سبعة عشر عاماً ولم تجف دماء شهداء "الإبراهيمي" بعد!
كان يوم الخامس والعشرين من نوفمبر من عام 1994م، يوماً غير عادي بكل المقاييس لأهل مدينة "الخليل" جنوب الضفة المحتلة، ذهب جيراني وبعض أهلي لصلاة فجر يوم الخامس عشر من رمضان في المسجد الإبراهيمي، أتذكر من ذلك اليوم رغم بُعده وصغر سني وقتها أنني تناولت سَحوري، وتعجّلت لفراش النوم، الذي سرعان ما فزعت منه وبدون إنذار بعد سماعنا لإطلاق نار كثيف رافقه صياح وصراخ اخترق جدار الصوت في الخليل، الكل يصرخ بفزع : ماذا يجري؟، وسرعان ما أتى النبأ : "يهود.. طخ.. الحرم.. دم.. صلاة.. سجدة.. إلحقوا"، ببساطة كلماتٌ منهارة نفسياً، ولم أكن بذلك الغباء لكي لا أسنتنج وقوع مجزرة صهيونية جديدة مسرحها محراب النبي "إبراهيم" الخليل عليه السلام هو ومن استشهد في ضيافته فجر ذلك اليوم الأسود!.
لا أريد أن أغرقكم في تفاصيل التاريخ، فأنتم ولا شك تعرفونها، ومن كانت لديه مشكلة في تصور أحداث المذبحة ووقائعها وآثارها فأنصحه بمشاهدة الفيلم الوثائقي الرائع :" دماء في محراب إبراهيم ". لكن الذي يعنيني اليوم هو مقارنة بسيطة لجفاء سلطة "فتح" للمسجد الإبراهيمي وعدم اعتنائها واهتمامها بالشكل الذي يرقى للتحديات التي يواجهها "الإبراهيمي" وأهل البلدة القديمة، الذين يتلقون المساعدات والمساندات من الاتحاد الإوروبي وقوات التواجد الدولي أكثر بكثير من الدعم "السلطوي" البائس.
لم يكن أحد يتوقع مِعشار ما حصل يومها في "الخليل"، كان الحدث -ولا شك- هزة عنيفة لنا كفلسطينين وكعرب بعد توقيع اتفاقية "أوسلو" المشؤومة التي أسها "الأرض مقابل السلام"، فلا احتفظ المفاوضون بالأرض، ولا منحهم الإسرائيليون "السلام"، على الأقل في صحن "المسجد الإبراهيمي الشريف"، الذي سقط في يد الاحتلال الصهيوني عام 1967م، ومنذ ذلك الوقت خضع لسيطرة صهيونية كاملة، يقتحم المغتصبون الصهاينة بموجبها باحات المسجد لإقامة الشعائر اليهودية بتغطية من جنود الاحتلال "الإسرائيلي"، ولك أن تتوقع أن المجزرة لم تكن الحلقة الأولى في الإعتداءات الصهيونية على "الإبراهيمي"، بل سبقها اعتداءات على حُرمة المسجد وإلقاء لمواد حارقة على سجادات وحصائر المسجد أكثر من مرة!.
نسألكم اليوم يا سادتي : كيف سيجف دم شهداء الخليل عندما يعلمون بأن السلطة رضخت لتوصيات لجنة "شنغار" الصهيونية التي قسمت الإبراهيمي إلى شطرين واحد للمسلمين والآخر للصهاينة؟، فلتذهب أسلو إلى الحجيم إن لم تحقق الأمان والسلام للسجد الركع فجراً، هذا ما قاله أهلي وجيراني الذين ابتلوا بفقد ابنهم يومها، لكن لم يسمع أحد لهم سوى كتائب القسام التي سارعت بالأخذ بثأرهم في سلسلة عمليات قسامية مزلزلة بتخطيط من القائد المهندس يحيى عياش رحمه الله، موقف السلطة الفلسطينية خيانة لدماء شهدائنا ودمعات أمهاتنا الثكلى ولا شك، لا سيّما بعد أن أخذت السلطة "عطوة دم" نيابة عن الإسرائيلين آنذاك!!.
إذن فإن استهداف "الإبراهيمي" ليس بالجديد بل هو عقيدة صهيونية في الماضي والحاضر والمستقبل!، ولن تقف عند المذبحة الدامية، بل لقد لاحظنا زيادة وتيرة الاستهداف وسرعته بعد المجزرة، حتى وصل الصهاينة "أخيراً" لقرار غريب بضم ما ليس لهم ولا من حقهم لقائمة المواقع الأثرية "اليهودية" بموجب قرار رئيس الحكومة الصهيونية "نتنياهو" - التي نعيش ذكراها الأولى في هذه الأيام أيضاً - في محاولة خبيثة لتزوير معالم التاريخ، وطمس لكل ما هو إسلامي وعربي هنا. آخر التصريحات كانت وقبل أيام فقط لـ(موشيه أرينز) وزير دفاع إسرائيلي سابق وأحد قادة الليكود حيث قال : "إن «الحرم الإبراهيمي الشريف» في قلب مدينة الخليل سيكون تحت السيادة الإسرائيلية"، ومعنى السيادة الإسرائيلية هنا، أن "إسرائيل" لن تفرط في احتلال المسجد في أي اتفاق مقبل "إن وقع" وستحتفظ بحق فتح وإغلاق المسجد متى شاءت، ويشمل المنع حتى آذان الصلاة الذي وصل لأكثر من 52 أمرا في الشهر الماضي فقط!. في الوقت الذي تتسارع فيه عمليات الاستيطان والاستيلاء على مواقع جديدة على مقربة من البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي الشريف، وأعتقد أنكم تتذكرون حادثة إخلاء مبنى الرجبي من المستوطنين الصهاينة عام 2009م، وكيف استمات الصهاينة من أجل استمرار احتلالهم لهذا المبنى "الاستراتيجي"، والذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الإبراهيمي وقلب مدينة الخليل.
ولنعد لقرار ضم الإبراهيمي لقائمة المواقع الأثرية "اليهودية" الذي تم بموجبه وضع ميزانية كبرى لتغيير معالم "الإبراهيمي" الإسلامية، ووضع هياكل يهودية، وتنظيم رحلات طلابية للمسجد وتصويره على أنه مَعلم "يهودي"!، رغم أن "المكان" إسلامي خالص، بشواهد مئذنتيه، ومحرابه، وسورة يس المخطوطة بخط الثلث على دائر المسجد.
المطلوب من أهل الضفة الغربية وأراضي الـ48 تكثير خطاهم نحو المسجد المحاصر والمهدد بالتهويد، والحرص على التواجد فيه ما أمكن، ودعم سكان البلدة القديمة، و الدعوة إلى رباط "الإبراهيمي"، وعدم السماح للمغتصبين الصهاينة بالاستفراد بكامل المسجد أيام أعيادهم التوراتية، كما ندعو مدارس الضفة الغربية إلى تسيير باصاتها إلى الأماكن الإسلامية المهددة بالتهويد، والحرص على بيان إسلامية وعروبية هذه الأماكن، وإنشاء صدوق خيري لدعم ترميم هذه الأماكن، وتعيين حراس بمرتبات مجزية تكون مهمتهم منع التجاوزات وإنذار المسلمين من أي خطر قد يتهدد أماكننا المقدسة، ولئن كانت السلطة "الفتحاوية" متناسية للمسجد الإبراهيمي، هي ورئيس حكومتها فياض، المنشغل ببناء وترميم الإستادات الرياضية بميزانيات طائلة في الخليل، فإن قضية الإبراهيمي هي قضية المسلمين ولن نعطي سلطة "فتح" شرف خدمة مرقد نبي الله إبراهيم الخليل عليه وعلى شهدائنا السلام.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية