سلوك (إسرائيل) إزاء أحداث مصر
عدنان أبو عامر
لا يمكن الاستخفاف بالأهمية الفائقة للتطورات المصرية على "إسرائيل"، فقد تواصلت متابعاتها الحثيثة لتطورات الموقف الميداني فيها، على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية، وطغى المشهد المصري، على مجمل التحركات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، حتى لو لم يتم الإعلان عنها في الصحافة والإعلام، ولم يبد ما يحصل في شوارع القاهرة والإسكندرية وأسيوط والفيوم شأناً مصرياً داخلياً، وإنما إسرائيلياً بامتياز!
وهو ما يطرح جملة من الأسئلة على الواحد منا، ومن أهمها: هل توقعت الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية التطورات المصرية وصولاً إلى حدث الانقلاب؟ وكيف نظرت "إسرائيل" إليه، ومدى تأثيره على الواقع الإسرائيلي؟ وإلى أي حد تدخلت "إسرائيل" في بعض أحداثه، لتجييره خدمة لمصالحها الإستراتيجية؟
مع العلم أن ما سبق الانقلاب في مصر من أحداث وتطورات طوال السنة الماضية، شهد طرح تخوفات من فرضية انسحاب مصر، ولو نسبياً، من محور "الاعتدال العربي"، وتحولها إلى محور مواجهة، ما يُشكّل خطراً أمنياً وجغرافياً وسياسياً كبيراً على "إسرائيل"، لأنها ستعيش في منطقة غير مستقرة، وستحاول الجهات المعادية استغلال الوضع الناشئ لزيادة نفوذها، ومن شأن هذه الخطوات والتطورات أن تعزّز صحة ما يقال أن حاجاتها الأمنية ستزداد، مما يقتضي زيادة ميزانيتها.
وقد أدركت "إسرائيل" جيداً أن مصر تبقى عنوان التغيير الإقليمي والدولي، نظراً لوزنها في التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا، وهو ما من شأنه أن يفاقم العزلة والحصار الدولي اللذين تعزّزا ضد "إسرائيل"، ويعكس التحول الذي بدأ يظهر في توازن القوى الإقليمية عقب سقوط نظام مبارك، خصوصاً وأنها قد ترسل إشارات فحواها أنها لم تعد ملتزمة بالحلف الإستراتيجي معها كما كان في عهده، وأنها أصبحت مستعدة للتعاون مع دول معادية لها كتركيا على سبيل المثال.
ولذلك جاء الترحيب الإسرائيلي الخفي بالانقلاب واضحاً جلياً، في ضوء ما لفتت إليه الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية إلى أنه منذ فوز الرئيس محمد مرسي، ونجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، ازدادت "برودة السلام البارد أصلاً" مع القاهرة، ويمكن ملاحظة المؤشرات الدالة على ذلك من خلال توقفها عن تزويد تل أبيب بالغاز الطبيعي، وعودة الشيخ يوسف القرضاوي إليها بعد نفي دام عشرات الأعوام.
وكل ذلك زاد في كفة ما اعتبرته تل أبيب دوراً مصرياً واضحاً في كونها تعيش فترة من انعدام الاستقرار في المنطقة، في ضوء الزلزال الذي يضرب العالم العربي في الوقت الحالي، ولا تعرف كيف ستنتهي الأمور.
ولعل ما جعل الأحداث في مصر، خلال العام الأول فقط من حكم مرسي، تشعل المزيد من الأضواء الحمراء لدى صناع القرار في تل أبيب، أنها أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن سلامها كان مع شخص مبارك ومنظومته الحاكمة، وليس مع الشعب المصري، وبدأت تتحسس الآثار المحتملة على تسارع تدهور العلاقات المصرية الإسرائيلية، واحتمالات تراجعها، وأي علاقة معها ستكون محفوفة بالمخاطر في المدى الزمني المنظور.
وهنا تبرز إشكالية الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، لأن آلة دعايته قامت على فرضية أن مشكلة "إسرائيل" مع الدول العربية في طبيعة نظمها الديكتاتورية، والوضع في مصر أكبر شاهد على ذلك، لكن الثورات المتلاحقة جعلتها أكثر قلقاً من احتمالات تحرر العرب منها، وتبين أن أنسب الأوضاع لـ"إسرائيل" تكمن في استمرارها.
ولذلك يبدو ساذجاً عدم قراءة ما جرى من اتصالات مكثفة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة والدول الغربية بشأن ما حدث في مصر بعد الثورة، وفوز مرسي، وأوفدت وزارة الخارجية عدداً من دبلوماسييها لبعض العواصم الغربية لعقد سلسلة من اللقاءات العاجلة مع مسئوليها، للإعراب عن تشاؤمهم بتحقق بعض السيناريوهات السلبية الموضوعة بشأن تطورات الأحداث في مصر، ويشير أحدها إلى أن حالة تمدد الإسلاميين فيها، ستتيح لهم السيطرة على مفاصل السلطة، وهو ما من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً باتفاقية "كامب ديفيد" على المدى البعيد.
ورغم أن (إسرائيل) استبعدت قيام النظام المصري الجديد "الإخواني" بإلغاء اتفاق السلام، لكنه في المقابل سيتوقف عن لعب "دور النجاة" لها في محاولاتها للخروج من العزلة الدولية المفروضة عليها، وسيقوم بتحسين علاقاته مع الفلسطينيين عموماً، بمن فيهم أعداء "إسرائيل".
بصورة أكثر تفصيلاً، تفترض "إسرائيل" أنّ القوى المعادية، خاصة الإخوان المسلمين، سيسيطرون على مقاليد الحكم، وبعد مرور فترة زمنية سيمتدون للجيش، ليشكل تهديداً لجيشها، وهنا تكمن مشكلتها الكبيرة، لأن ذلك سيعني بصورة أو بأخرى تحديدها في العقود القادمة القريبة للأجندة السياسية في المنطقة.
أخيراً..ورغم أن (إسرائيل) لم تصدر موقفاً رسمياً معلناً تجاه انقلاب مصر، لكنها وصفت سابقاً ما حدث في العواصم العربية عموماً، والقاهرة خصوصاً، من تزايد نفوذ الإسلاميين بأنها "مأساة" ستحل بها، وهنا يمكن القول إن تم الانقلاب على "المأساة"، فماذا حل إذن؟
وأظهرت الساعات الأخيرة أنه لا يمكن وصف سعادة "إسرائيل" على إقصاء أعداء لِدادٌ لها عن الحكم في مصر، ويمكن الجزم بأنها أكبر مستفيد من الانقلاب عليهم، ورغم أنها تتشدق بالديمقراطية، إلا أنها تخاف منها، ومن نتائجها العكسية بين الشعوب العربية، التي لو أدت إلى انتخابات حقيقية على موقف سياسي، ستكون فيه بالتأكيد أول الخاسرين، وهو ما أثبتته الثورات العربية في العام الأخير.
عدنان أبو عامر
لا يمكن الاستخفاف بالأهمية الفائقة للتطورات المصرية على "إسرائيل"، فقد تواصلت متابعاتها الحثيثة لتطورات الموقف الميداني فيها، على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية، وطغى المشهد المصري، على مجمل التحركات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، حتى لو لم يتم الإعلان عنها في الصحافة والإعلام، ولم يبد ما يحصل في شوارع القاهرة والإسكندرية وأسيوط والفيوم شأناً مصرياً داخلياً، وإنما إسرائيلياً بامتياز!
وهو ما يطرح جملة من الأسئلة على الواحد منا، ومن أهمها: هل توقعت الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية التطورات المصرية وصولاً إلى حدث الانقلاب؟ وكيف نظرت "إسرائيل" إليه، ومدى تأثيره على الواقع الإسرائيلي؟ وإلى أي حد تدخلت "إسرائيل" في بعض أحداثه، لتجييره خدمة لمصالحها الإستراتيجية؟
مع العلم أن ما سبق الانقلاب في مصر من أحداث وتطورات طوال السنة الماضية، شهد طرح تخوفات من فرضية انسحاب مصر، ولو نسبياً، من محور "الاعتدال العربي"، وتحولها إلى محور مواجهة، ما يُشكّل خطراً أمنياً وجغرافياً وسياسياً كبيراً على "إسرائيل"، لأنها ستعيش في منطقة غير مستقرة، وستحاول الجهات المعادية استغلال الوضع الناشئ لزيادة نفوذها، ومن شأن هذه الخطوات والتطورات أن تعزّز صحة ما يقال أن حاجاتها الأمنية ستزداد، مما يقتضي زيادة ميزانيتها.
وقد أدركت "إسرائيل" جيداً أن مصر تبقى عنوان التغيير الإقليمي والدولي، نظراً لوزنها في التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا، وهو ما من شأنه أن يفاقم العزلة والحصار الدولي اللذين تعزّزا ضد "إسرائيل"، ويعكس التحول الذي بدأ يظهر في توازن القوى الإقليمية عقب سقوط نظام مبارك، خصوصاً وأنها قد ترسل إشارات فحواها أنها لم تعد ملتزمة بالحلف الإستراتيجي معها كما كان في عهده، وأنها أصبحت مستعدة للتعاون مع دول معادية لها كتركيا على سبيل المثال.
ولذلك جاء الترحيب الإسرائيلي الخفي بالانقلاب واضحاً جلياً، في ضوء ما لفتت إليه الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية إلى أنه منذ فوز الرئيس محمد مرسي، ونجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، ازدادت "برودة السلام البارد أصلاً" مع القاهرة، ويمكن ملاحظة المؤشرات الدالة على ذلك من خلال توقفها عن تزويد تل أبيب بالغاز الطبيعي، وعودة الشيخ يوسف القرضاوي إليها بعد نفي دام عشرات الأعوام.
وكل ذلك زاد في كفة ما اعتبرته تل أبيب دوراً مصرياً واضحاً في كونها تعيش فترة من انعدام الاستقرار في المنطقة، في ضوء الزلزال الذي يضرب العالم العربي في الوقت الحالي، ولا تعرف كيف ستنتهي الأمور.
ولعل ما جعل الأحداث في مصر، خلال العام الأول فقط من حكم مرسي، تشعل المزيد من الأضواء الحمراء لدى صناع القرار في تل أبيب، أنها أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن سلامها كان مع شخص مبارك ومنظومته الحاكمة، وليس مع الشعب المصري، وبدأت تتحسس الآثار المحتملة على تسارع تدهور العلاقات المصرية الإسرائيلية، واحتمالات تراجعها، وأي علاقة معها ستكون محفوفة بالمخاطر في المدى الزمني المنظور.
وهنا تبرز إشكالية الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، لأن آلة دعايته قامت على فرضية أن مشكلة "إسرائيل" مع الدول العربية في طبيعة نظمها الديكتاتورية، والوضع في مصر أكبر شاهد على ذلك، لكن الثورات المتلاحقة جعلتها أكثر قلقاً من احتمالات تحرر العرب منها، وتبين أن أنسب الأوضاع لـ"إسرائيل" تكمن في استمرارها.
ولذلك يبدو ساذجاً عدم قراءة ما جرى من اتصالات مكثفة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة والدول الغربية بشأن ما حدث في مصر بعد الثورة، وفوز مرسي، وأوفدت وزارة الخارجية عدداً من دبلوماسييها لبعض العواصم الغربية لعقد سلسلة من اللقاءات العاجلة مع مسئوليها، للإعراب عن تشاؤمهم بتحقق بعض السيناريوهات السلبية الموضوعة بشأن تطورات الأحداث في مصر، ويشير أحدها إلى أن حالة تمدد الإسلاميين فيها، ستتيح لهم السيطرة على مفاصل السلطة، وهو ما من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً باتفاقية "كامب ديفيد" على المدى البعيد.
ورغم أن (إسرائيل) استبعدت قيام النظام المصري الجديد "الإخواني" بإلغاء اتفاق السلام، لكنه في المقابل سيتوقف عن لعب "دور النجاة" لها في محاولاتها للخروج من العزلة الدولية المفروضة عليها، وسيقوم بتحسين علاقاته مع الفلسطينيين عموماً، بمن فيهم أعداء "إسرائيل".
بصورة أكثر تفصيلاً، تفترض "إسرائيل" أنّ القوى المعادية، خاصة الإخوان المسلمين، سيسيطرون على مقاليد الحكم، وبعد مرور فترة زمنية سيمتدون للجيش، ليشكل تهديداً لجيشها، وهنا تكمن مشكلتها الكبيرة، لأن ذلك سيعني بصورة أو بأخرى تحديدها في العقود القادمة القريبة للأجندة السياسية في المنطقة.
أخيراً..ورغم أن (إسرائيل) لم تصدر موقفاً رسمياً معلناً تجاه انقلاب مصر، لكنها وصفت سابقاً ما حدث في العواصم العربية عموماً، والقاهرة خصوصاً، من تزايد نفوذ الإسلاميين بأنها "مأساة" ستحل بها، وهنا يمكن القول إن تم الانقلاب على "المأساة"، فماذا حل إذن؟
وأظهرت الساعات الأخيرة أنه لا يمكن وصف سعادة "إسرائيل" على إقصاء أعداء لِدادٌ لها عن الحكم في مصر، ويمكن الجزم بأنها أكبر مستفيد من الانقلاب عليهم، ورغم أنها تتشدق بالديمقراطية، إلا أنها تخاف منها، ومن نتائجها العكسية بين الشعوب العربية، التي لو أدت إلى انتخابات حقيقية على موقف سياسي، ستكون فيه بالتأكيد أول الخاسرين، وهو ما أثبتته الثورات العربية في العام الأخير.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية