دبلوماسية القوة
أ.د يوسف رزقة
كلينتون: (مجلس الأمن يقر العقوبات الأشد على طهران) . جيد . ولنتذكر أنها الحزمة الثالثة من العقوبات . معاقبة إيران على النوايا أمر ممكن في مجلس الأمن وعند الخمس الكبار زائد ألمانيا . معاقبة (إسرائيل) على احتلالها ، وعلى تدميرها غزة في حرب رصاص مصهور ، وعلى جريمتها في "المتوسط" ضد سفينة مرمرة التركية أمر غير ممكن عند الكبار ، لأن مجلس الأمن هو لحماية مخرجات الدول الكبرى ، و(إسرائيل) هي إحدى هذه المخرجات بعد الحرب الكونية الثانية .
في (إسرائيل) برنامج نووي نشط ، وفي (إسرائيل) قنابل نووية ، وصواريخ تحمل رؤوساً نووية ، وغواصات دولفين حاملة للرؤوس النووية ، وهي في مياه المحيط قرب الخليج العربي . هذه معلومات عن أفعال حقيقية ثابتة مائة في المائة . ولكنها في عرف واشنطن خارج الحساب والعقوبات ، أما نوايا طهران التي بينها وبين السلاح النووي مسافات طويلة وسنين ممتدة بحسب تقرير وكالة الطاقة النووية المهني ، فهي خطر يجب معاقبة القائمين عليه .
نعم مجلس الأمن يكيل بمكيالين . وهذا ليس مهماً في استخلاص العبر ، والمهم هو القول بأن السياسة قوة . ولا دبلوماسية خارج القوة ، القوي صاحب حق دائماً ، والضعيف على باطل ويجدر عقابه ، مجلس الأمن يهدد السلام العالمي والاستقرار الدولي ، لأنه يدعو إلى نظرية القوة لا إلى نظرية العدل ، لا عدل خارج القوة . هكذا نقول نحن في فلسطين بعد 62 عاماً من النكبة ، وهكذا يقول الإيرانيون بعد الحزمة الثالثة من العقوبات الأشد قسوة .
هيلاري كلينتون على خطأ . وكان يجدر بها الصمت ، لأن نظام العقوبات استراتيجية فاشلة . هي استراتيجية مؤلمة في أحد وجوهها ، ولكنها في الوجه الآخر دعوة للاعتماد على النفس ، وتقوية الذات ، وتحقيق الاكتفاء . إذا كان الحصار ضد غزة قد فشل وتآكل فما نتيجة حصار ضد دولة بحجم إيران .
قد تدفع إيران ثمناً أعلى من المال للحصول على السلع الممنوعة من خلال طرف ثالث ونظام تجاري ملتو يقوم على التحايل ، ولكنها في النهاية ستصل إلى أهدافها ، وسيعلن الخمسة الكبار غداً فشل الحصار وفشل نظام العقوبات .
لماذا لا يعاقب الخمس الكبار تل أبيب ؟ لماذا يحلون لأنفسهم امتلاك القنابل النووية ، وتكنولوجيا الصواريخ البالستية ، ويحرمونه على الآخرين . الخمس الكبار هم البقية المتبقية من الحقبة الاستعمارية . هم لا يشعرون بالشيخوخة ، لأنه ما زالت لديهم قدرات استعمارية نشطة ، وإن كانت من خلال مجلس الأمن .
إن تضامنهم الاستعماري باسم القانون الدولي ومجلس الأمن لا يمنع أن يدركوا –عقلاً وفعلاً- أن الشعوب في دول العالم الثالث قد تغيرت ، وقد نضجت ، وأنها ستقاتل من أجل حقوقها في التكنولوجيا ، والحياة الكريمة خارج التبعية لواشنطن وتل أبيب .
أمريكا الفاشلة عالمياً تصنع الأعداء ، وتصنع الأبطال ، وهي حين تفشل في استخلاص العبر ، فهي تعجل بانتهاء الحقبة الأمريكية ، لتفسح المجال لأمم أخرى وحضارات أكثر رحمة وعدلاً .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية