شذَرات من عبير الذكرى الجليلة
لمى خاطر
قبل وبعد استشهاد الياسين رحمه الله؛ كنت أحتار في تخيّر التوصيف الأنسب الذي ينبغي أن أقدّم به اسمه كلما كتبت عنه: الإمام، الشيخ، القائد، المجاهد.. وهو كان ذلك كلّه، لكنني بقيت أستحضر جملة كتبتها في صغري وألقيتها في المدرسة في ذكرى اعتقاله لا شهادته، وكان من سياقها: (يا من كتبتَ بيدك المشلولة على الجدران..)، والجدران في ذلك الوقت كانت وسيلة التعبير وتسطير ما يخطر ببال جيل الانتفاضة، كما هو حائط الفيسبوك هذه الأيام..!
وحقيقة، كان ذلك الأثر هو ما صنعته رمزية (أحمد ياسين) في نفوس محبيه؛ دلالة الحركة التي تعاكس القعود والشلل، ونحن ما كنّا نرى في الياسين لمحة عجز أو إشارة ضعف، لأن تساميه على عامل الإعاقة الجسدية ظلّ عبرة ماثلة أمام الأنظار تعين على نبذ اليأس، وعلى التعايش مع مرارة الظروف، بل والتقدم رغم المشي على حدّ النصال!
كثيرة هي النصوص الأدبية والسياسية التي كتبت بين يدي رمزية (الإعاقة الجسدية) للياسين التي ما شكّلت حاجزاً مانعاً للثورة والعمل، والجهاد والسير قدماً في أصعب الدروب وفي الثبات على أكثر الخيارات مشقّة وجلباً للأذى. لكن التعبير الأكثر حضوراً وجلالا كان في الأثر الذي صنعته الرمزية في وعي جنده، وهم يشقّون جدر المستحيل، ويتلقون دروساً عملية في البذل والإقدام، وفي التفاني والاقتحام، وفي التجرد والمثابرة.
إن تلك السنوات التي كان فيها الشيخ على رأس حركة حماس منذ ولادتها وحتى شهادته، صنعت معادن تصليبها الأهمّ، لأن القدوة الحقّة تمثّلت في شخصه، بكل متعلقاتها المعنوية، من إخلاص وانتماء وعطاء وثبات وصمود، وهذا الأخير كان تجلياً لصبره الطويل والكبير على مرضه الخاص، حتى غدا عاملاً هامشياً لم يحل دون تفرّد شخصيته القيادية ولم يُعق حالة النهوض بالحركة على جميع مسارات البذل المكلفة، تماماً كما لم يحُل دون استهداف الشيخ؛ بالاعتقال عدة مرات آخرها أعقبه حكم بالمؤبد بحقه، وبالاغتيال أخيرا.. يوم وقف كيان الاحتلال كلّه يرقب ساعة الخلاص منه وينتظر انعكاس غيابه على مسيرة حركته، بعد أن حمّله مسؤولية تصاعد عملها المسلح خلال انتفاضة الأقصى.
استهدف الاحتلال جسد الشيخ رغم أنه –رحمه الله- كان في حالة صحية حرجة، وكان بعض المقربين منه يتوقعون انتقاله للرفيق الأعلى في كلّ لحظة، لكن قادة الاحتلال أرادوا إحداث دويّ صاخب ومربك ومشتت للألباب في نفوس وعقول أنصاره، ولم يوفروا فرصة النيل منهم حين أتيحت لهم بعد أيام من المراقبة..!
لكن عجزهم وخيبتهم كانا ماثلين في كل لحظات الإمام الأخيرة، وهو الذي اختار طائعاً أن يتخلى عن جميع عوامل حفظ أمنه حين أحسّ بدنوّ أجله، فانتقل للمسجد حيث كانت بداية التكوين وأولى الخطوات، وبعد صلاة الفجر لاحت له بشائر الصعود، فخرج من مسجده مقبلاً على الشهادة، فيما كانت صواريخ (الأباتشي) تحسب أنها سجّلت إنجازاً آخر في الحرب على حماس، وفرحت ومعها قادة أركان الاحتلال بالظفر بالهدف، لكنه كان يكمل درب صعوده الجليل، فيما أعداؤه ينحدرون وهم يعلنون الانتصار على كرسي متحرك، هوى مشروعهم تحت عجلاته، قبل أن يصعد صاحبه إلى عالمه الخالد المنتظر!
لمى خاطر
قبل وبعد استشهاد الياسين رحمه الله؛ كنت أحتار في تخيّر التوصيف الأنسب الذي ينبغي أن أقدّم به اسمه كلما كتبت عنه: الإمام، الشيخ، القائد، المجاهد.. وهو كان ذلك كلّه، لكنني بقيت أستحضر جملة كتبتها في صغري وألقيتها في المدرسة في ذكرى اعتقاله لا شهادته، وكان من سياقها: (يا من كتبتَ بيدك المشلولة على الجدران..)، والجدران في ذلك الوقت كانت وسيلة التعبير وتسطير ما يخطر ببال جيل الانتفاضة، كما هو حائط الفيسبوك هذه الأيام..!
وحقيقة، كان ذلك الأثر هو ما صنعته رمزية (أحمد ياسين) في نفوس محبيه؛ دلالة الحركة التي تعاكس القعود والشلل، ونحن ما كنّا نرى في الياسين لمحة عجز أو إشارة ضعف، لأن تساميه على عامل الإعاقة الجسدية ظلّ عبرة ماثلة أمام الأنظار تعين على نبذ اليأس، وعلى التعايش مع مرارة الظروف، بل والتقدم رغم المشي على حدّ النصال!
كثيرة هي النصوص الأدبية والسياسية التي كتبت بين يدي رمزية (الإعاقة الجسدية) للياسين التي ما شكّلت حاجزاً مانعاً للثورة والعمل، والجهاد والسير قدماً في أصعب الدروب وفي الثبات على أكثر الخيارات مشقّة وجلباً للأذى. لكن التعبير الأكثر حضوراً وجلالا كان في الأثر الذي صنعته الرمزية في وعي جنده، وهم يشقّون جدر المستحيل، ويتلقون دروساً عملية في البذل والإقدام، وفي التفاني والاقتحام، وفي التجرد والمثابرة.
إن تلك السنوات التي كان فيها الشيخ على رأس حركة حماس منذ ولادتها وحتى شهادته، صنعت معادن تصليبها الأهمّ، لأن القدوة الحقّة تمثّلت في شخصه، بكل متعلقاتها المعنوية، من إخلاص وانتماء وعطاء وثبات وصمود، وهذا الأخير كان تجلياً لصبره الطويل والكبير على مرضه الخاص، حتى غدا عاملاً هامشياً لم يحل دون تفرّد شخصيته القيادية ولم يُعق حالة النهوض بالحركة على جميع مسارات البذل المكلفة، تماماً كما لم يحُل دون استهداف الشيخ؛ بالاعتقال عدة مرات آخرها أعقبه حكم بالمؤبد بحقه، وبالاغتيال أخيرا.. يوم وقف كيان الاحتلال كلّه يرقب ساعة الخلاص منه وينتظر انعكاس غيابه على مسيرة حركته، بعد أن حمّله مسؤولية تصاعد عملها المسلح خلال انتفاضة الأقصى.
استهدف الاحتلال جسد الشيخ رغم أنه –رحمه الله- كان في حالة صحية حرجة، وكان بعض المقربين منه يتوقعون انتقاله للرفيق الأعلى في كلّ لحظة، لكن قادة الاحتلال أرادوا إحداث دويّ صاخب ومربك ومشتت للألباب في نفوس وعقول أنصاره، ولم يوفروا فرصة النيل منهم حين أتيحت لهم بعد أيام من المراقبة..!
لكن عجزهم وخيبتهم كانا ماثلين في كل لحظات الإمام الأخيرة، وهو الذي اختار طائعاً أن يتخلى عن جميع عوامل حفظ أمنه حين أحسّ بدنوّ أجله، فانتقل للمسجد حيث كانت بداية التكوين وأولى الخطوات، وبعد صلاة الفجر لاحت له بشائر الصعود، فخرج من مسجده مقبلاً على الشهادة، فيما كانت صواريخ (الأباتشي) تحسب أنها سجّلت إنجازاً آخر في الحرب على حماس، وفرحت ومعها قادة أركان الاحتلال بالظفر بالهدف، لكنه كان يكمل درب صعوده الجليل، فيما أعداؤه ينحدرون وهم يعلنون الانتصار على كرسي متحرك، هوى مشروعهم تحت عجلاته، قبل أن يصعد صاحبه إلى عالمه الخالد المنتظر!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية