ربع قرن على تأسيس حماس...ماذا بعد؟!(1/5)
سري سمّور
في سنة سابـقة وبمناسبة ذكرى تأسيس حركة حماس، كتب الباحث د.صالح النعامي مقالا شرح فيه أجواء اجتماع صاخب في مقر المجمّع الإسلامي في مدينة غزة مساء يوم شهد نهاره مواجهات عنيفة بين الشبان وقوات الاحتلال؛ وذلك في الأيام الأولى لانتـفاضة الحجارة التي اندلعت في 9/12/1987م ويصف النعامي كيف أن رذاذ المطر كان يبلل نافذة الغرفة التي شهدت ذاك الاجتماع الذي سيكون له ما بعده على مستوى المجمّع ومستوى القضية الفلسطينية وتاريخها، وبحسب النعامي فقد انـقسم المجتمعون إلى فريقين اثنين؛ الأول:رأى ألا يـقحم المجمّع نـفسه وأنصاره في هذه المواجهات نظرا لأن هذا العمل غير مألوف، ولأن المجمّع لم يعد العدة ويستعد بالقدر الكافي، ولأن المواجهات أصلا لا يعرف كم ستستمر وهل هي عفوية أم يقف خلفها أحد أم غير ذلك من الأسئلة المعروفة، والثاني:يرى بأنه يجب على المجمّع أن يكون له جسم تـنـظيمي خاص يشارك وبـفعالية بما يجري، وأنه آن أوان الانتقال من حالة المقاومة السلبية للاحتلال إلى المشاركة وبـقوة في المواجهة المباشرة أو الإيجابية، وقد كان على رأس هذا الفريق الشيخ أحمد ياسين الذي كان يجلس في الاجتماع على كرسيه المتحرك، وكان آنذاك في النصف الأول من خمسينيات عمره، وقد أدلى بدلوه بعد أن قال كل قادة المجمّع رأيهم،وأرى أن توصيف النعامي كان ملامسا -حد التطابق- للحقيقة التاريخية.
كان المجمّع هو الواجهة المؤسساتية لحركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، وهنا يتضح لنا أن دور غزة وأهميتها ليست جديدة أو مفتعلة، كما أن الشيخ أحمد ياسين ومثله الشيخ صلاح شحادة لم يكونا بعيدين عن اقتناء وتخزين السلاح بما في ذلك مدفع بازوكا في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الاحتلال تمكن من اكتشاف تنظيم الشيخ ياسين وحكم عليه بالسجن 13 سنة بتهمة التخطيط لإزالة دولة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية مكانها، حسبما جاء في لائحة الاتهام، وقضى الشيخ منها حوالي سنة ليخرج في صفقة التبادل التي أبرمها الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة- أحمد جبريل عام 1985م، ولكن بعض المؤرخين والباحثين والمهتمين يرون أن حركة الإخوان المسلمين كانت تـفضل الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع الاحتلال بعكس فصائل منظمة التحرير التي كانت تمارس المقاومة المباشرة ولكنها تهمل البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية، وهو ما دفع د.فتحي الشقاقي إلى تأسيس حركة الجهاد الإسلامي لأنه رأى أن الحالة الفلسطينية هي «فلسطينيون بلا إسلام،وإسلاميون بلا فلسطين» وبأن ما قام به الشيخ أحمد ياسين-حسب هؤلاء- من تشكيل خلية مسلحة كان طفرة وخروجا عن نهج الإخوان التقليدي، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك بتبني ما قاله ضابط صهيوني بأن الشيخ أقسم له بأن هذا السلاح لمواجهة القوى الوطنية! وقد كان الرد من الإخوان:لماذا تعتقل إسرائيل إذن من يريد قتال القوى الوطنية؟على كل لم يكن ثمة داع لتبني ما يـقوله الصهاينة خاصة المخابرات، وقد بات شعبنا يدرك الظروف المتعلقة بالمعتقلين في فترات التحقيق وملابساتها، ويعرف خبث تسريب أو نشر شيء معين، وهذا الأمر(نشر كلام نقلا عن لسان معتقل) لم يقتصر على الشيخ ياسين بل وصل إلى مروان البرغوثي مؤخرا، وهذا لا يعني أن الإنصاف قد جانب كل الباحثين من غير الإسلاميين فمثلا زياد أبو عمرو حاول
تـفكيك جدلية الإخوان والمقاومة ورأى أن الإخوان مارسوا المقاومة الإيجابية حسب إمكاناتهم دون الإعلان عن تبنيهم لها لدواع أمنية وذلك في مصنّـفه«الحركة الإسلامية في الضفة والقطاع»...وبغض النظر عن الظروف المحيطة بتلك الفترة وملابساتها والاجتهادات التي تم تبنيها فإن حركة حماس التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين بعد الجهاد الإسلامي بسنوات، وبعد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية جميعا بعقدين من الزمن تمكنت من تثبيت أقدامها وأخذ موقع متقدم ومميز على الخريطة السياسية الفلسطينية وهي تبدو بعد ربع قرن من انطلاقتها أكثر شعبية وشبابا وثـقة كبيرة بالنفس، مع قناعة جازمة لمحبيها ومبغضيها وخصومها ومنافسيها أنه لا يمكن تجاوزها.
رأي الشيخ أحمد ياسين تم تبنيه داخل المجمّع، ومع أن قيادة الإخوان في الخارج رأت في الأمر تسرّعا (كما أفاد المهندس إبراهيم غوشة في مذكراته) وأبدت شيئا من التردد إلا أن الشيخ ياسين مضى في طريقه وأبلغهم أنه لن يحمّلهم فوق طاقتهم، وهنا أنا مع الرأي القائل أن حماس بزّت كل فروع الإخوان في العالم وشبّت عن الطوق، نظرا لأن القيادة في بعض تعريـفاتها هي اتخاذ القرار الحاسم المناسب في المواقف الحاسمة المفصلية، وهنا لا نتجاهل دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين سنة 1948م وهو دور لم ينكره حتى خصومهم وأعداءهم، إلا أن الإخوان في الداخل قرروا –وهذا قرار صائب- أن يشمّروا عن أذرعهم ويعتمدوا على ذاتهم وألا ينتـظروا ما سيفعله الإخوان خارج فلسطين.
ولقد صدر البيان الأول موقعا باسم«حركة المقاومة الإسلامية» في 14/12/1987م ولاحقا صدر بيان يضيف بين قوسين كلمة (حماس) كاختصار للمسمّى...لقد مرّ ربع قرن على تلك الأحداث؛ مات من مات، واستشهد من استشهد، ودخل السجون من دخل، وولد من ولد والتحق بالحركة.
ولم يعد أمر حماس وشأنها يخصها وحدها؛ بل إن الاهتمام والمتابعة تشمل مجمل الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، وسائر حركات التحرر في العالم، وهذه المقالة المجزّأة لا يمكنها رصد كل كبيرة وصغيرة، إلا أنني-بعون الله- سأتوقف عند بعض المحاور والعناوين، ثم محاولة استقراء واستشراف مستقبل الحركة في ظل تـفاعلات مهمة على تطور مسار القضية الفلسطينية، وبداية ترنّح المشروع الصهيوني في فلسطين.
(1)النظام التربوي وسرّية التنظيم
يؤكد القيادي البارز في حماس د.محمود الزهار أن تنظيم حماس في البداية لم يكن يـضم في عضويته أكثر من ألف شخص في الضفة والقطاع، وتبدو هذه المعلومة مذهلة حقا، نظرا للانـتشار السريع للحركة في أوساط الشعب الفلسطيني، ولأن الاعتقاد السائد في تلك الفترة أن الحركة أكبر من ذلك.
فقد اتبعت حماس نظاما تربويا صارما لأفرادها مأخوذ بالتأكيد عن برامج التربية للإخوان المسلمين يشمل القرآن الكريم تلاوة وحفظا، وبعض الأمور الفقهية والشرعية، وتدريس رسائل الشيخ حسن البنا، ومؤلفات سيد قطب، وأبي الأعلى المودودي، وفتحي يكن، وعبد الله عزام وغيرهم؛ وهذا النظام لم يكن مخفيا تماما عن الأعين مما أوجد نوعا من الخلط بين من هو فعلا عضو في التنظيم، ومن هو فقط ملتزم بهذه الدروس وهذا النظام التربوي، وأقول أن التمييز والفرز كان صعبا لعامة الناس، وبالتالي لأجهزة مخابرات الاحتلال لفترة استفاد منها التنظيم.
أما أمور التنظيم فقد ظلت في إطار من التكتم والسرّية الشديدة في تلك الفترة(1987-1992م) وكانت سمة التنظيم الحديدي تنطبق على حماس، ومع أن هناك تنسيقا ميدانيا محدودا مع بقية الفصائل، والنشاطات والفعاليات التي قد يسهل كشف القائمين عليها، إلا أن بنية التنظيم وآلية اتخاذ القرار فيه وكونه عنقوديا أو هرميا ظلت محل تكهنات وشائعات، خاصة أنه كان من النادر جدا أن تجد شخصا يصرّح علنا بأنه عضو في حماس حتى لو كان يتبنى في كلامه أفكارها وخطابها السياسي.
وحتى الآن وبعد مرور هذه السنين، ووجود مؤسسات سياسية وعسكرية وإعلامية وطلابية وخدماتية تتبع حركة حماس ، فإن الحركة لم تنه العمل تماما بالنظام السرّي؛ فمثلا أعلن مؤخرا أن رئيس مجلس شورى الحركة هو محمد حسن شمعة(أبو حسن) أحد المؤسسين الأوائل، وجاء الإعلان بعد أن توفي الرجل، ولم يعلن عن اسم خليفته حتى الآن!
وحقيقة يبدو كل ما يقال عن طريقة وآلية اختيار القادة، واتخاذ القرار في الحركة مجرد تأويلات وتوقعات، إلا ما يصدر عن بعض قادة الحركة من معلومات أو إضاءات، وحتى هذه قد تكون لدواع أمنية؛ إلا أن المؤكد أن حماس تعزز فيها دور المؤسسة على حساب دور الرموز والشخصيات، ولا يوجد فردية فيها، وأن الحركة وإن كشفت جزءا كبيرا من قيادتها فإن هناك ما هو طيّ الكتمان، والذين يطالبون حماس بكشف كل شيء بدعوى الشفافية هم على خطأ، بل إن حماس كشفت نـفسها أكثر مما ينبغي...وبمشيئة الله سأناقش في الجزء التالي مفاصل أخرى مركزية في مسار وتاريخ الحركة....
يتبع.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية