خواطر في المصالحة ...بقلم : د. ناجي صادق شراب

الأربعاء 15 فبراير 2012

خواطر في المصالحة

د. ناجي صادق شراب
تلقى المواطن الفلسطيني المهموم في حياته اليومية بقدر كبير من التشاؤم إعلان الدوحة، ولم يعبّر عن فرحته وسروره كعادته بالاتفاق على تشكيل حكومة توافق، والبدء بالمصالحة، وسبب تشاؤمه عدم ثقته بسياسييه، وبالنوايا المعلنة للمصالحة، لأنه يعيش حالة انقسام على الأرض، وليس حالة مصالحة، وقد اعتاد على إعلانات المصالحة قبل ذلك في صنعاء والقاهرة، وانتظر طويلاً من دون أمل. والمواطن الفلسطيني يبحث عن مصادر رزقه التي تحاصر تارة بسياسات الاحتلال "الإسرائيلي"، وتارة بقرارات الحكومتين في الضفة وقد أثقلتا عليه أعباء معيشته.

بتولي الرئيس عباس رئاسة الحكومة الفلسطينية الانتقالية يكون بذلك قد جمع كل السلطات في يده، فهو رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية، وهو رئيس لهذه السلطات كلها إلى أن تجرى الانتخابات الفلسطينية التي لا يعرف أحد متى قد تتم.

والسؤال الذي يردده المواطن العادي: هل يتحول الرئيس عباس إلى حاكم شمولي على غرار رؤساء دول عربية أسقطتهم شعوبهم؟ وهل يستقيم ذلك في زمن التحولات العربية والتوجه نحو الديمقراطية؟ ومن يستطيع أن يسحب كل هذه السلطات من الرئيس عباس؟ وما هي الضمانات لممارستها بطريقة ديمقراطية؟ وكيف سيتصرف الرئيس عباس كرئيس للحكومة وكرئيس لحركة فتح؟

كان من محاسن إعلان الدوحة إحياء العمل بالدستور أو القانون الأساسي الفلسطيني بعد أن تجاوزته حالة الانقسام السياسي، ووضعته في أرشيف المجلس التشريعي، وذلك بمجرد اختيار الرئيس عباس رئيساً للحكومة، والصحوة التي صاحبت ذلك من قول إن هذا الاختيار ليس دستورياً ويتعارض مع نصوص القانون الأساسي، وإذا كان هذا الرأي صحيحاً، فالسؤال أين هذا الدستور؟ وهل نملك مؤسسات شرعية بتجاوز الدستور؟ فكل المؤسسات السياسية غير شرعية، ومن لا يملك الشرعية ليس من حقه الحديث عن الدستورية. وياليتنا نرى العمل بالدستور، والالتزام بالدستورية، ولو التزمنا الدستور لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه من تراجع وتناحر. وهل تساءلنا كم مرة تم عدم العمل بالدستور؟ ولو كان اختيار الرئيس عباس سيعيد العمل بالدستور فكل التأييد له، ولكن الخوف والقلق يبقى قائماً من خرق الدستور.

لعل الدهشة التي أصابت الكل أن "حماس" هي من طلبت واقترحت تولي الرئيس عباس الحكومة الانتقالية، فهل هذا من باب التنازل والضغط الذي يمارس عليها؟ وهل هو بسبب التحولات العربية والبحث عن مقر بعد دمشق؟ وهل من باب التكيف والمرونة والواقعية السياسية والتنوع بداخلها؟ أو هو من باب التنازل؟ وهل هذا التوقيع تأكيد على صدق النوايا في المصالحة، وقوة "حماس" وعدم خوفها من أي انتخابات قادمة ستعيدها بشكل أقوى من ذي قبل؟ هذا ما قد تكشف عنه الشهور القليلة القادمة. والسؤال ماذا عن موقف حركة حماس إذا لم تجر الانتخابات خلال وقت قصير؟

لعل أحد الأسباب الرئيسة وراء اختيار الرئيس عباس تسويق هذه الحكومة أمريكياً التي لم تعبّر عن رفضها لشخص الرئيس لما يمثله من برنامج سياسي، لكن "إسرائيل"، وكعادتها، عبرت عن رفضها لأي حكومة تشارك فيها "حماس"، والخوف ليس من الإدارة الأمريكية ولكن من الكونغرس الأمريكي الذي تبنى تصريحات نتياهو حول رفض "إسرائيل" لأي حكومة فيها "حماس". فما هو موقف الحكومة وكيف ستعمل؟ وأي أولوية ستتبناها: المصالحة أم رضا أمريكا وتجنب غضب "إسرائيل"؟

يبدو أن العرب قد سئموا حالة الانقسام الفلسطينية، وأنهم غير قادرين على التعامل مع حكومتين فلسطينيتين، ولذا لم تعارض أي دولة عربية إعلان الدوحة. فالدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية، وهل هذا الخوف كان وراء استقبال إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية؟ وهل الدول العربية قادرة على الإحلال محل الدول المانحة لدعم موازنات السلطة في غزة والضفة؟

على أهمية إعلان الدوحة، وعلى أهمية استعادة الثقة بين القيادات السياسية الفلسطينية، خصوصاً بين الرئيس عباس وخالد مشعل وبقية القيادات على مستوى الحركتين، باعتبارها ركيزة لأي مصالحة سياسية، لكن تبقى المصالحة المجتمعية أكبر من إعلان يوقع، لأنها مصالحة المجتمع مع نفسه، وهذا يحتاج إلى استئصال كل القيم السلبية التي زرعتها حالة الانقسام السياسة من حقد وكراهية وثأر وإقصاء وتخوين، لتحل محلها قيم المحبة الفلسطينية، هذا هو التحدى الذي ينتظر المصالحة.

* أكاديمى وكاتب عربي
صحيفة الخليج الإماراتية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية