ربع قرن على تأسيس حماس...ماذا بعد؟!(4/5) ... بقلم : سري سمّور

الأحد 23 ديسمبر 2012

ربع قرن على تأسيس حماس...ماذا بعد؟!(4/5)

سري سمّور

(7)كتائب القسام...لها القول الفصل


في احتفال حماس بمرور ربع قرن على انطلاقتها ، والذي كان مميزا بحضور رئيس و أعضاء من المكتب السياسي في الخارج، وحضور وفود من الخارج رسمية وشعبية قدر عدد أفرادها بثلاثة آلاف، شاركت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بكلمة ألقاها رجل ملثم قيل بأنه يمثل قيادة الكتائب، وجرت العادة أن يلقي بيانات القسام الناطق باسمها الملثم «أبو عبيدة» وأيضا ليس في مهرجانات الانطلاقة، ولهذا الأمر دلالات كثيرة؛ فهذا يؤكد أن كتائب القسام أصبحت أشبه بجيش نظامي في قطاع غزة، وأن القيادة السياسية وجمهور حماس يـقرّون بفضلها وفضل رجالها الشهداء منهم والأسرى ومن ما زالوا يقبضون على الزناد فيما وصلت إليه الحركة، وحتى المجسم لصاروخ (M75) على المنصة يدل على ذلك...فهذه حقيقة لا مجال لإنكارها؛ فحماس لم ولن تحقق مجدا بمؤسسات وجمعيات خيرية عمرها عشرات السنين، ولم تحصد شعبيتها من خطابات وشعارات، ولا يمكن لحماس قبل التحرير أن تتحول إلى حركة سياسية-اجتماعية، فالسياسة في خدمة البندقية وليس العكس، وحماس أدركت تماما أن رميها للسلاح يعني أنها ستنتهي وتذوي مثل غيرها، وستصبح شعبيتها كرتونية مصطنعة.

ومن المعروف أن المكتب السياسي لحماس فيه صوت لكتائب القسام، ولكن في الفترة الأخيرة كان الشهيد أحمد الجعبري هو عضو المكتب السياسي عن كتائب القسام، ولكن هذا لا يعني أن القسام لها صوت واحد في المكتب السياسي بالمعنى العددي الإحصائي، فلكتائب القسام القول الفصل في كثير من الأمور والقضايا.

وقد كان القيادي الملثم الذي ألقى كلمة القسام في الاحتفال واضحا في قضية سياسية تـثير اللغط حين وجه التحية إلى تركيا وإيران وقطر؛ في إشارة إلى أن حماس تنأى بنـفسها عن الاصطفافات الإقليمية والمذهبية الجديدة، وأن حماس والشعب الفلسطيني بحاجة إلى دعم المسلمين المالي والعسكري والسياسي والإعلامي، لأن فلسطين تحتاج إلى الجميع.

(8)بدايات العمل العسكري الحمساوي

كان العمل العسكري في البدايات الأولى مقصورا على قيادات الحركة، وخلاياها المؤسسة، و فروعها كمنظمة الجهاد والدعوة(مجد)، والمجاهدين الفلسطينيين، وقد نـفذ الجهازان عمليات مثل خطف وقتل الجنديين آفي ساسبورتاس و إيلان سعدون، وتـصفية بعض العملاء، ولم تعلن حماس مسئوليتها المباشرة عن تلك العمليات، التي تبنتها جهات أخرى، ولكن مخابرات الاحتلال تمكنت من اعتقال المنفذين وكشف خيوط الأجهزة العسكرية والأمنية الحمساوية واعتقل العديد من القادة أمثال يحيى السنوار وروحي مشتهى ومحمد شراتحة وصلاح شحادة وغيرهم...وإضافة إلى القادة، كان العمل العسكري في البدايات يكلف به أبناء قادة ورموز الحركة التاريخيين أمثال طارق(استشهد في 1992م) نجل الشيخ عبد الفتاح دخان أكبر أعضاء المجلس التشريعي سنا، ومن قيادات الإخوان التاريخية في قطاع غزة؛ والسبب الرئيس في هذه السياسة، أي قصر العمل العسكري على القادة وعلى أبنائهم، هو أمني بالدرجة الأولى، يضاف له إيجاد القدوة العملية الحسنة لدى الجمهور الفلسطيني عموما، وأعضاء الحركة خصوصا.

وأيضا كان في البداية عمليات يقوم بها أفراد أو مجموعات من الحركة باستخدام السكاكين مثل عامر أبو سرحان، وهيثم جملة وأشرف بعلوشة، أو عمليات دهس للجنود مثلما فعل ساهر تمام وراتب زيدان.

(8)بدايات متواضعة...وتوحيد العمل

يتحدث الأسير المحرر في صفقة وفاء الأحرار، زاهر جبارين، بصراحة عن بدايات العمل العسكري في الضفة الغربية بأنها كانت تـفتـقر إلى السلاح والعتاد، علما بأن جبارين هو الذي جنّد المهندس يحيى عياش في كتائب القسام.

وكان الجناح العسكري في قطاع غزة قد بدأ ينـفذ عمليات باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، ولكن دون الإشارة إلى تبعيتها لحماس، ولم تكشف تبعية القسام لحماس إلا بعد استشهاد بعض العناصر، ثم أخذت الكتائب تعلن صراحة أنها ذراع حماس العسكري، وفي الضفة الغربية انطلقت كتائب الشهيد عبد الله عزام لتكون ذراع حماس العسكري في الضفة، ولكن جرى توحيد الجناح العسكري تحت اسم القسام، ويروي د.أحمد يوسف أن صاحب تسمية «القسام» و توحيد الاسم هو د.موسى أبو مرزوق.

(9)خلايا منفصلة وضربات مؤلمة

قلة العدد وضعف الإمكانيات التسليحية لم تمنع القسام من تـنـفيذ عدة عمليات نوعية، أخرجت إسحاق رابين ورئيس أركان حربه (آنذاك) إيهود باراك عن طورهما، وكان القسام يعمل بخلايا منفصلة، لا تعرف الواحدة شيئا عن الأخرى، مما زاد من إرباك الاحتلال، وقد تزامن تصاعد عمل حماس العسكري مع تراجع ملحوظ في فعاليات الانتفاضة من رشق حجارة وغيره، وكان الاحتلال في حيرة، لأنه يواجه ما يشبه الأشباح الذين يضربون ويختفون، مما جعل كل قدراته العسكرية بلا جدوى، فهو لا يواجه عدوا له قواعد أو جيشا نظاميا، و كلما قضى على خلية أو قيادي جاء غيره، وامتاز عناصر القسام بعدم الظهور العلني في وسائل الإعلام بل كانوا يسلمون بياناتهم عبر وسيط مكتوبة أو بأشرطة فيديو، كما لم يظهروا في الشوارع وهم يطلقون النار في الهواء، فقد كانوا يعملون بسرية وحذر شديدين.

(10)عمليات الاختطاف

كانت كتائب القسام تسعى لاختطاف جنود وتبديلهم بأسرى فلسطينيين ولبنانيين خاصة الشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني، وقد وقعت العديد من عمليات الاختطاف، ولكن الاحتلال لم يوافق على مبدأ التبادل داخل الأرض الفلسطينية إلا بعد سنين طويلة مقابل جلعاد شاليط...فبمناسبة ذكرى انطلاقة حماس السادسة في مثل هذه الأيام قبل عشرين سنة قامت خلية قسامية باختطاف رقيب في حرس الحدود هو نسيم توليدانو في مدينة اللد، وسلمت المجموعة بيانا إلى جمعية الهلال الأحمر في البيرة، يؤكد مسئوليتها عن العملية، ويوضح بصورة عن هوية الجندي أنه ما زال حيا، ولكنه سيقتل إذا لم يطلق سراح الشيخ أحمد ياسين(لم يطلبوا إلا هذا الطلب) خلال مدة قصيرة حددها البيان؛ ومع أن الثمن لم يكن كبيرا، إلا أن رابين رفض الإفراج عن الشيخ ياسين، وأخذ يتصرف بعنجهية وتهدد وتوعد، و عثر على جثة توليدانو بعد أيام قليلة، في منطقة بين القدس وأريحا، وزاد هذا من غيظ سلطات الاحتلال؛ فالخطف تم في مكان والإعلان في مكان آخر والجثة وجدت في مكان مختلف، وكأن الحديث يدور عن جهاز مخابرات محترف عناصره مدربة في أكاديميات عسكرية وأمنية، وليس مجموعات بسيطة في العدد والعدة والخبرة والتدريب...وكان رد رابين هو إبعاد المئات من حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور، وهي عملية خدمت حماس كما قلنا سابـقا، ولم توقف العمل العسكري الذي تصاعد.

(10)أفعى الهيدرا...اختراق الشاباك!

تصاعدت عمليات القسام بطريقة ملحوظة بعد عملية الإبعاد الخرقاء، ومع أن مخابرات الاحتلال تمكنت من كشف منفذي عملية توليدانو، وقامت بـقتل واعتقال عناصر خلايا أخرى، إلا أن كتائب القسام ظلت تضرب في كل مكان، وقد برز من كتائب القسام عماد عقل، من مخيم جباليا، صاحب أكبر سجل قتل مباشر ضد الجنود والمستوطنين، أي قتلهم بيديه، وقد عرض رابين على شقيق عماد إبعاد عماد إلى الخارج فترة معينة، فرفض عماد بشدة، وبعد مطاردة معقدة تمكنت قوات الاحتلال من تصفيته أواخر عام 1993م وكان تعليق رابين على نجاح جيشه بقتل عماد عقل ينم عن فرح وتشف حيث وصفه بـ«مخرب حقير» ولكن فرحة رابين تدم طويلا فقد كانت عملية الثأر لعماد شعارها «جنرال مقابل جنرال» فقد قام رفيق أو وريث عقل في قيادة القسام عوض سلمي(استشهد أواخر العام 2000م) بقتل الكولونيل «مئير منير» قائد القوات الخاصة في قطاع غزة بعد أسابيع قليلة من اغتيال عماد عقل، وقد اعترف الاحتلال بأن تلك العملية هي الأخطر والأكثر دقة في تاريخ الاحتلال...ولهذا سادت في الأوساط السياسية-الإعلامية الإسرائيلية مقولة مفادها أن حماس هي مثل أفعى الهيدرا كلما قطع لها رأس نبت لها رأسان...وقد قام أحد الخطباء في مهرجان لحماس في غزة بالرد و بتــحد صاخب فقال:نـقول لرابين بأن حماس لها خمسون ألف رأس كلما قطع لها رأس نبت لها خمسون ألف رأس!

وكان من عمليات القسام النوعية التي زادت من حيرة أجهزة الاحتلال وحنـقها على حماس، قيام بعض الشباب بالتظاهر بالوقوع في العمالة للشاباك والشين بيت، وتسليمهم معلومات مدورسة لمجنديهم، ومن ثم قيامهم بقتل الضابط المشغل؛ وقد نجح الشهيد ماهر سرور من مخيم عايدة في لعب هذا الدور وقتل الضابط «حاييم نحماني» وبعده نجح الشهيد عبد المنعم أبو حميد من مخيم الأمعري بلعب نفس الدور وقتل الضابط «نوعام كوهين» المعروف باسم «الكابتن مجدي»، وهذه الاختراقات من العلامات الفارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.

(11)مجزرة الحرم الإبراهيمي...والعمليات الاستشهادية

انتهج أسلوب جديد، إضافة إلى ما سبق، وهو أسلوب العمليات الاستشهادية، وبروز ظاهرة المهندس، وهي ظاهرة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، وكان أول المهندسين كما نعلم هو يحيى عياش؛وقد بدأت العمليات الاستشهادية محدودة وركزت على داخل الأراضي لمحتلة سنة 1967م(مثل عملية بيت إيل –نفذها سليمان زيدان) إلا أن مجزرة الحرم الإبراهيمي في منتصف شهر رمضان الموافق يوم الجمعة 25/2/1949م جعلت العمليات الاستشهادية الأسلوب الأبرز في عمليات القسام، حيث أعلنت أن ردها سيكون بخمس عمليات؛ وبعد أسابيع قليلة نـفذت عمليتان بـفارق أسبوع فيما بينهما في مدينتي العفولة والخضيرة، وأعلن أن المنفذين هما رائد زكارنة و عمار عمارنة، وجاء الإعلان ببيانات مكتوبة، سبقها تصريح علني من القيادي في حماس في الأردن محمد نزال...وسادت فترات متقطعة من العمليات والهدوء النسبي، وقد بات على حماس مراعاة الظرف الجيد بعد تطبيق الشق الأول من اتفاق أوسلو، حيث أن واقعا سياسيا وأمنيا جديدا قد نشأ، وأخذت سلطات الكيان تتبع العقوبات الجماعية والإغلاقات، ما اضطر حماس إلى المباعدة بين عملياتها.

(12)اغتيال المهندس...والثأر والتبعات

جدّ الاحتلال في البحث عن المهندس يحيى عياش، لتصفيته أو اعتقاله، وحاكت سلطات الاحتلال وإعلامها الأساطير حوله، نظرا لتخبطهم؛ فقالوا مرة أنه يتنكر بزي حاخام ويـقيم بينهم...إلا أن طمع شمعون بيرس في الفوز بالانتخابات بعد مقتل رابين كان كبيرا، وكان عياش مختفيا في قطاع غزة، وقد أوقف العمليات لمدة ستة أشهر، وربما كان يمكن أن تطول، ولعل وقفها جاء وفق تـفاهمات غير معلنة بين حماس والسلطة عبر وسيط أو مباشرة، لكن بيرس أراد أن يجلس على كرسي رئاسة الوزراء وعلى كفيه دماء يحيى عياش، وهي الجلسة التي لم يحصل عليها!...في مطلع العام 1996م اغتال بيرس المهندس بتفجير الهاتف النقال، كما نعلم، وهذه الجريمة استفزت حماس وعموم الشعب الفلسطيني، بل جماهير الأمة العربية والإسلامية، وكان واضحا أن رفاق السلاح وزملاء عياش من أمثال محمد الضيف ومحييى الدين الشريف وحسن سلامة، لن يسمحوا لبيرس أن يهنأ وأن تمر فعلته بلا عقاب قاس...وبعد مهرجانات واحتفالات وأناشيد وبوسترات لعياش لمدة استمرت خمسين يوما، جاء الرد عنيفا ومزلزلا، في القدس وعسقلان وتل أبيب، وسقط المئات بين قتيل وجريح، وأغلقت المناطق الفلسطينية، وبدأ التوتر بين حماس والسلطة، وانعقد مؤتمر شرم الشيخ لإدانة الإرهاب(المقصود تجريم حماس والجهاد وحزب الله) ولم يتغيب عنه آنذاك سوى سورية ولبنان، ومع أن حماس دفعت ثمنا باهظا لثأرها إلا أنها حققت مجموعة من الأهداف وأوصلت رسائل هامة؛ فقد برهنت أن لعياش تلامذة ربما يتـفوقون عليه في الإعداد والتصنيع، واستجابت لمطالبات الثأر الفلسطينية والعربية والإسلامية، وحرمت بيرس وإلى الأبد من الفوز في الانتخابات(حاول بعدها بشهور في عناقيد الغضب في لبنان وفشل بعد تنفيذ مجزرة قانا الأولى)، واقتصر التوتر بين حماس والسلطة على اعتقالات وتبادل اتهامات، ثم خف التوتر بعد شهور، وأفرج عن أغلب المعتقلين.

(13)أواخر شتاء سنة 1996م وحتى خريف 2000م

هذه فترة حرجة وصعبة، تراجع فيها العمل العسكري تدريجيا بوضوح، سواء لحماس أو للجهاد الإسلامي، الفصيلان الوحيدان المناديان بخيار الجهاد والمقاومة في تلك الفترة، حتى أنه في العام 1999م لم تنفذ إلا عملية واحدة قتل فيها صهيوني واحد، صحيح أنه نـفذت العديد من العمليات التي كان مهندسها محمود أبو هنود غالبا في 1997م و1998م، لكن الشارع الفلسطيني بدأ يشعر بالضجر، وفقدان البوصلة، وعدم الرضا عن أي فصيل، وانشغل الناس بحياتهم الخاصة.

وهنا أسجل خطأ لحماس لا سيما في الضفة الغربية، حيث أن خطابها بـقي جامدا ولا شيء فيه إلا الدعوة إلى المقاومة، وهذا طبيعي ومن حقها، ولكنها أهملت الحديث عن الأمور الحياتية والمعيشية والاجتماعية التي باتت الشغل الشاغل للناس وقتها، أكثر من انشغالهم بالسياسة، فكان من المهم أن يتحدث الخطيب على المنبر ولو لمرة في الشهر عن الفوضى في الشوارع، وعن الأقساط الجامعية، وعن البيروقراطية السائدة، وعن هموم العمال والفلاحين وخريجي الجامعات، وتذمر الناس من البلديات، لا أن يجعل كل حديثه عن الصهاينة وأحزابهم وتاريخهم وتصريحاتهم، سيما أن كلامه لن يكون تأثيره إلا دقائق معدودة...على كل أحد كتبة الأعمدة في صحيفة الرسالة أقر وقتها بوجود حالة من التراخي والفتور يسود أوساط شباب الحركة الإسلامية وقتها.

وكان ثمة شعاع أمل للمراهنة على خيار المقاومة وهو لبنان، فحزب الله كانت ظروفه مختلفة تماما عن حماس والجهاد، وقد راكم الحزب قوته، مستندا إلى تأييد من حكومة لبنان، ودعم سوري وإيراني، واشتدت ضرباته، وبدأ الخلل والانفلاش يصيب جيش العميل أنطوان لحد، وبدأ الجيش الصهيوني يفقد الأمل بالنصر وهو كل يوم يدفن له جندي أو ضابط في مواجهة مقاتلي الحزب، وبدأ الحديث على لسان قادة الكيان عن الانسحاب من الشريط المحتل في الجنوب اللبناني، وحدث الانسحاب في 25/5/2000م وكان نصرا بكل ما للكلمة من معنى، فالعدو انسحب تحت الضربات، وبلا ضمانات أو ترتيبات، وشاهد الفلسطينيون كيف أن رجال الحزب يرفعون الرايات فوق المناطق المحررة، واستوعب الفلسطينيون الرسالة، والتي أكد عليها حزب الله بأن على الفلسطينيين أن ينتهجوا نـهجه، وسارعت حماس والجهاد الإسلامي لاستخدام التجربة اللبنانية برهانا على فكرهما السياسي.

وفاز إيهود باراك صيف 1999م، وفرح كثيرون، وإعلاميون عرب بكوا فرحا يوم أعلن فوزه، ليعلن لاءاته المعروفة بعد سويعات من فوزه، وفشلت كامب ديـفيد، وانسد أفق التسوية، وكان كل شيء يوحي بأن الوضع لن يبقى على حاله فاندلعت انتفاضة الأقصى أواخر أيلول/سبتمبر 2000م لتبدأ مرحلة جديدة، وكانت الأعين تتجه إلى حماس للرد على شلالات الدم، والبيوت المملوءة بالحزن والمآتم التي لا ينتهي أحدها حتى يبدأ الآخر، وأصدرت كتائب القسام بيانا شديدا وتوعدت بالرد على جرائم الاحتلال ودعت الصهاينة أن يجهزوا الأكياس لأشلاء قتلاهم،

وكانت عودة القسام للعمل في الضفة والقطاع أشبه بمعجزة، وكأنها بدأ من الصفر تقريبا.

(14)العمليات الاستشهادية وصواريخ القسام

ومع اشتداد وتيرة انتفاضة الأقصى، استؤنفت العمليات الاستشهادية بـقوة، وشاركت بها فصائل أخرى، لكن عمليات القسام كانت مميزة، لدرجة بات المواطن العادي بات يحزر من يقف وراء العملية حين وقوعها، ولكن كتائب القسام قامت بابتكار جديد، وهو الصواريخ محلية الصنع من طراز قسام، وقد تـطورت هذه الصواريخ، ولكنها بقيت في قطاع غزة، ومع أن الاحتلال دمر عشرات الورش التي شك بأنها تنتج هذه الصواريخ، واغتال الكثير من القادة والعناصر، فإنها في غزة بقيت بل تقدمت وأضيف لها ما هو مهرب مثل الجراد، أما في الضفة الغربية فقد تعامل الاحتلال بقسوة مع أي شخص أو مجموعة لها علاقة بمحاولة نـقل تكنولوجيا الصواريخ، حيث أن هذا سيغير قواعد اللعبة تماما، فقتلت واعتقلت من حاولوا ذلك، وحكمت عليهم بأحكام مبالغ فيها، كما أن شارون وموفاز عمدا إلى إفراغ ساحة الضفة الغربية من القيادات الحمساوية المؤثرة بالقتل أو الاعتقال؛ أمثال السركجي ودروزة والجمالين وأبو الهيجا والسيد والباز والقائمة تطول...ولكن هل كان يجب وقف العمليات الاستشهادية في الداخل بعد ربطها بما يسمى الإرهاب؟الحقيقة هذا أمر مثير للجدل، لكن الجمهور الفلسطيني كان متعطشا للانتقام والثأر بسبب جرائم شارون، وكان هذا هو الأسلوب الوحيد، نظرا للتحصينات في الضفة الغربية.

(15)الاندحار عن غزة...والانتقال إلى الميليشيا

كما أي احتلال في العالم، تدخل حسابات الربح والخسارة، بات وجود الاحتلال داخل قطاع غزة مكلف للاحتلال، ولولا المقاومة لبقيت غوش قطيف ونيتساريم، فقرر شارون الانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة، بتفكيك المستوطنات، ومعسكرات ومقرات الجيش، ومع أن القطاع بقي بالتعريف الدولي محتلا، نظرا لسيطرة إسرائيل على المعابر، والبحر والجو، إلا أن هذا يعتبر إنجازا للمقاومة، لأن أي جزء يتحرر من فلسطين هو مكسب وطني كبير.

ولكن مأساة الضفة كانت كبيرة؛ فالجدار حدّ من العمليات الاستشهادية، بل جعلها شبه مستحيلة، وعمليات المداهمة والاعتقال التي لم تتوقف منذ نيسان/أبريل 2002م، والدمار الاقتصادي، واليأس والإحباط بسبب ما جرى في العراق، هيأ ساحة الضفة لتقبل بالهدوء مقابل الهدوء، وقد لوحظ أن الاحتلال لا يسمح بوجود أي قطعة سلاح بيد حماس حتى لو كانت مخبأة وغير مستخدمة، كما أن هناك ظاهرة سلبية زادت الطين بلة وهي ما عرف بالفلتان الأمني، حيث باتت مجموعة من العائلات والمجموعات المسلحة هي المتحكمة بالأوضاع، وسادت ظاهرة أخذ القانون باليد، وبات الحال أشبه بوجود كانتونات يتحكم بها أمراء حرب!

في قطاع غزة كان هناك فلتان أمني كما الضفة، لكن الاحتلال يوشك أن يغادره، وبالنسبة لكتائب القسام فقد بدأت تظهر؛ فمحمد الضيف قائد الكتائب، ظل حتى اللحظة مختفيا، ولا يظهر إلا بتسجيلات قصيرة، أو ببيان مكتوب، بفترات متباعدة، ولكن بعد الانسحاب من غزة ظهر القيادي الشهيد أحمد الجعبري، وأصبح للقسام ناطق باسمها، وانتقلت من أسلوب المجموعات والخلايا، إلى الألوية الموزعة على مناطق، وبات لها معسكرات تدريب، وفروع خاصة بها إعلاميا ولوجستيا، وانتقلت إلى العمل كمليشيا(المقصود بالميليشيا القوات غير النظامية التابعة لجهة ما) منظمة.

لكن نمو الكتائب في غزة كان على حسابه في الضفة، وباعتقال الاحتلال للقيادي إبراهيم حامد (في آذار 2006م) لم يعد للقسام وجود يذكر في الضفة الغربية، علما بأن الضفة هي بؤرة الصراع لأن فيها القدس والمستوطنات الكبرى.

(16)شاليط ومستقبل الأسرى

كانت عملية الوهم المتبدد، ذات دلالات كبيرة، سبق وأن استعرضتها في مقالات سابـقة، لكنها أسفرت بعد بضع سنين عن تحرير مجموعة كبيرة من الأسرى مقابل الجندي جلعاد شاليط، ولكن بقي أسرى غيرهم، ولا يمكن لحماس تركهم، وهنا ثمة العديد من الخيارات أمام القسام:-

1) عملية اختطاف جديدة من القطاع، ولكن هل يحتمل القطاع ما احتمله، وهل كتب على القطاع أن يتحمل الفاتورة وحده؟وهل يمكن توقع رد فعل الاحتلال الذي قد يشن هجوما كاسحا؟

2) عملية اختطاف في الضفة الغربية، وإذا كانت العملية ممكنة، كما تـثبت التجربة، لكن الأرجح أن الكيان سيرفض مبدأ التبادل وستنتهي العملية كسابقاتها(لنتذكر نهايةعملية فاكسمان)، ثم إن الضفة تحت المجهر الصيهوني.

3) أن تغير حماس أسلوبها بقصر عملها العسكري على الداخل، لأن هذه سياسة تكتيكية يمكن تغييرها، وأن تستعين هنا بالحركات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك تلك التي تملأ الدنيا تنظيرا عن فلسطين، وترفع السلاح أحيانا ضد آمنين، صحيح أن هذا يعني إبـقاء حماس على لوائح الإرهاب، ولكن تحرير أسير واحد خير من ألف لقاء مع مسئولين غربيين، ثم أنه ثـبت أن الغرب يخضع لمن يمسك بأوراق القوة، كما أن الاحتلال بدّل أسرى بجثث جنود لأن الاحتجاز في الخارج.

(17)الحربان ومستقبل التهدئة

كانت حرب الكوانين(الفرقان) أواخر 2008م وأوائل 2009م في ظروف معقدة سياسيا وأمنيا وعسكريا، وإذا كانت المقاومة صمدت لمدة 23 يوما، ولم يجرؤ الاحتلال على إعلان أهدافه التي بقيت قيد التكهن، إلا أن عدد الشهداء كان كبيرا، وأغلبهم من المدنيين، ودمرت مئات الألوف من المباني والمنشآت والمؤسسات والمرافق الحيوية، دون أن يـقتل عدد كبير من الجنود أو المستوطنين، ولكن يسجل أن المقاومة تعلمت من التجربة، واتخذت من الهدوء فترة إعداد وتجهيز، وبعض القوى المحسوبة على السلفية كانت تزاود بإطلاق صواريخ ضعيفة، ولم يكن لها أي نشاط حين وقعت الواقعة!

كان مؤلما الإعلان عن شهيد بمهمة جهادية، وخضع الأمر لتأويلات، و من الإعلاميين من غمز ولمز؛ ولكن جاءت معركة حجارة السجيل التي أسماه الكيان عامود السحاب، لتزيل الغبش وتوضح الصورة، وقد تبين أن دور المؤسسة في حماس لا يقتصر على السياسي، بل يتعداه إلى العسكري، فاستشهاد الجعبري، لم يحدث فوضى أو انهيارا في الكتائب، ولو لساعة واحدة، وكان الأداء جيدا، اتضح فيه استخلاص عبر المواجهات السابقة.

والآن هناك تهدئة، وكلنا يعلم أن الكيان لن يلتزم بها طويلا، بل هو يخرقها حاليا بطريقة استفزازية، وقد عرفنا أن الوضع العربي بعد الثورات أفضل منه ما قبلها، لكنه ما زال دون المأمول والمشتهى والمطلوب، ولكن هنا نطئمن أن المقاومة أثبتت أن النصر لا يسكرها، وهي بلا شك تستعد للمواجهة القادمة.

ولكن ماذا عن الضفة الغربية؟فغياب المقاومة أدى لتسارع وتيرة الاستيطان، وجرأة غير مسبوقة للمستوطنين على الأهالي، ومن نتائج الحرب الأخيرة، أن غالبية الناس باتوا يؤمنون بخيار البندقية، ولكن هناك خوف من الفلتان والفوضى، وعدم تحقيق شيء من المواجهة مع الاحتلال، وأنا على قناعة أن وقف العمل العسكري في الضفة الغربية أو كونه في السنوات الأخيرة محدودا وشبه موسمي، ليس فقط لظروف الضفة الغربية الصعبة والمعقدة، بل لأن هناك على ما يبدو قرار بذلك...على كل القدس أغلقت وتهويدها يكاد يكتمل، والمستوطنات يتم تسمينها، والناس أغرقتهم الديون، والطبقة المتوسطة تتلاشى، والشباب يعيش حيرة وغضبا، ولا ننسى الأسرى الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، ولكن، وبصراحة وواقعية، فإن الضفة الغربية لا يمكن أن تتحرك بلا رغبة أو مشاركة من قواعد فتح، ففتح هي كلمة السر لإشعال الفتيل...في الجزء الأخير بمشيئة المولى سأناقش مستقبل حماس وعلاقاتها وخياراتها في المرحلة القادمة....يتبع.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية