خرج الوزير السوري المخضرم عن "دبلوماسيته" المعهودة ، ووصف حكام (إسرائيل) بـ"الزعران" الذين يوزعون التهديدات بالحروب والعدوانات ذات اليمين وذات الشمال ، تارة يهددون باجتياح غزة وإسقاط حكم حماس...وتارة ثانية يتّجهون شمالا ، متوعدين لبنان وحكومته ومقاومته بـ"عقيدة الضاحية" ، وهي الاسم الحركي لسياسة الأرض المحروقة وحروب الإبادة الجماعية...وتارة ثالثة يتوعدون إيران بضربها في العمق ، ويجرون الاستعدادات والتدريبات التي ستمكنهم من فعل ذلك...وتارة رابعة يعاودون إطلاق التهديدات لسوريا بالحرب و"إسقاط النظام" والوصول إلى دمشق...حتى أن السلطة الفلسطينية في رام الله لم تسلم من التهديدات المجنونة التي يطلقها وزير خارجية (إسرائيل) ، الذي لا يعرف "ماذا يمثل عباس ومن" ، ملوحا ليس بمنع عباس وفيّاض من إقامة دولتهما المستقلة خلال عامين ، بل وبخسارة نفوذهما في "يهودا والسامرة" بعد أن خسراه في قطاع غزة.
بخلاف التغطية الإعلامية الساذجة التي حفلت بها بعض صحف "الاعتدال النفطي" عن حرب التهديدات والملاسنات ، والتي ركّزت على "الخلاف" المزعوم بين نتنياهو ووزير خارجيته ، جاءت تغطية يديعوت أحرونوت ، لتظهر "لعبة تبادل الأدوار" بين الرجلين ، فلا خلاف بينهما من ناحية الجهور كما تقول الصحيفة نقلا عن "مقربي نتنياهو" ومستشاريه ، والتصريحات التي صدرت عن ليبرمان حظيت بقبول وتأييد من "الأزعر" الأكبر في "النظام السياسي الإسرائيلي".
وفيما العالم منصرف لتعقب محاولات استئناف المفاوضات وإحياء عملية السلام ، وفيما قادة (إسرائيل) و"زعرانها" يذرون الكثير من الرماد والرمال في العيون ، فإن أفعالهم الحقيقية تنصب على قرع طبول الحرب والاستعداد لها ، وعلى مختلف الجبهات والمسارات .
وتحت دخان الدعوات الزائفة لاستئناف المفاوضات تارة مع عباس وأخرى مع سوريا ، ودائما "من دون شروط مسبقة" ، يجري العمل على حفر الخنادق ونشر القوات وبناء "القباب الفولاذية" واستكمال "الجهوزية" للمعارك والحروب القادمة.
هذه هي (إسرائيل): كثير من "الرطانة" عن السلام ، يقابلها أو بالأحرى يتقدم عليها ، كثير من الأفعال الممهدة للحرب ، وليس مستبعدا أبدا أن تقدم (تل أبيب) ، ومن دون انتظار أو تمهيد ، على "قلب الطاولة" على رؤوس اللاعبين ، خصوصا إذا ما شعر "الزعران" بأن لديهم مشكلة في حفظ الائتلاف وضمان البقاء في السلطة ، أو إذا وجدوا أنفسهم تحت ضغط الحاجة للوفاء بالتزامات السلام على مساراته المختلفة.
ما كان لوزير محنّك وديبلوماسي رزين ومخضرم ، لم يُعرف عنه ببوحه بانفعالاته ، أن يتحدث باللغة التي تحدث بها المعلم ، لولا أن "القلوب قد بلغت الحناجر...وما كان لسوريا أن تتحدث عن "الحرب الشاملة" والتي ستكون مدن (إسرائيل) مسرحا لها كذلك ، إن تعرضت سوريا أو جنوب لبنان للعدوان ، لولا أن لديها من مخاوف جدية من جنون "الزعران" وقلة مسؤوليتهم وحساسيتهم.
قد يقول قائل بأن تهديدات (إسرائيل) لسوريا ليست سوى تكتيك ضاغط لدفعها للجلوس على مائدة مفاوضات من دون شروط مسبقة...وقد يقول آخر بأن هذه الضغوط ليست سوى مقدمة لحرب "مزدوجة" على جبهتي جنوب لبنان وجنوب فلسطين ، تسبق "أم المعارك" على البرنامج النووي الإيراني..وقد يرى فريق ثالث ، بأنها ليست سوى بضاعة رديئة موجهة للسوق المحلية ، وهدفها في المقام الأول والأخير الاستهلاك المحلي...وقد يقول فريق رابع بأنها مزيج من هذا وذاك وتلك .
لكن وبصرف النظر عن أسباب هذه التهديدات والدوافع الكامنة لدى مطلقيها ، فإن أحداً لن يكون بمقدوره التنكر لحقيقة أن "زعران" (إسرائيل) يلعبون بالنار ، وأن هذه النار التي قد تحرق المنطقة برمتها ، ستحرق أصابعهم وأيديهم وأرجلهم كذلك ، ما لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة وكفاءة ، لوضع حد لـ"بلطجة أزعر الحيط".
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية