رابعة تجبّ ما قبلها!
لمى خاطر
حتى المؤيدين للانقلاب العسكري في مصر لم يستطيعوا ازدراد حكاية إحياء داخلية وعسكر مصر ذكرى شهداء شارع (محمد محمود)، بمعنى أن حجم التناقض في الأمر كان أكبر من أن يبرّر بجرة قلم أو تصريح موتور. فسلطة الانقلاب هنا تحديداً وجدت الذكرى فرصة لإعادة بثّ روح الفرقة بين التيارات المعارضة للانقلاب وإفساح الأجواء لهجاء الإخوان واستعادة الأحقاد القديمة تجاههم من قبل قطاع من الجمهور أبهره صمودهم وتفوقهم الأخلاقي على نظام الانقلاب، في وقت بات إفلاس الأخير وعجزه يتصاعد مع مرور الأيام!
لكنّ الغريب أن هدف نظام الانقلاب المشبوه ذاك وجد سبيله بيسر إلى مشاعر فئة من معارضي الإخوان، واستغلوا المناسبة لتجديد الأحقاد وإحياء المساجلات القديمة التي ما عاد لها وزن أو قيمة الآن في ظلّ الخطر المتحقق على الأرض ممثلاً بعودة النظام البوليسي لحكم البلاد بالحديد والنار، ثم في ظل ما سجّله الإخوان من صمود استثنائي لم يسبقهم له أي تيار منظم في مصر، فعدا عن دورهم المفصلي والهام في (موقعة الجمل) أهم محطة في ثورة 25 يناير، فإن صمودهم تحت وابل القمع والرصاص ولعدة أشهر منذ الانقلاب كان كافياً جداً ليفتق عرى تلك الأوهام التي صنعها مراهقو الثورة حول جبن الإخوان وتخاذلهم، فلو كان الإخوان كذلك لكان يوم فضّ اعتصامي رابعة والنهضة آخر عهد لهم بالشارع، لأن هول المجزرة حمل كثيراً من مراهقي الثورة ليس فقط على لزوم بيوتهم ومواقعهم على صفحات الإنترنت، بل ألزمهم أيضاً بقيود الحرية التي صنعها الانقلاب فاستجابوا لإملاءات المرحلة الجديدة!
لكن الإخوان ومعهم مناهضو الانقلاب الذين لم تعمِ الأحقاد بصيرتهم ظلوا صامدين تحت وقع المجازر اللاحقة للنهضة ورابعة مثل ميدان رمسيس ومسجد الفتح وغيرهما، فماذا فعل خلال هذه الفترة الناقمون على الإخوان الذين استيقظوا فجأة في ذكرى أحداث محمد محمود ليقرروا أن الإخوان مستثنون من الثورة وليصمتوا عن الفظائع التي ما زال يرتكبها نظام الانقلاب!
قد نتفق أو نختلف مع حسابات الإخوان الحذرة وقت أحداث (محمد محمود)، وهي التي دفعتهم لعدم المشاركة رسمياً والاكتفاء بعناصرهم التي تواجد عدد منها حينها، ومنهم أسماء البلتاجي ابنة القيادي الإخواني محمد البلتاجي التي استشهدت لاحقاً في أحداث رابعة، ولكن موقف الإخوان لم يكن بدافع الجبن والتخاذل ولا لأجل عقد صفقات مع مجلس عسكري كان وما زال يراهم القوة الطليعية الوحيدة التي تهدد هيمنته على مفاصل الدولة ويجتهد في اجتثاثها ومحاصرة مدى تأثيرها، ولكن (محمد محمود) كان يوماً واحداً في مسيرة طويلة، سبقته وتلته أيام أخرى أكثر هولاً وشدّة، وتجلّت فيها ميزة التضحية الكبيرة لدى شباب الإخوان وعموم الإسلاميين الثوريين. فأين كان مراهقو الثورة في تلك الأيام؟ وأين تضحيات تلك الرموز والنخب المعروفة التي تملأ الفضائيات شتماً وتقريعاً للإخوان فيما هي لم يسجّل لها تاريخ الثورة أي حضور بطولي في أية موقعة؟!
إن المعارك الصعبة والطويلة تحتاج نفوساً صافية وليس ثواراً يسجلون موقفاً في موقعة واحدة ثم يقررون أنهم أهل الثورة لينخرطوا بعدها في حالة تخاذل مخزية تعمي أبصارهم عن رؤية تفاعلات الشارع وكل تلك المياه التي جرت تحت جسر الثورة أو فوقها منذ 25 يناير وحتى الآن.
رابعة لم تكن فقط شاهدة على صلابة التيار الإسلامي الثوري في مصر، ولا على الوجه الحقيقي لأركان الدولة العميقة، بل سجّلت أيضاً شهادة التخاذل الحقيقية لمستحقيها، من الجبناء المتحدثين بلسان ثوري، فيما هم لم يقدّموا لمسار الثورة أية إضافة تُذكر. ولذلك فقد تبيّن اليوم بشكل جليّ الثائر من المتخاذل، والشجاع من الجبان، وهو بيان أحدثته التجربة الطويلة وليس المواقف الضبابية الملتبسة!
ولكن هذه التناقضات الغريبة هي من المفارقات التي يحفل بها المشهد المصري، وهي مفارقات أكثر من أن تُحصى، لأن الزيف بات سيّد الموقف، وهو زيف يمتلك قدراً من التضليل يكفي لتثبيت فئة من الأوغاد والنفعيين قرب سارية الثورة ليحتكروا الحديث باسمها، رغم أنهم متواطئون حتى النخاع مع من انقلبوا عليها من أركان النظام ذاته الذي ثاروا عليه في 25 يناير!
لمى خاطر
حتى المؤيدين للانقلاب العسكري في مصر لم يستطيعوا ازدراد حكاية إحياء داخلية وعسكر مصر ذكرى شهداء شارع (محمد محمود)، بمعنى أن حجم التناقض في الأمر كان أكبر من أن يبرّر بجرة قلم أو تصريح موتور. فسلطة الانقلاب هنا تحديداً وجدت الذكرى فرصة لإعادة بثّ روح الفرقة بين التيارات المعارضة للانقلاب وإفساح الأجواء لهجاء الإخوان واستعادة الأحقاد القديمة تجاههم من قبل قطاع من الجمهور أبهره صمودهم وتفوقهم الأخلاقي على نظام الانقلاب، في وقت بات إفلاس الأخير وعجزه يتصاعد مع مرور الأيام!
لكنّ الغريب أن هدف نظام الانقلاب المشبوه ذاك وجد سبيله بيسر إلى مشاعر فئة من معارضي الإخوان، واستغلوا المناسبة لتجديد الأحقاد وإحياء المساجلات القديمة التي ما عاد لها وزن أو قيمة الآن في ظلّ الخطر المتحقق على الأرض ممثلاً بعودة النظام البوليسي لحكم البلاد بالحديد والنار، ثم في ظل ما سجّله الإخوان من صمود استثنائي لم يسبقهم له أي تيار منظم في مصر، فعدا عن دورهم المفصلي والهام في (موقعة الجمل) أهم محطة في ثورة 25 يناير، فإن صمودهم تحت وابل القمع والرصاص ولعدة أشهر منذ الانقلاب كان كافياً جداً ليفتق عرى تلك الأوهام التي صنعها مراهقو الثورة حول جبن الإخوان وتخاذلهم، فلو كان الإخوان كذلك لكان يوم فضّ اعتصامي رابعة والنهضة آخر عهد لهم بالشارع، لأن هول المجزرة حمل كثيراً من مراهقي الثورة ليس فقط على لزوم بيوتهم ومواقعهم على صفحات الإنترنت، بل ألزمهم أيضاً بقيود الحرية التي صنعها الانقلاب فاستجابوا لإملاءات المرحلة الجديدة!
لكن الإخوان ومعهم مناهضو الانقلاب الذين لم تعمِ الأحقاد بصيرتهم ظلوا صامدين تحت وقع المجازر اللاحقة للنهضة ورابعة مثل ميدان رمسيس ومسجد الفتح وغيرهما، فماذا فعل خلال هذه الفترة الناقمون على الإخوان الذين استيقظوا فجأة في ذكرى أحداث محمد محمود ليقرروا أن الإخوان مستثنون من الثورة وليصمتوا عن الفظائع التي ما زال يرتكبها نظام الانقلاب!
قد نتفق أو نختلف مع حسابات الإخوان الحذرة وقت أحداث (محمد محمود)، وهي التي دفعتهم لعدم المشاركة رسمياً والاكتفاء بعناصرهم التي تواجد عدد منها حينها، ومنهم أسماء البلتاجي ابنة القيادي الإخواني محمد البلتاجي التي استشهدت لاحقاً في أحداث رابعة، ولكن موقف الإخوان لم يكن بدافع الجبن والتخاذل ولا لأجل عقد صفقات مع مجلس عسكري كان وما زال يراهم القوة الطليعية الوحيدة التي تهدد هيمنته على مفاصل الدولة ويجتهد في اجتثاثها ومحاصرة مدى تأثيرها، ولكن (محمد محمود) كان يوماً واحداً في مسيرة طويلة، سبقته وتلته أيام أخرى أكثر هولاً وشدّة، وتجلّت فيها ميزة التضحية الكبيرة لدى شباب الإخوان وعموم الإسلاميين الثوريين. فأين كان مراهقو الثورة في تلك الأيام؟ وأين تضحيات تلك الرموز والنخب المعروفة التي تملأ الفضائيات شتماً وتقريعاً للإخوان فيما هي لم يسجّل لها تاريخ الثورة أي حضور بطولي في أية موقعة؟!
إن المعارك الصعبة والطويلة تحتاج نفوساً صافية وليس ثواراً يسجلون موقفاً في موقعة واحدة ثم يقررون أنهم أهل الثورة لينخرطوا بعدها في حالة تخاذل مخزية تعمي أبصارهم عن رؤية تفاعلات الشارع وكل تلك المياه التي جرت تحت جسر الثورة أو فوقها منذ 25 يناير وحتى الآن.
رابعة لم تكن فقط شاهدة على صلابة التيار الإسلامي الثوري في مصر، ولا على الوجه الحقيقي لأركان الدولة العميقة، بل سجّلت أيضاً شهادة التخاذل الحقيقية لمستحقيها، من الجبناء المتحدثين بلسان ثوري، فيما هم لم يقدّموا لمسار الثورة أية إضافة تُذكر. ولذلك فقد تبيّن اليوم بشكل جليّ الثائر من المتخاذل، والشجاع من الجبان، وهو بيان أحدثته التجربة الطويلة وليس المواقف الضبابية الملتبسة!
ولكن هذه التناقضات الغريبة هي من المفارقات التي يحفل بها المشهد المصري، وهي مفارقات أكثر من أن تُحصى، لأن الزيف بات سيّد الموقف، وهو زيف يمتلك قدراً من التضليل يكفي لتثبيت فئة من الأوغاد والنفعيين قرب سارية الثورة ليحتكروا الحديث باسمها، رغم أنهم متواطئون حتى النخاع مع من انقلبوا عليها من أركان النظام ذاته الذي ثاروا عليه في 25 يناير!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية