.
في ظهوره الأخير عبر مؤتمر مؤسسة القدس، لم يفاجئ مشعل عارفيه، حين دعا إلى "توحيد الصف الفلسطيني، ووحدة العمل الوطني من أجل القدس والأقصى، والمسارعة لإنجاز المصالحة، وإنهاء الانقسام (...) ولا أحد مخوّل أن يتنازل عن القدس"، فقد كانت القدس والأقصى والمقدّسات هاجسه دائماً، وفي عام 1994 سافر إلى كوالالمبور وإسلام أباد حاشداً الدعم، وساعياً لإقامة مؤتمر كبير لرجال الدين المسلمين بشأن مصير القدس.
رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل، يقود سفينة حركته منذ حوالى سبعة عشر عاماً. السفينة تكبر، والأمواج تعلو، ولم يتغير به سوى سواد شعره الذي أصبح أشيب، ولم يبدّل وبقي يردد حتى أيام قليلة خلت "المشروع الصهيوني يشكل نقيضاً جذرياً لمشروع الأمة ولوجودها ولمصالحها". ألم تصفه الملصقات في مخيم شاتيلا بأنه "الثابت على الثوابت"؟
أحمد الحاج
يصفه خصومه بـ "المتشدد"، لكن أنصاره ومؤيدي المقاومة يصفونه بـ "الصلب". تختصر ملصقات صوره على جدران مخيم شاتيلا، جنوب بيروت، نظرة شعبه إليه، وقد كُتب عند أسفلها "الثابت على الثوابت".
خالد عبد الرحيم مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). مظهره، بهندامه الجيد، ولحيته المهذّبة، يوحي بكثير من شخصيته المرنة، لكن نظرة على مواقفه من المقاومة والقدس والعودة تؤكد على صلابة الرجل الذي طالما ردّد في لقاءاته الصحفية بيت شعر للمتنبي: ووضع الندى في موضع السيف بالعلى/ مضر كوضع السيف في موضع الندى. فهو المرن والثابت في الوقت نفسه.
النشأة والجذور
ليس بالإمكان الإحاطة بشخصية مشعل دون العودة إلى جذوره ونشأته التي تركت بصماتها وأثرها في حياته ومواقفه. فولادته كانت في بلدة سلواد قضاء رام الله، وسط عشيرة حامد التي ينتمي إليها مقاومون كثر، من بينهم القائد القسامي إبراهيم حامد. في سلواد اشتغل وعمل في الأرض، وتفوق في مدارسها. تربى على حكايات أبيه عبد الرحيم عن جهاده في حيفا مع مائتي مقاتل أثناء ثورة عام 1936، ثم انضمامه إلى حركة الإخوان المسلمين عام 1946 ليُكمل من خلالها مشوار نضاله. وبعد ذلك قتاله عام 1948 تحت لواء جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني.
تهجرت عائلته إلى الكويت إثر نكسة عام 1967، لينتسب مبكراً إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1971. يقول الكاتب الاسترالي بول ماغّوو في كتابه "اقتل خالد" إنه كان دوماً يطلب الشهادة، ويصر على والدته أن تقول آمين. دخل جامعة الكويت، قسم الفيزياء، وتفوق. مناظرات دائمة في الجامعة، كان الأبرز فيها، فأثار إعجاب أستاذه أسعد عبد الرحمن، المسؤول المعروف في حركة فتح، فيقول "هناك الكثير من الطلاب الممتازين والجيدين. كان الطالب النابغة الوحيد الذي رأيته في خلال تسعة عشر عاماً من التدريس".
في أوائل عام 1983 يجتمع إسلاميون فلسطينيون، من معظم مناطق اللجوء وفلسطين المحتلة، فيُتّخذ قرار تاريخي بتأسيس مشروع إسلامي فلسطيني، ويجري التحضير بشكل مفصل لتهيئة متطلبات نجاحه.
في عام 1995 يُعتقل رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في الولايات المتحدة، مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين في السجن، سلطة أوسلو تعتقل المئات من قياديي الحركة وناشطيها، بينما السفير الأمريكي في تل أبيب مارتن أنديك يقول لزملائه "ربما يكون أمرهم (حماس) قد انتهى". يتسلم مشعل رئاسة المكتب السياسي، تنشط المقاومة ضد الاحتلال، والعمليات الاستشهادية على رأسها. يُغتال يحيى عياش، تستمر العمليات الاستشهادية.
محاولة الاغتيال تحرّر الشيخ ياسين
في مبنى "الموساد" في تل أبيب كانت القيادات الأمنية الإسرائيلية تجتمع لتقرر طريقة قتل الرجل "الذي لا توجد كلمة "إسرائيل" في قاموسه الأيديولوجي"، كما وصف "الموساد" مشعل. تجازف دولة الاحتلال بقيادة نتنياهو بمحاولة قتل مشعل في الأردن، رغم معاهدة وادي عربة، ورغم التعاون الاستخباراتي الثمين بين الأردن و"إسرائيل"، فالمستهدف خطير لدرجة يستحق قتله المجازفة والمخاطرة.
تفشل المحاولة، ويخرج الشيخ ياسين من السجن، ليرقد إلى جانب غرفة مشعل في المستشفى، لم يصدّق الأخير أنه كان سبباً في إطلاق سراح أحبّ الناس إلى قلبه، ينهض من فراشه، بهدف الوصول إلى غرفة الشيخ، يحاول الطاقم الطبي منعه، لكنه يقاوم، ويصل. "كان شعوراً غامراً بالفخر والامتنان لله بأن محاولة اغتيالي كانت السبب في إطلاق سراحه. كان نجاح حماس وفشل إسرائيل إثباتاً على إيماننا الإسلامي بقوة الله التي لا حدود لها"، قال مشعل.
تحاول "حماس" أن لا تصطدم بالسلطة الفلسطينية، وكعادة مشعل، التي سيُعرف بها أكثر فأكثر، يختار العبارات التي توصل الرسالة، دون أن تشكل جرحاً في كبرياء المرسَل إليه يصعب إصلاحه لاحقاً، هذا إذا كان المتلقي فلسطينياً أو عربياً، أما بالنسبة للاحتلال فالرسالة واضحة: "العمليات ضد الاحتلال مجيدة وشرعية"، وبقي كذلك حتى بعد إبعاده عن الأردن عام 1999.
يقود مشعل الانتفاضة التي ستنطلق بعد ذلك بعام، برفدها ببعدها الخارجي الضروري للاستمرار. يستشهد الشيخ أحمد ياسين ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ويهدد وزراء إسرائيليون على رأسهم جدعون عيزرا: "مصير خالد مشعل هو مصير الرنتيسي"، وتبعات أي عملية في دمشق ستكون أقل بكثير من تبعاتها في عمّان. لا يأبه مشعل، يثبت على موقفه: "إن زوال إسرائيل ليس مجرد رغبة فلسطينية، أو عربية، أو إسلامية، بل هو حقيقة تاريخية وطبيعية، إذ لا بد أن ينتهي الظلم والكيان الذي قام على أساسه. إن الكيان الصهيوني نشأ على أرض لا يمتلكها، وعلى حساب شعب يعيش فوق هذه الأرض. نحن نراهن على أن الوقت سيعمل لصالحنا لكن في ظل المقاومة والتضحيات".
يخرج الاحتلال من غزة، بفعل عمليات المقاومة، وتضحيات قادتها، وإدارة سياسية، ودعم معنوي ومادي في الداخل والخارج. تقرر حماس دخول الانتخابات، يتكلم مشعل عبر الهاتف إلى الحشود في الأراضي المحتلة، يصرّ على المقاومة كطريق وحيد للتحرير. تفوز حماس، تُحاصر. تؤكد على أن السلطة ليست بديلاً من المقاومة، فتأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد أشهر من فوزها في الانتخابات. يدير مشعل المفاوضات غير المباشرة، ولا يخضع وحركته للابتزاز والتهديد؛ الإسرائيلي والعربي أحياناً، فيرضخ الاحتلال، ويُطلق سراح حوالى 1200 أسير فلسطيني من ذوي الأحكام العالية.
يقود المقاومة نحو الانتصار
تخوض (حماس) حربين؛ الأولى في 2008-2009، والثانية إثر اغتيال القائد القسامي أحمد الجعبري في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. يصدر القرار التاريخي بقصف تل أبيب والقدس، أجمع المراقبون على أن مثل هكذا قرار خطير، نظراً لتبعاته، لا يمكن أن يصدر إلا عن المكتب السياسي ورئيسه. وهذه هي المرة الأولى التي تقصف فيها حركة مقاومة تل أبيب.
تندلع ثورات ما عُرف بالربيع العربي، وتصل إلى ما كان يُعرف بـ"محور الممانعة"، تدعو (حماس) إلى حوار وحلّ سياسي داخلي، يحفظ حقوق الشعب دون أن يؤدي إلى فوضى ويهدّد وحدة الأمة. يُهاجَم رئيس المكتب السياسي للحركة، ترفض الأخيرة الردّ المباشر، وتحذّر من المخاطر المترتبة على الحلول الأمنية، ويشدد مشعل على أنه "لا يجوز أبداً إثارة النعرات بين مسلم ومسيحي.. كما لا يجوز إثارة النعرات بين سنّي وشيعي (...) هذا ضار بوحـدة الأمّة".
استمر الهجوم الإعلامي على مشعل وحماس، ولو ردّت الحركة بنفس الحدة لكانت وحدة الأمة في مهبّ الريح، لكن وعيها بالمخاطر كان أكبر من الحملات عليها، كما ظهر. فعندما كان الفلسطينيون يُطاردون ويُقتلون في العراق، كان مشعل شخصياً يحاول تحقيق هدفين؛ حماية الفلسطينيين ومنع الفتنة، وأجرى اتصالات ومشاورات عالية المستوى من أجل ذلك. وفي لبنان كان له دور واضح، يعلمه الجميع، في حماية العلاقات اللبنانية الفلسطينية، خاصة خلال أحداث صيدا، والاشتباكات بين الشيخ الأسير والجيش اللبناني.
استمر الهجوم الإعلامي على مشعل، ولو قرأوا قليلاً من مقابلاته خلال وجوده في العاصمة دمشق لفهموا مواقفه وتوقفوا عن الضغوط التي لا تصل إلى شيء. في مقابلته الشهيرة مع غسان شربل يقول بصراحة "علاقتنا الجيدة مع سورية وإيران لا تعني أننا جزء من برنامجهما، لكن هذه العلاقة جزء من تعزيز العمق العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية". ولو قرأوا لغة جسده أثناء لقائه أعلى المسؤولين لعرفوا ثقته بحركته، فهو يمدّ ذراعيه، ولا يجلس على طرف المقعد، كما يفعل البعض.
مشعل، كما (حماس)، يرى أن طريق فلسطين يمر فقط عبر فلسطين، لا عبر مكان آخر. أشاعوا أن مشعل سينتهي دوره في حركة (حماس)، فإذا بالحركة تختاره بالإجماع رئيساً لمكتبها السياسي، فمواقفه هي مواقف الحركة نفسها، "إن صاحب الكلمة الأخيرة هو المؤسسة والقرار"، كما كان يردّد.
في ظهوره الأخير عبر مؤتمر مؤسسة القدس، لم يفاجئ مشعل عارفيه، حين دعا إلى "توحيد الصف الفلسطيني، ووحدة العمل الوطني من أجل القدس والأقصى، والمسارعة لإنجاز المصالحة، وإنهاء الانقسام (...) ولا أحد مخوّل أن يتنازل عن القدس"، فقد كانت القدس والأقصى والمقدّسات هاجسه دائماً، وفي عام 1994 سافر إلى كوالالمبور وإسلام أباد حاشداً الدعم، وساعياً لإقامة مؤتمر كبير لرجال الدين المسلمين بشأن مصير القدس.
رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل، يقود سفينة حركته منذ حوالى سبعة عشر عاماً. السفينة تكبر، والأمواج تعلو، ولم يتغير به سوى سواد شعره الذي أصبح أشيب، ولم يبدّل وبقي يردد حتى أيام قليلة خلت "المشروع الصهيوني يشكل نقيضاً جذرياً لمشروع الأمة ولوجودها ولمصالحها". ألم تصفه الملصقات في مخيم شاتيلا بأنه "الثابت على الثوابت"؟
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية