رسالة الأسير حسن سلامة في الذكرى الـ19 لاعتقاله

الجمعة 16 مايو 2014

رسالة الأسير "حسن سلامة" في الذكرى الـ19 لاعتقاله

لم يجد الأسير القسامي القائد "حسن سلامة" وسيلة يحدث بها أحبته سوى الورقة والقلم اللذان يرافقانه في مكانه الضيق المظلم.

أراد أن يبوح بما يجول في خاطره من كلام كي يشعر بوجودهم معه أو حتى يشعر بأنه لا يزال من الأحياء, كتب قلمه سطور علها تطفئ نار الشوق التي تحرق قلبه من شدة احتياجه لأبناء شعبه وأصدقائه وأحبابه, فصاغ كلماته من داخل زنزانته قائلاً:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى من يهمه الأمر...!!!!

قال.. قالت ... قالوا...

الاخوة الاحباب ,, ما زلت أذكر تلك الرسالة التي كتبتها في ذكرى اعتقالي الخامس عشر ,,, لمن يهمه الامر ان كان هناك مهتم والتي بداتها بقولي قال... قالت... قالوا... اكتب لنا رسالة يا حسن فبعد ايام ستدخل عامك الخامس عشر سجينا خلف القضبان.. يومها كنا نترقب حدوث صفقة تبادل أسرى مع الجندي شاليط والحمد لله وقد تمت هذه الصفقة المشرفة وخرج فيها أبطالنا وقادتنا وهم يرفعون رؤوسهم عاليا وانتصر الكف على المخرز وتمرغ انف هذا المحتل بالوحل وذل أيما اذلال .

من زمن تلك الرسالة والمرفقة بجانب هذه الرسالة لكي يقراها من فاتته وبعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على صفقة وفاء الاحرار وجدت نفسي أمام نفس الطلب....

قال...قالت ...قالوا ...اكتب لك لنا رسالة يا حسون فبعد ايام ستدخل عامك التاسع عشر سجينا خلف القضبان ... ضحكت وبدأت أتمتم واتحدث مع نفسي... ماذا ساكتب وباي طريقة؟؟!! فقد اتهمت في زمن تلك الرسالة بالضعف وبفقدان الامل والمرض النفسي بفعل سنوات العزل...ورفضت الكثير من المواقع استقبال رسالتي وشككوا فيها وفي صحتها واتهموا اطراف اخرى بكتابتها.

قلت يومها قد يكون السبب أنني أثقلت على من يهمهم الامر وفي يدهم وقتها شاليط... والان فلنكتب الى من حملوا همنا وسهروا من اجلنا وحرموا منا وحرمنا منهم ...الى الاباء والامهات والزوجات والابناء ...اعذرونا ايها الاحباب يا اهلنا يا ربعنا لعدم وجودنا بينكم لتفضيلنا السجن والبقاء في داخله على العيش معكم وبجانبكم... فسنواتنا الطويلة داخل السجن خلف القضبان وفي مقابر العزل وزنازين التحقيق في ذلك العالم البعيد عنكم بالعادات والتقاليد ووفق القوانين الخاصة المفروضة فيه والتي كانت تصلكم منه رسائلنا كل فترة تحدثكم عن حالنا واحوالنا ويخرج بين الحين والاخر من عندنا ناج يحدثكم ويروي لكم قصصنا ونرسله عن طريقه سلاماتنا الحارة لكم فهذ السنوات الطويلة والتي قد تمتد لتصل الى ربع قرن وزيادة على ما يبدو قد جمدت مشاعرنا وقست قلوبنا وغيرت مفاهيمنا وبدلت عاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عنكم صغارا فضاعت ذكرياتنا معكم فلا عدنا نشتاق لجلساتكم الدافئة في ايام الشتاء حول كانون النار وبراد الشاي والاحاديث الممتعة للحج والحجة ولمات العيلة في المناسبات وايام الجمع وقد عدنا من صلاتنا في المسجد وجلسنا حول صواني المفتول أو المقلوبة وكل هذه الاكلات الطيبة...الزوجات وكلام الحب والغزل الابناء ضمهم وتقبيلهم ورعايتهم والاعتناء بهم الاصدقاء وصحبتهم والسهر معهم والاحاديث المتنوعة البيوت والمساجد والمدارس والجامعات الاسواق والحدائق والملاعب الرباط والجهاد والخروج في المظاهرات والشعارات والهتافات ما عادت هذه الاشياء تعنينا ما عدنا نتذكرها او نذكرها وكانها مسحت من عقولنا بفعل الزمن فحياتنا اختزلت واختصرت في عالمنا على السجون التي نمضي فيها سنوات اعمارنا خمسة سنوات,,عشر سنوات ,عشرون عاما وخمسة وعشرون وفينا من تجاوز الثلاثون ويقولون اكتب يا حسون عن حياتك داخل السجون .

وهل هناك شيء لم يكتب بعد!!! المعاناة والحرمان القهر التنكيل الصمود والتضحية معارك الاسرى اليومية مع السجن والسجان والامراض واخرها اضراب اخواننا الاسرى الاداريين كلكم يعرف ذلك وجميعكم يخطب ساعات طويلة بتفاصيل تفاصيل معانتنا اليومية شكرا لكم وجزاكم الله كل خير لكنها سامحونا تبقى جعجعة صدى صوت شعارات وعبارات ما لم يكن هناك طحن وفعل وعمل يغير الحال ويزيل جدار ويكسر الاغلال وهنا نسال ويحق لنا ذلك هل يعقل اننا كاسرى داخل هذه السجون ومؤسسات للاسرى خارج السجون فشلنا في شرح قضيتنا وتوصيل مطلبنا الوحيد لمن يهمه الامر والا لا يعقل ان نكون نجحنا في ذلك ومع ذلك نترك كل هذه السنوات الطويلة

ظني الحسن يدفعني ان من يهمهم الامر ومن يملكون القرار ظنوا اننا نشكوا جوعا او حرا او بردا وهل يعقل ذلك هل لهذه الدرجة فشلنا اذا فلتكن هذه الذكرى يا حسن التي يطلب منك فيها كتابة رسالة العودة الى جادة الطريق واستدراك ما فات وتصويب الخطأ فلئن تاتي متاخرا افضل من ان تموت فاشلا .

الموت صديقنا ورفيق دربنا لقد كان الموت احن منكم علينا وافهم واوعى لقضيتنا عندما خلص اخواننا من الامهم ومعاناتهم ومنحهم حريتهم وبذلك حافظ على اغلى ما يملكون عزتهم وكرامتهم وهنا مربط الفرس حتى تكون الامور واضحة ولا نتهم مرة اخرى بالفشل فالعمر لم يبق به بقية لاخطاء اخرى وفشل اخر .

قبل ايام وفي نقاش حاد دار بيننا كاسرى حول سؤال مفاده ما هو اصعب شيء قد يتعرض له الانسان اختلفت الاجوبة وتعددت الاراء وكل ادلى بدلوه فقائل يقول المرض كالعمى وغيره ،، ومنهم من قال فضح الستر وانواعه كثيرة,, وكان راي ان السجن هو اصعب ما يتعرض له الانسان لانه السجن يفقدك امرين مهمين جدا االعزة والكرامة بمعنى ان السجان يحاول دائما وابدا وفي كل لحظة ان ينال من شموخك وعزتك وكرامتك وانت في كل لحظة مطالب بالدفاع عن هذه الامور التي بدونها تصبح كالانعام اذا هي معركة مفتوحة في كل لحظة عندما يغلق عليك الباب عندما يمنعك من التحرك ويبقيك الساعات الطويلة داخل جدران الغرفة عندما يضع القيود في يديك واقدامك عندما يقف منك الوقوف على العدد عندما يختار لك ما تاكل وما تشرب وما تلبس وما تقرا ومتى تنام عندما تجد نفسك في لحظة مقيد وملقى على الارض وحولك كل الوحدات المدججة بالسلاح عندما يتم تخريب زنزانتك والقاء اغراضك وتفتيشك عاريا عندما يصادر ارادتك في كل شيء ويصبح هو المتحكم بها عندما يمنعك من ان ترى الشمس وان تنظر الى القمر عندما يراك تموت ولا يعطيك الدواء والف الف عندما كلها للنيل من عزيمتك لاذلالك للنيل من كرامتك لكسر ارادتك واستعبادك اذا فاي قيمة للحياة اذا عشناها وقد جردنا من اغلى ما نملك العزة والكرامة ,, مريض لكن بين اهلي وربعي عزيزا كريما حتى لو لا قدر الله تعرضت لكل الابتلاءات خارج السجون فارض الله واسعة نسافر نهاجر حتى الزوجة تملك خيار الطلاق لك ولها أما السجين في الاسر فلا يوجد امامه اي خيار الا خيار واحد ووحيد ان يتعايش مع هذا الواقع اذا هي فتنة يتعرض لها اخوانكم الاسرى في كل لحظة وفي كل يوم هناك الجديد لذلك هناك معارك الامعاء الخاوية من اجل العزة والكرامة معركة مفتوحة بين سجان يملك كل اسباب القوة المادية وسجين لا يملك من القوة المادية الا ارادة وعزيمة يعمل جاهدا للحفاظ عليها حتى لا يستحقر نفسه حتى يبقى انسانا حتى لا يحول الى حيوان كما هو هدف هذا السجان .

هذه هي قضيتنا وجل معاناتنا وآلامنا أن ينال هذا السجان التافه الشاذ من اغلى واعز ما نملك عزتنا وكرامتنا ,, فهل هانت عليكم حتى نترك كل هذه السنوات وهل هناك ثمن لهذه العزة والكرامة ان لا قدر الله اهدرت وهل امرهما والمحافظة عليهما يحتاج الى قرار وحوار هل المحافظة على الانسان كقيمة حولها شك هل المحافظة على حياة الانسان عزيزًا كريماً حولها جدل هل تخليصنا من الموت يحتاج إلى نقاش يستغرق كل هذه السنوات .

قال ..قالت ..قالوا اكتب لنا رسالة فبعد ايام ستدخل عامك ........ سجينا خلف الضبان اتمنى ممن يهمه الامر ان يضع الرقم الذي يراه مناسبا ..وشكرا

أخوكم الأسير
حسن عبد الرحمن سلامة

17/5/2014
في ذكرى دخولي العام التاسع عشر سجينا خلف القضبان
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية