ربع قرن على تأسيس حماس...ماذا بعد؟!(3/5) ... بقلم : سري سمّور

الجمعة 21 ديسمبر 2012

ربع قرن على تأسيس حماس...ماذا بعد؟!(3/5)

سري سمّور

( 5)تطور الأداء الإعلامي

ظل الإعلام العربي والدولي يتجاهل حماس كثيرا، إلى أن جاءت عملية إبعاد المئات من حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في مثل هذه الأيام قبل عشرين سنة، فأصبح اسم حماس معروفا ومتداولا لدى كل وكالات الأنباء العالمية، ومراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، وحتى بيل كلينتون الذي كان وقتها قد انتخب حديثا وصف حماس بأنها «مجموعة أصولية إسلامية» وبرز المتحدث باسم المبعدين د.عبد العزيز الرنتيسي ومن خلال قدرته على الحديث بالعربية والإنجليزية تمكن من شرح معاناة المبعدين مما سهل إغلاق هذا الملف، وعبارات الرنتيسي وتصريحاته النارية حببت الكثير من الجمهور الفلسطيني بحماس ورفعت المعنويات لأنه ظل يركز على المقاومة وتحدي الاحتلال، كما ساهمت عملية الإبعاد في إزالة التكتم الاجتماعي حيث ازداد بوضوح عدد المصرحين بأنهم من أعضاء حماس في المجتمع الفلسطيني.

ومع دخول السلطة إلى غزة حصل عماد الفالوجي، قبل فصله لاحقا من الحركة، على ترخيص لصحيفة «الوطن» ثم ظهرت صحيفة الرسالة الأسبوعية، وقد برز من كتبتها صلاح البردويل وغازي حمد وعطا الله أبو السبح، وقد ركزت الرسالة كثيرا على موضوع المقاومة والاحتلال إضافة إلى شئون مختلفة أخرى اجتماعية واقتصادية وثـقافية، وكانت تجري مقابلات مع مختلف المسئولين من مختلف القوى ومن السلطة كذلك، ولأنها تصدر قريبة أو من قلب الأحداث التي تغطيها كانت تمتاز بالدقة والموضوعية أكثر من الصحف التي كانت تأتي من الخارج، علما بأنها كانت تعرف نفسها بأنها تصدر عن حزب الخلاص الوطني الإسلامي الذي أسسته حماس لمواكبة الظروف المحلية الجديدة.

ومع بداية دخول الإنترنت والفضائيات أواسط التسعينيات إلى بيوت الفلسطينيين والعرب، تمكنت حماس من الدخول إلى عالم الإعلام الإلكتروني قبل الآخرين، ومع أنه حتى الآن لا يوجد للحركة موقع رسمي خاص بها، إلا أن هنالك مواقع ومنتديات وشبكات إخبارية عدة تطرح رؤية الحركة، وتقدم سيرا ذاتية للشهداء والرموز، وتقارير إخبارية متنوعة، ومقالات رأي مختلفة، ولو نظرنا مثلا إلى موقع «المركز الفلسطيني للإعلام» لوجدنا أنه لم يقتصر على اللغة العربية بل أضاف لها الإنجليزية والفرنسية والفارسية والأوردو وغيرها من اللغات وذلك لإطلاع أكبر شريحة ممكنة من المسلمين وغيرهم على الوضع الفلسطيني ورؤية حماس.

ولقد كان للفضائيات ما يمكن أن يعتبر طفرة نوعية في عالم الإعلام، خاصة قناة الجزيرة، بغض النظر عن الملاحظات العديدة، فقد تمكنت من كسر التقاليد الإعلامية التي فقط تمجد الحكام، وتجعل 90% من تغطيتها لمدحهم ورجالهم وسياستهم، فقد أصبح بالإمكان رؤية المعارضة ورؤية المقاومة على الشاشة تتحدث وتدافع عن طرحها، مما أجبر محطات التلفزة الأخرى على التقليد بما في ذلك الإعلام الرسمي إلى حد معين، وقد كان برنامج شاهد على العصر قد افتتح بتسجيل مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين بعيد الإفراج عنه من سجون الاحتلال...ولكن هذا لا يعني أن الجزيرة لم تكن تغطي ما يتعلق بحركة فتح والسلطة فحتى وليد العمري المقرب بل المحسوب على فتح تحدث بالأرقام عن عدد ساعات تغطية الجزيرة للشأن الفتحوي، لكن الجزيرة، لا سيما في برامجها الحوارية، تحتاج متحدثين يتقنون الطرح وتوزيع الأفكار على الوقت المتاح والمحدد ويجيبون ببداهة عن الأسئلة، وقد تـفوقت حماس في ذلك.

وقد دخل الإعلام المقاوم لاحقا إلى الشاشة عبر فضائية المنار التابعة لحزب الله، والتي لا شك لعبت دورا كبيرا في الحشد للمقاومة ومع أنها لبنانية إلا أن الشأن الفلسطيني كان حاضرا فيها لساعات طويلة...ومنذ سنوات أطلقت فضائية ومرئية وإذاعة الأقصى، وهي تتبع حماس مباشرة، ومقارنة مع عمر قناة الأقصى وأدائها فإنه يتحسن، وفي الحرب الأخيرة على غزة كانت الأقصى دقيقة في نـقل الأخبار وتـفوقت على الإعلام الصهيوني وغيره، وتجري الأقصى مقابلات وحوارات مع مختلف ألوان الطيف الفلسطيني، ولكن مع صعود حماس فإن هذا لا يكفي، فالمطلوب أن تكون الأقصى فلسطينية بمرجعية حمساوية، لا أن تظل حمساوية بمرجعية حمساوية، كما أنه من المهم ما تـفعله من تغطية أمور المقاومة والشهداء والأسرى وعوائلهم، ولكن هذا لا يكفي فثمة أمور اجتماعية وتربوية حساسة ومحرجة ولكنها موجودة في مجتمعنا على القناة أن تتجرأ وتكسر التابو وتغطيها...وعلى قناة الأقصى أن تكون دقيقة في معلوماتها فمثلا هناك تـقرير بث مرات عدة في الأيام الأخيرة يضع صورة شهيد من القسام استشهد في اشتباك مسلح أثناء معركة مخيم جنين، ولكن التعليق الموجود على الصورة في القناة يقول عن الشهيد أنه منفذ عملية استشهادية ويضع اسما خطأ له، وهذه سقطة تتكرر فيما يخص العديد من المعلومات.

وإذا كان الإعلام الحديث، لا سيما بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، لم يدع بيتا إلا ودخلته حماس، فإن الأسرى لديهم مشكلة كبيرة؛ فمنذ 2009م تم حجب قناة الجزيرة عنهم، ولا تدخل إليهم إلا جريدة القدس، وبأعداد محدودة، ويمكنهم التقاط بعض الإذاعات المعنية بشئون الأسرى وإيصال رسائل صوتية من ذويهم حسب قرب السجن من منطقة معينة، وهذه مشكلة كبيرة يجب العمل على حلها، لأن الأسرى لهم رؤيتهم، ولا يمكنهم بلورة أي رؤية ناضجة إلا بحرية تدفق المعلومات إليهم.
وقد تطور النشيد والفن، ومنذ البدايات كان الصوت يمتاز بالجمال، واللغة بالرقي والأصالة، ولكن كانت ثمة عقدة تم تجاوزها، وهي الأخذ بالرأي الذي يحرم الآلات الموسيقية حرمة مطلقة، وحتى الآن هناك عزوف عن دراسة الفنون وتحديدا الموسيقا، وهذا من التابوهات التي يجب كسرها كما كسر غيرها.

( 6)التمدد إلى الخارج

يجب ألا يغيب عنا ولو لوهلة أن ستة ملايين من أبناء شعبنا يعيشون في الخارج سواء منهم من هو لاجئ أو مقيم أو بين بين؛ لذا فإنه من الحماقة بمكان إهمال الساحات الخارجية؛ وبالنسبة لحماس فقد برزت الحاجة الملحة مبكرا لوجود مكاتب تمثيل سياسي في الخارج، وقيادة بعيدة عن الاستهداف المباشر، حيث أن استهداف شخصيات أو مقرّات خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة له تبعات سلبية كبيرة على الكيان كما ثبت بالتجربة العملية، وعموما فإن العمليات في الخارج ليست دائمة.

وبعيد اعتقال الشيخ أحمد ياسين سنة 1989م وتـفكيك التنظيم، تم تأسيس مكتب سياسي في الخارج باسم حماس، وقبل ذلك كان الشأن الحمساوي مشمولا بتنظيم الشام الإخواني في الخارج، فأصبح لحماس كينونتها الخاصة في الخارج، وباتت حماس على قناعة أن الاحتلال يمكنه الوصول للجسم التنظيمي في الداخل ولو بعد حين، ولهذا يجب أن يكون هناك جسم قيادي في الخارج بعيدا عن قهر الجغرافيا، وكان لوجود مكتب سياسي وممثليات في العديد من الدول حسنات عدة منها:-

1) رفع الحرج عن بعض فروع الإخوان المسلمين نظرا لأن لحماس كيانها التنظيمي المنفصل؛ فمثلا خروج حماس من الأردن لم ينعكس سلبا على جبهة العمل الإسلامي وإخوان الأردن بسبب هذا الفصل التنظيمي المعروف، والذي عرّف الكل بالمعادلة الجديدة:مدرسة فكرية واحدة بأجسام تنظيمية منفصلة ومختلفة.
2) إيجاد تواصل على المستوى الشعبي والرسمي مع العرب والمسلمين وغيرهم، وكان لهذا التواصل انعكاساته الإيجابية العديدة.

إلا أن حماس حصرت عملها العسكري والميداني في الداخل، ولم يكن إلا ثمة محاولات تسلل عبر الحدود الأردنية، انتهت باستشهاد أو اعتقال منفذيها، ويبدو بأنها محاولات فردية، كما أنه ليس لحماس قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب معروفة، وإن وجدت فهي محدودة وسرية.

وكان وجود المكتب السياسي في الخارج وما زال محل تحليلات وتأويلات بلغت حد الشطحات الإعلامية والسياسية؛ فكلما وجد المكتب ورئيسه في بلد، أو تحسنت علاقات الحركة مع بلد، قيل بأن حماس تابعة لهذا البلد، بمتوالية زمنية تثير السخرية؛ ابتداء من الأردن مرورا بسورية(وإيران بحكم العلاقة) وليس انتهاء بتركيا ومصر وقطر التي يقال اليوم أن حماس أو خالد مشعل بات تحت عباءة حكامها؛ مع أن الواقع-وليس فقط التصريحات النافية الصريحة- ينفي ذلك تماما، فالتجربة التاريخية أثـبتت استقلالية حماس وقرارها، حتى لو كان هناك ترغيب أو ترهيب.

وقد قيل بأن القرار الحمساوي بيد قيادة الخارج لأن بيدها التمويل، ثم قيل بل في غزة لأنها «إمارة» خاصة بهنية والزهار، واستغنت عن مال الخارج بتجارة الأنفاق، ثم قيل بأن الجناح العسكري جزء منه تابع لمشعل والآخر تابع للزهار، وأن القرار الحمساوي منقسم بين القائد سين والقائد صاد والرجل القوي هو القائد عين...إلخ...وهذه التحليلات والتأويلات التي من شأنها زيادة مبيعات بعض أعداد الصحف والمجلات، وجذب عدد كبير من متصفحي موقع إلكتروني معين، تشير إلى شيء قد لا يتنبه له كثيرون؛ وهو أن أمور حماس التنظيمية ما تزال طيّ السرية والكتمان، وأن الحركة تخرج ما تشاء هي أن تخرجه أو تعلنه من هذه الأمور، ولكن المؤكد أن قرارات حماس شوروية وخطواتها مؤسساتية لا فردية...وبعون الله سأخصص الجزء الرابع كاملا للحديث عن جناح حماس العسكري ...يتبع.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية