ذو الخويصرة... وضرورة الحسم الكامل
بقلم : خليل حمادة
كان الله في عون حماس، فمن تآمر دولي عالمي يشهده القاصي والداني، لا تغيب أسبابه إلا عن من غاب عقله وكان جديرا به أن يداوم على زيارة المصحات العقلية، إلى حصار فرضه الصهاينة المجرمون، بتآمر محلي إقليمي، إلى المناكفين الذين انحرفت بوصلتهم الوطنية، واختزلت تجارب سني حياتهم النضالية براتب ورتبة، ومسكن فاره، وامرأة حسناء، إلى أحزاب إسلامية ضحلة الفكر، بسيطة التفكير، ربطت إقامة الخلافة الإسلامية بانقضاء مدة زمنية ثابتة، وحين انقضت المدة ولم يحدث ما كان مخططا له من إقامة الخلافة، تم تجديد هذه المدة مرات ومرات، ثم تشن حملات عنوانها أن حماس تتبع سنن من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع!!!
وفي نهاية سلسلة الأعداء والمتآمرين الحاقدين، والأغبياء الجاهلين، يخرج علينا أناس أقل ما يوصفون به أنهم منحرفو الفكر، ضحلو الرؤية، شواذ التوجه، مجهولو الوجهة!!! في وقت يعرف العالم كله وجهة حماس، فتعزل وتحاصر، وتشن الحروب لكسر إرادتها وزحزتها عن غاياتها المعروفة؛ فاغتر هؤلاء المنحرفين فكريا ببعض الشباب المندفع المتهور، واستغلوا الحرية التي أعطتها حكومة غزة للجميع، من مخالفين وحاقدين وغيرهم، والأمن الذي أوجدته هذه الحكومة لكل أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف رؤاهم ومشاربهم. فحكومة غزة لا تريد حجرا على فكر أحد من أبناء شعبها، مع علمها بانحراف فكرهم، وسواد ظلامهم، وبُعد ضلالهم، وعلمها بأنهم يكفرون المجتمع المسلم، بل ويكفرون من كان سببا في صبغ هذا المجتمع بالصبغة الإسلامية عبر تأسيس الحركة الإسلامية التي يرى جميع العالم أثرها في قطاع غزة عبر شلالات دماء المجاهدين وتخريج عشرات آلاف الحافظين...
لم يكن ما حدث مستبعدا على هؤلاء الضالين، فالتاريخ والسير تحدثنا عن رجال كانوا يدعون الحرص على الدين وتطبيق حدوده بشكل صحيح، أنهم زايدوا على من كان على رأس هذا الدين: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقصة ذي الخويصرة أحد أكبر زعماء الخوارج معروفة في السيرة النبوية، ذلك الرجل الذي اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجور والظلم، بل واتهمه بأكثر من ذلك، اتهمه بأن عمله ليس مخلصا، ولا يراد به وجه الله. إنها لصفاقة ما بعدها صفاقة، ووقاحة وقلة حياء ما بعدها وقاحة.
حدث ذلك في غزوة حنين حين قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم و فضّل بعض الزعماء لمصالح إسلامية دعوية، لا يرتقي فكر هذا الجاهل البسيط إلى إدراكها. فقال ذو الخويصرة: و الله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله أو ما عُدل فيها, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "من يعدل إذا لم أعدل, خبت وخسرت إن لم أعدل" واستأذنه عمر في قتله, فقال: "لا، إنه يصلّي" ثم قال عليه الصلاة والسلام: "يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم و قراءتكم إلى قراءتهم و صيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرمية".
وحدث ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج معه قوم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحداث الأسنان سفهاء الأحلام", خرجوا عن إمارة علي رضي الله عنه وقاتلوه هو والصحابة, تحت شعار "إن الحكم إلا لله", أو "إقامة الإمارة الإسلامية وتطبيق الحدود"، فأرسل علي لهم عبد الله بن عباس يناظرهم فناظرهم, فرجع منهم الكثير واستمر الباقون على غلوّهم، فاضطرّ عليّ إلى قتالهم واستأصل شأفتهم بعد أن أريقت الدماء وأزهقت الأنفس بفعل هذا الغباء المستفحل والجهل المركب.
هؤلاء الضالون المضلون، لم يحركوا ساكنا عندما كانت الحكومات السابقة تعيث في الأرض فسادا، ولم يذكر أبدا أنهم أعلنوا عن تكفيرها، بل كانوا بوقا ناعقا مدافعا عن تلك الحكومات وأربابها؛ وكانت ألسنتهم سيفا مسلطا على كل من انتقد الأجهزة الأمنية وتعاونها مع الاحتلال. ولم يطرحوا أبدا قصة الإمارة الإسلامية، ولا تحكيم الشريعة وإقامة الحدود، وقالوا بأن ذلك منوط بالخليفة أبي مازن، وحتى لم يطلقوا طلقة واحدة على الصهاينة، لأن ذلك يعتبر خروجا عن الإمام أبي مازن!!!!
ويذكر أنه أثناء الحسم العسكري الذي قامت به حماس بعد أن ولغت عصابات الإجرام في دماء أئمة المساجد والعلماء قتلا وذبحا، وفي المواجهة التي حدثت في مقر جهاز الوقائي في تل الإسلام، ظل أحد مشايخهم -من رفح أيضا- ممتشقا رشاشه الثقيل في أحد الثكنات المحصنة في المبنى، رفض الاستسلام واستمر في إطلاق الرصاص على المجاهدين حتى قتل بعد أن دافع بشراسة غريبة عن أمير المؤمنين أبي مازن وأهل الحل والعقد عنده الطيب عبد الرحيم ومحمد دحلان وغيرهم.
أما عن ردة فعلهم بعد الحسم فهي معروفة للجميع، فساروا مع أعوان المحتل واستنكفوا عن أعمالهم ووظائفهم، لأن الخليفة يريد ذلك!! وأصبحت حماس خارجة عن حكم أمير المؤمنين، ووجب حينها الجهاد في سبيل الله وحمل السلاح وإعلان إمارة إسلامية وغيره.
الأدهى من ذلك ما حدث عند العدوان الصهيوني على غزة، كان لكبراء شياطينهم مواقف شرعية أخرى!!! فأعلنوا أن هذه الحرب لا دخل لهم بها، وأنهم لن يشتركوا في نصرة كافر على كافر، ولم يدخلوها، وها هي الإحصائيات بالأرقام... عدد الشهداء منهم أثناء الحرب = يساوي صفرا!!!!
تشخيص حالتهم ببساطة أن لدى معظمهم إشكاليات نفسية لا يستطيعون معها أن يتعاطوا مع الواقع الاجتماعي، أضف إلي ذلك غباء فطريا مستفحلا يستحيل معه الوصول للمنطق السليم، مع إضافة فهم مغلوط ومشوه لنصوص الشريعة، كل ذلك أنتج نماذج بشرية مشوهة الفكر والعقل والمنطق، لا ترى حرجا في أن تزاود حتى على سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا.
موقف الحكومة يجب أن يكون شديدا وقاسيا، لأن التاريخ يذكر أن المخلصين من أمثال هؤلاء أصحاب الأفكار المشوهة والمنطق الأعور، قد جلبوا الويلات على المجتمعات المسلمة وأحدثوا إرباكا عظيما، أرهق عافية المسلمين وحرف أهدافهم، فبدل أن يتقدم المجتمع المسلم في جميع مستوياته الفكرية والعلمية والإنتاجية والدعوية عبر الفتوح، انهمك المسلمون في مواجهة قاسية مع هؤلاء البغاة، استنزفت دماء المسلمين وطاقاتهم عبر عصور يدمى قلب قارئ سطور تاريخها.
إذا كان التاريخ قد حدثنا عن هؤلاء المخلصين أصحاب الفكر المنحرف والفهم المغلوط من الخوارج، وعن النكسات التي تسببوا بها للمسلمين، فما بالنا بأصحاب النيات السوداء الذين ارتبطوا بمن يبذل الغالي والنفيس لإفشال أي مشروع إسلامي سياسي ناجح.
على الحكومة في غزة أن تضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء، وتحاول أن تعالج فكر من كان فيه بصيص أمل في الشفاء من هذا المرض. وأن لا تسمح لهؤلاء أن يتحركوا بحرية أو أن يحملوا سلاحا، لأنه المثل الصيني يقول: "إذا أعطيت المجنون سكينا، أصبحت قاتلا".
إن ترك هؤلاء المنحرفين خطير جدا، وعلى المتعاطفين معهم أن يقرءوا التاريخ ليروا مدى الأذى البالغ الذي سببه فكر هؤلاء للأمة الإسلامية. لذلك على الحكومة أن لا تسمح لشراذمهم بالبقاء، لأن معنى بقاء شراذم من هؤلاء، أن نسمع بين الفينة والأخرى بانفجار هناك في سوق أو على شاطئ البحر أو في ملعب...إلخ
حماس عليها أن تاخذ زمام المبادرة وتعلنها صريحة أنها لن تسمح لأحد يزاود عليها باسم الدين والجهاد، وأن يعمل بين ظهرانينا في قطاع غزة ليتناغم مشروعه مع ما تريد إسرائيل أن يقدم القطاع على طبق من ذهب لأمريكا وقوات الناتو.
وعلى رؤوس هذا الفكر المنحرف أينما وجدوا أن يعلنوا تصريحا لا تلميحا أن غزة لا تحتاج أفكارا جهادية جديدة، من باب "بيع الماء في حارة السقايين"، وأن غزة خيرها فيها، وهي عزيزة بمجاهديها الأبطال، ولا يلزمها نماذج مشوهة، فنماذج الأبطال والبطولة في غزة تكفي لكل أرجاء الأرض.
وفي الختام، ستبقى حماس صاحبة الوجه المشرق، والفكر الوسطي المعتدل، عصية على كل المعتدين والمتآمرين والمزاودين والجهلاء والمنحرفين. وستظل تكتب بدماء مجاهديها لكل العالم أنها ما غيرت ولا بدلت. وسيبقى اتزانها العجيب في معالجة كل القضايا مدرسة للأجيال تتدارسه عبر التاريخ وتستقي منه العبر.
رحم الله الشهداء ضحية غدر ذوي الخويصرات، وحفظ الله أبناء شعبنا وحقن دماءهم، وأذل عدوهم، إنه سميع قدير وبالإجابة جدير.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية